> حاوره/ عبدالقادر باراس:
- اتفاق مبدئي على النظام الفيدرالي في الدولة الجنوبية وتطبيقه بحاجة إلى بحث ونقاش
- نواجه تحديات كبيرة في كيفية تجنب الانسياق وراء محاولات شق الصف الجنوبي
- اختيار اسم الدولة الجنوبية سيحسم عبر استفتاء شعبي بعد الاستعادة
- المرحلة الراهنة تتطلب التركيز على أسس بناء الدولة والشراكة الوطنية والمفاوضات
في هذا الإطار التقت "الأيام" برئيس فريق الحوار الوطني الجنوبي الأستاذ عبدالسلام مسعد، ليطلعنا على دور فريق الحوار الوطني وما تم إنجازه في إطار اللقاء التشاوري، إلى جانب استعراض أبرز التحديات التي تواجه الفريق، والرؤية المطروحة لتفعيل مخرجات اللقاء وتحويلها إلى خطوات عملية.
> ما الدور الذي لعبه فريق الحوار الوطني الجنوبي في إنجاح اللقاء التشاوري؟.. وكيف أدار الحوارات مع مختلف المكونات خلال العامين الماضيين؟
- إذا أردنا الحديث عن فريق الحوار الوطني الجنوبي والدور البارز الذي أداه في إنجاح اللقاء التشاوري، فإننا أمام موضوع واسع ومليء بالتفاصيل. لقد أصبحت قضية الحوار في العصر الراهن من القضايا المهمة جدًا التي لا يمكن لأي مكون أو قوة سياسية بل حتى الدول الاستغناء عنها. فالحوار هو السبيل الحضاري لحل الخلافات وهو النهاية الطبيعية لكل النقاشات والصراعات بما في ذلك الحروب. لذلك فإن الحوار لم يعد خيارا بل أمرا مهم.
من الجيد أن المجلس الانتقالي الجنوبي بادر بفتح باب الحوار مع مختلف الأطراف الجنوبية ولهذا الغرض تم تشكيل فريق الحوار الوطني الجنوبي منتصف عام 2021م برئاسة الأستاذ مراد الحالمي. وواصل الفريق أعماله لاحقا في الخارج برئاسة الأستاذ أحمد عمر بن فريد، ثم تولى الدكتور صالح محسن الحاج، قيادة الفريق في الداخل وحاليا أتراس الفريق الحوار الوطني.
هناك توجه لدى المجلس الانتقالي نحو ترسيخ الحوار الوطني كمسار دائم ومستمر وليس كحالة مؤقتة أو ظرفية انطلاقًا من كونه قضية رئيسية ذات طابع استراتيجي ومستدام تهدف إلى أداء دور فاعل في المجتمع. ومن هذا المنطلق بدأ فريق الحوار الوطني أعماله منذ عام 2021م وتوجت هذه الجهود باللقاء التشاوري الذي عقد في يوليو 2023، والذي أثمر عن العديد من المخرجات الهامة.
نجاح اللقاء التشاوري ما كان ليتحقق لولا تجاوب جميع الأحزاب والمكونات السياسية الجنوبية ومنظمات المجتمع المدني التي جرى التحاور معها. لقد كان حضورهم وتقبلهم للحوار ومشاركتهم الفاعلة الأساس الحقيقي في إنجاح هذا اللقاء، فقد أسهموا بفعالية في تسهيل مجريات اللقاء والإجراءات المصاحبة له رغم أن فريق الحوار لم يعد مسبقًا أي وثيقة وقد ترك للمشاركين في اللقاء حرية اختيار ممثليهم في اللجان التي شكلت داخله وهي التي تولت إعداد كل الوثائق الأساسية التي خرج بها هذا اللقاء.
كانت الوثائق الأساسية المتوفرة آنذاك هي الميثاق الوطني ووثيقة أخرى عرفت باسم الاتجاهات الأساسية لإدارة المرحلة الراهنة. وقد طرح علينا سؤال جوهري ما الذي ينبغي العمل عليه في الجنوب من الآن وحتى استعادة الدولة الجنوبية؟ سواءً من قبل المجلس الانتقالي أو من القوى السياسية، أو المجتمعية. كان لا بد من وجود خطة واضحة ومهام محددة نعمل على إنجازها منذ اللحظة تمهيدا لإعادة بناء مؤسسات الدولة الجنوبية القادمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. من هنا جاءت وثيقة الاتجاهات الأساسية التي حددت بوضوح أولويات العمل واتجاهاته خلال هذه المرحلة. الوثيقة الثالثة تناولت أسس بناء الدولة وقد حددت فيها الاتجاهات العامة دون الخوض في السياسات التفصيلية أو تقديم رؤية متكاملة. ولهذا عرفت هذه الوثيقة بـ "الاتجاهات" إذ تضمنت خطوطا رئيسية حول ما الذي ينبغي فعله وكيف يمكن تحقيقه وما هي الأسس والمبادئ التي ستقوم عليها الدولة الجنوبية القادمة. وقد تم الاتفاق مبدئيًا على أن تكون الدولة الجنوبية ذات نظام فيدرالي لكن كيفية تطبيق هذا النظام عمليا تظل مسألة بحاجة إلى بحث ونقاش. الوثيقة الرابعة تناولت أسس ومعايير المفاوضات وتركزت حول ضرورة وضع إطار واضح ينظم سير المفاوضات خاصة فيما يتعلق بالوضع السياسي المتأزم في المنطقة أو اليمن بشكل عام وتهدف هذه الوثيقة إلى توضيح كيفية الوصول إلى استعادة الدولة الجنوبية في أثناء المفاوضات من خلال أسس واضحة تضمن تحقيق هذا الجانب.
كما طرحت خلال اللقاء التشاوري العديد من القضايا أبرزها مسألة الشراكة الوطنية الجنوبية وكيفية تجسيدها عمليًا إلى جانب قضايا تتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية وأخرى ترتبط بالعدالة الاجتماعية باعتبار ان الجنوب مر بأعمال عنف ترتب عليها أضرار طالت ممتلكات المواطنين، كما عانى كثير منهم من خسائر مادية ومعنوية ومن هنا تصبح المعالجة ضرورة حتمية ما دمنا قد اخترنا طريق الحوار. فإذا كنا نتحدث عن العدالة الانتقالية كمبدأ أساسي لإنهاء الصراعات الماضية فإن علينا إغلاق ملفات الماضي وفتح صفحة جديدة نحو مستقبل يسوده التعاون والوئام بمشاركة جميع القوى والشخصيات الوطنية الجنوبية. فالمرحلة القادمة تتطلب منا ترسيخ ثقافة احترام الرأي والرأي الآخر وصون حقوق المواطنين بشكل متكامل وفتح المجال أمام الجميع للمساهمة في بناء الوطن، فالوطن لا يجب أن يكون حكرا على جهة أو قبيلة أو حزب أو تكتل بل ينبغي أن يكون ملكا لكل الجنوبيين ومن حقهم جميعا أن يشاركوا في صناعة مستقبلهم المشترك.
> كيف يمكن تحويل مخرجات الحوار الوطني الجنوبي إلى خطوات تنفيذية ملموسة؟
- بكل تأكيد نحن نؤمن بمخرجات اللقاء التشاوري ولا ينبغي أن تظل مجرد وثائق مكتوبة ينتهي بها الأمر إلى الأدراج بل يجب أن تتحول إلى سياسات ملموسة على الواقع. ونعتبر أن هذه المخرجات قد وضعت استراتيجيات رئيسية ينبغي أن تترجم إلى استراتيجيات فرعية ثم إلى سياسات وإجراءات عملية لتنفيذها حتى لا تبقى حبرًا على ورق. ومن الضروري أن تنعكس مصداقية العمل في الجهود المبذولة لتحقيق هذه المخرجات وتنفيذها فهذه قضية بالغة الأهمية بالنسبة لنا. ونحن أثناء إعداد الخطط والبرامج نضع في اعتبارنا كيفية تنفيذ مخرجات اللقاء التشاوري. ولا نرى أن تحويل هذه المخرجات إلى خطط تنفيذية يقع على عاتق المجلس الانتقالي وحده بل نعتبرها مسؤولية مشتركة لكل القوى السياسية والاجتماعية التي وقعت على الميثاق الوطني الجنوبي وكذلك تلك التي سيتم التحاور معها لاحقًا فالجميع معني ببلوغ تنفيذ هذه المخرجات.
وبالمناسبة هناك حوالي 37 مكونًا تم ذكر أسمائهم في البروتوكول كموقعين على الميثاق الوطني. لكن عدد الذين حضروا اللقاء التشاوري ووقعوا على الميثاق الوطني كان نحو 370 شخصًا. وهذا يعني أن التوقيع على الميثاق لم يقتصر فقط على الـ 37 مكونًا المذكورين في اللقاء البروتوكولي بل شمل جميع من شاركوا في اللقاء التشاوري حيث وقعوا على الميثاق الوطني في الليلة الأولى من اللقاء وهذه نقطة مهمة نؤكد عليها حتى لا نبخص حق بقية المشاركين الذين حضروا وشاركوا وكان لهم شرف التوقيع على الميثاق الوطني تماما كما كان لأولئك الذين وردت أسماؤهم في البروتوكول.
> ما المبادئ الأساسية التي يتضمنها الميثاق الوطني الجنوبي.. وما دلالاتها في ترسيخ التوافق لبناء الدولة الجنوبية على أسس الشراكة الوطنية؟.. وما هي آليات تنفيذ هذه المبادئ على أرض الواقع؟
- الميثاق الوطني كما أشرنا سابقًا هو عقد بين جميع الأطراف الموقعة عليه يهدف إلى وضع المفاهيم الرئيسية وتحديد الضوابط التي يتم التوافق عليها بين مختلف القوى الجنوبية سواءً في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الحقوقية أو المجتمعية بشكل عام ليكون مرجعًا مشتركًا لجميع الأطراف الجنوبية.
لقد مثل هذا الميثاق أساسًا لتحقيق التوافق الوطني الجنوبي لأنه قد طرح سؤالًا على ماذا يتم التوافق بين المكونات الجنوبية؟ يتفقون على ماذا؟" كان هذا هو السؤال، وكذلك "الحوار على ماذا تتحاور؟ وعلى أي أساس يتم الاتفاق؟". من هنا برزت الحاجة إلى وجود وثيقة تشكل محل إجماع وطني وتحدد فيها القضايا الأساسية التي تهم جميع المكونات والأطراف السياسية والمجتمعية.
هذه الوثيقة "الميثاق الوطني" جاءت لتلبي تلك الحاجة إذ عبرت عن تطلعات كل القوى السياسية الوطنية الجنوبية وفتحت المجال أمام الجميع للمساهمة في صياغة رؤية وطنية مشتركة. الميثاق في دلالته لا يعبر فقط عن الموقف والإرادة الوطنية الجنوبية بل يؤسس أيضا لعلاقات واضحة بين الأطراف والمكونات الجنوبية ويضع أسسا للشراكة الوطنية.
أشارت الأحكام العامة في الميثاق الوطني إلى نقطتين أساسيتين نعمل على تحقيقهما خلال الفترة القادمة بإذن الله. أشارت الأحكام العامة إلى أن كل وثائق اللقاء التشاوري ينبغي أن يوضع لها خطة من كل الموقعين على الميثاق وللحاضرين ينبغي أن توضع لها خطة مشتركة. لماذا خطة مشتركة؟ لأن مخرجات اللقاء التشاوري لم تعد ملكًا لطرف معين وإنما أصبحت ملكًا لكل الموقعين عليها وكل طرف لا بد أن يشتغل عليها. ولهذا طرِح في الأحكام العامة أنه ينبغي أن توضع خطة مشتركة لكل المشاركين في اللقاء التشاوري والموقعين على الميثاق الوطني من أجل تنفيذ هذه المخرجات. ونحن الآن بصدد التواصل مع كافة المكونات لوضع هذه الخطة.
الموضوع الثاني الذي أشارت إليه الأحكام العامة هو تشكيل فرق أو مجموعات من الموقعين على الميثاق تتولى متابعة تنفيذ الخطط وكل ما يتعلق بمخرجات اللقاء التشاوري ويعد هذا التوجه تجسيدًا لأحد أشكال الشراكة الوطنية بما يضمن أن يكون هؤلاء الموقعون شركاء في مختلف القضايا المرتبطة بتنفيذ مخرجات اللقاء التشاوري.
> ما هي خطة الفريق لترجمة الميثاق الوطني إلى واقع عملي في توحيد الصف الجنوبي وتحقيق التوافق الوطني؟
- أود الإشارة إلى مسألة مهمة في هذا الجانب وهي وجود خلط، ربما هناك خطأ أو عدم وضوح في فهم الميثاق الوطني. فالميثاق الوطني ينظر إليه كوثيقة تعبر عن عهد وطني وعقد اجتماعي بين مختلف الأطراف الجنوبية. وقد جرى إعداده ليكون مرجعية جامعة لكل القوى السياسية الجنوبية وتحديدًا لمن وقعوا على هذا الميثاق. فالميثاق يحدد الأسس والضوابط التي تبنى عليها العلاقات بين الأطراف السياسية الموجودة وهو يشكل الإطار الذي يوحد الصفوف من خلال تحديد مهمات وقضايا ومبادئ ومفاهيم تعد مرجعية حاكمة تسهم في إنهاء أي اشتباكات أو خلافات متعلقة بهذا الأمر.
لكن نجاح تنفيذ الميثاق يعتمد بدرجة رئيسية على مدى الالتزام به. فالميثاق يمثل مرجعية أساسية حددت كثيرًا من الأسس والمفاهيم والمبادئ وعلى ضوئه تم إعداد وثائق أخرى يفترض تنفيذها. وقد أشرت في بداية إجابتي على السؤال الأول إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب التركيز على أسس بناء الدولة والشراكة الوطنية والمفاوضات وغيرها من الوسائل التي تحتاج إلى التنفيذ وبالتالي فإن الميثاق بحاجة إلى استمرارية الالتزام فيه. لهذا حاجتنا إلى هذا الميثاق أمر مهم وحتى في حال اختلافنا ينبغي أن نعود إليه باعتباره الإطار الذي يحكم علاقتنا. ويعتمد تنفيذ الميثاق على مدى التزامنا به وهذه هي القضية الرئيسية للميثاق. كما نؤكد على ضرورة وضوح المفهوم وهو أن القضايا المطلوب تنفيذها تتمثل في الوثائق الأخرى الصادرة عن اللقاء التشاوري أما الميثاق فهو المرجعية التي نعود إليها دائما.
> ما تقييمكم لأبرز التحديات التي تواجه فريق الحوار الوطني الجنوبي اليوم في أداء مهامه؟
- يؤدي فريق الحوار الوطني الجنوبي مهمة وطنية سامية ويحرص على عدم الانحياز المطلق لأي طرف. وتتمثل مهمته الأساسية في كيفية الحفاظ على الوحدة الوطنية الجنوبية وتعزيز الهوية الوطنية ونبذ العنف والخلاف والصراعات السياسية. كما يسعى الفريق إلى خلق حالة من الوئام والتقارب بين مختلف الأطراف السياسية والمجتمعية في الجنوب.
فريق الحوار لا يقتصر اهتمامه أو تواصله على الأطراف السياسية الجنوبية فقط بل ينظر إلى الحوار على أنه حوار مجتمعي شامل ويسعى إلى ترسيخ الحوار كثقافة عامة في المجتمع.
فالحوار مهم للغاية ولا يقتصر على فريق الحوار وحده بل ينبغي على جميع الأطراف والأحزاب والمكونات وكافة مؤسسات المجتمع المدني أن تسلكه فيما بينها.
فيما يتعلق بالتحديات يواجه فريق الحوار الوطني إلى جانب العديد من القوى الوطنية الجنوبية تحديات كبيرة في كيفية تجنب الانسياق وراء محاولات بعض الأطراف الساعية إلى شق الصف الجنوبي. إذ تعمل باستمرار على إثارة الشكوك والانقسامات داخل المجتمع في محاولة لإظهار صورة توحي بأن المجتمع الجنوبي منقسم بينما الواقع ليس كذلك.
التحديات التي نواجهها متعددة منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو اقتصادي ونحن في فريق الحوار لطالما أكدنا وما زلنا نؤكد على أهمية أن يترافق الحوار السياسي مع إجراءات ملموسة على الأرض خاصة تلك التي تمس حياة الناس من حيث المعيشة والأمن والاستقرار. فلا يمكن أن نستمر على إجراء الحوارات بينما يعاني المجتمع من مشكلات، هذه هي التحديات الرئيسية التي تواجه فريق الحوار ورغم ما نحمله من طموحات وآمال إلا أنها تصطدم بما هو موجود على الواقع.
< كيف يمكن تفسير مفهوم الدولة الفيدرالية الجنوبية القادمة؟ شكلها ونظام حكمها وتوزيع مواردها الاقتصادية؟
- فيما يتعلق بالدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة دار نقاش واسع داخل فريق الحوار الوطني الجنوبي وكذلك في اللقاء التشاوري الجنوبي مع الأحزاب والمكونات السياسية على ما هي الدولة الجنوبية التي ستقام؟ ما اسمها؟ وما مفهوم الدولة المنشودة؟ وكيف يمكن تحقيق الفيدرالية؟ هذه الأسئلة وغيرها لا تزال مطروحة حتى اليوم.
نحن في فريق الحوار وفي جميع وثائق اللقاء التشاوري لم يتم تحديد اسم للدولة الجنوبية القادمة، إذ تركت هذه المسألة مفتوحة. وينص الميثاق الوطني الجنوبي على أنه عند استعادة الدولة، سيتم إجراء استفتاء شعبي في الجنوب لاختيار اسم الدولة بالتزامن مع الاستفتاء على الدستور. وسيُطرح عدد من التسميات ليختار الشعب التسمية التي يرغب تسميتها.
فيما يتعلق بالدولة الفيدرالية من الذي يصوغ هذه الدولة؟ نحن نواجه العديد من الأسئلة من دول ومراكز دراسات وبحوث ومنظمات دولية، يسألوننا أنتم تتحدثون عن استعادة دولتكم لكن ما هي الدولة التي تريدون استعادتها؟ هل لديكم وثيقة رسمية توضح ملامح الدولة الجنوبية التي تنادون باستعادتها؟ أعطونا إياها لنطلع عليها. ويطرح علينا هذا السؤال مرارا هل نملك هذه الوثيقة الآن؟
الواقع أننا لا نستطيع أن نؤكد وجودها بصيغتها النهائية والواضحة ولهذا نحن بحاجة إلى إعادة صياغة مفهومنا لهذه الدولة.
إذا كانت مخرجات اللقاء التشاوري قد حددت الاتجاهات الأساسية لبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة فإن مهمتنا الآن هي تحويل هذه التوجهات إلى استراتيجية متكاملة ثم إلى استراتيجيات فرعية ثم إلى سياسات عملية.
وفي تصورنا كفريق الحوار الوطني الجنوبي فإن إعداد هذه الوثيقة الاستراتيجية يتطلب جهدا جادا في عدة اتجاهات من بينها إجراء حوارات ونقاشات داخلية في كل محافظة من محافظات الجنوب وإشراك المختصين في مجالات علم بناء الدولة من قانونيين واقتصاديين وسياسيين وعلماء اجتماع ومثقفين. كل هذه الجهود ضرورية لخلق حالة من الحوارات والنقاشات في هذه المسألة للوصول إلى تصور شامل ومتكامل للدولة الجنوبية القادمة.
لدينا تجربة جديدة نعتزم البدء بها ابتداءً من الشهر القادم بإذن الله وستكون البداية من محافظة المهرة. تهدف هذه التجربة إلى عقد لقاءات وحوارات تشمل مختلف المكونات مثل الجمعية الوطنية الجنوبية وكتلة أبناء المهرة وكتلة المشاركين في المجلس الاستشاري بالمحافظة، إضافة إلى جميع الذين شاركوا في اللقاء التشاوري ووقعوا على الميثاق من أبناء المهرة.
كما ستشرك في هذه الحوارات كافة المكونات السياسية والمجتمعية في المهرة بما في ذلك السلطات المحلية والشخصيات القبلية ورجال الدين والمثقفون. نطمح من خلال هذه المشاركة الواسعة إلى أن تكون المهرة نموذجًا لتجربة حوارية ناجحة تبنى على التفاهم والشراكة.
وسيجرون حوارات رئيسية تسير في اتجاهين حول ما هي رؤيتهم لإدارة المرحلة الراهنة في المحافظة؟ وما القضايا التي ينبغي العمل على إنجازها حاليا داخل المحافظة؟.
والاتجاه الثاني حول ما هي رؤيتهم لإدارة شؤون المحافظة ضمن إطار الدولة الفيدرالية سواءً في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية أو الثقافية أو المجتمعية بحيث تشكل هذه التجربة نموذجا يحتذى به؟.
ومثلما أشرنا سابقًا فإن هذه التجربة تهدف إلى أن تكون نموذجًا لبناء الدولة من خلال منح الناس حقهم في وضع رؤيتهم لكيفية إدارة شؤونهم في إطار الدولة الفيدرالية. ومن الناحية الاخرى يشارك رجال الفكر والسياسة والقانون والاجتماع في صياغة ملامح هذه الدولة بحيث تكون العملية تشاركية ونتمكن في النهاية من الوصول إلى وثيقة تعبر عن نوع من الإجماع الوطني.
هذه قضية وطنية عامة ولا يمكن لطرف واحد أن يقررها. نحن نرى أنها تتعلق ببناء الدولة ووضع وثائقها الأساسية، إلى جانب قضايا أخرى مرتبطة بإدارة المرحلة الراهنة. لذلك يتطلب الأمر إلى عقد مؤتمر وطني جنوبي عام يتولى إقرار هذه الوثائق الاستراتيجية بدلًا من أن تقرها جهة معينة هذه هي رؤيتنا.
> ما دور منظمات المجتمع المدني في تعميق الشراكة الوطنية؟.. وما هي الفرص والتحديات التي تواجه مشاركتهم في التعبير وصنع القرار؟.
- يمكننا القول إن منظمات المجتمع المدني أصبحت تشكل سلطة قائمة بذاتها. فإذا كانت الصحافة تعرف بأنها السلطة الرابعة فإن منظمات المجتمع المدني تستحق أن نطلق عليها السلطة الخامسة.
تلعب منظمات المجتمع المدني في المجتمع المعاصر دورًا كبيرًا في إدارة شؤون البلاد ولا يمكن التقليل من شأنها أو من مكانتها، فهي ليست مجرد مجموعات تعنى بالأعمال الخيرية أو الاجتماعية بل تسهم بفاعلية في قضايا متعددة تتعلق بالثقافة والتنمية والشؤون الاجتماعية وحتى في الجوانب الأمنية وغيرها. منظمات المجتمع المدني تعد من الهيئات المهمة وتشمل في إطارها كيانات تجمع بين دور ومكانة النقابات ودور المرأة ودور الشباب إلى جانب منظمات مهنية مختلفة مثل اتحادات الأدباء والمهندسين والمحامين والقانونيين والصيادين وتؤدي هذه الهيئات أدوارا اقتصادية واجتماعية وتنموية وفكرية. إذ تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا بالغ الأهمية وتعد من أبرز روافع بناء المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره.
> إلى أي مدى تقيمون فكرة ترسيخ ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر لضمان تحصينه من الانقسامات والصراعات؟
- السؤال المتعلق بالثقافة سؤال مهم، نحن ننظر إلى الثقافة باعتبارها رافعة اجتماعية ذات أهمية كبيرة. وقد تحدثنا سابقًا عن أن الحوار عندما يمارس بوعي يتحول إلى ثقافة.
في الواقع لا يزال مجال الثقافة يعاني من الإهمال الشديد رغم دوره الحيوي في بنية المجتمع. فمنذ عام 1994م وحتى اليوم تعرضت الثقافة الوطنية الجنوبية لعملية تجريف وصلت إلى حد تدميرها وذبح مقوماتها الأساسية. عندما نتحدث عن الثقافة فإننا نشير إلى شكلين رئيسيين منها الأول هو الثقافة المادية التي تتعلق بالآثار الموجودة داخل المجتمع. للأسف بدأت هذه الثقافة تهمل بشكل متزايد كما جرى الاستيلاء عليها والبناء فوق مواقع تواجد الآثار مثل الصهاريج والمعالم التاريخية. فقد تم السيطرة على المساحات المحيطة بهذه المعالم بحيث فقدت رموزيتها. أما الثقافة المادية الأخرى فهي تشمل المسرح والمتاحف ودور السينما التي تعرضت بدورها لتدمير بنيتها التحتية بشكل كبير. الجانب الثاني الثقافة الروحية حيث حدث لها تجريف شمل مختلف الفنون مثل الأغنية والشعر والرقص. وفي المقابل ظهرت عادات وتقاليد وثقافات جديدة لم تكن مألوفة في السابق مما أدى إلى طمس كثير من المعالم الثقافية. كما جرى تغيير أسماء الشوارع والمدارس لتستبدل بتسميات أخرى وبرز نمط جديد في السلوك واللباس واللهجة والتعامل وهو ما لاحظه كثيرون منا حتى الثقافة الصحية تراجعت إذ بتنا نشهد مظاهر غير حضارية كإلقاء المخلفات والقمامة في الشوارع وهذا ما أثر سلبا على صحة الإنسان وفقدان جمال مدينته كل هذه التحولات انعكست بشكل مباشر على ثقافة الإنسان وسلوكه العام.
وبالمناسبة وانطلاقًا من إدراكنا لأهمية الثقافة فقد كانت إحدى القضايا التي تناولتها مخرجات اللقاء التشاوري. كما نحن الآن بصدد الإعداد لإقامة ورشة نقاشية حول الثقافة ستشرف عليها جهات مختصة في هذا المجال وبمشاركة مكتب الثقافة بعدن واتحاد الأدباء والكتاب الجنوبيين إلى جانب عدد من الصحفيين وذلك لمناقشة سبل إبراز دور الثقافة الوطنية في تعزيز الهوية الوطنية الجنوبية. ومن المقرر أن تعقد هذه الورشة في الأسبوع الأخير من شهر مايو الجاري. وستهدف إلى بلورة رؤية واضحة للواقع الثقافي الراهن ووضع خطوات عملية لما ينبغي أن تكون عليه الثقافة الجنوبية في المستقبل.
> من هي الأطراف المتبقية التي يسعى الفريق للاستمرار في التواصل معها؟ وماهي رؤيتكم للتوافق معها؟
- هناك أطراف يشار إليها على أنها متبقية والمقصود هنا بعض القوى السياسية الجنوبية. لقد تحاورنا فعليا مع معظم هذه الأطراف دون استثناء. وعندما نتحدث عن الأطراف المتبقية، فإن السؤال قد يشير إلى الفرق بين من شاركوا في اللقاء التشاوري ومن لم يشاركوا. وفي هذا السياق فإن الأطراف التي لم تحضر اللقاء التشاوري لم تتخذ أي موقف سلبي تجاهه، ولم تبد أي معارضة لمخرجاته على الإطلاق. بل كان لها موقف وطني عام وهو أمر إيجابي يحسب لها.
أما بخصوص بعض الجهات التي لم تحضر فربما كانت لديها ملاحظات معينة. وبعضها كان قد أبدى موافقة مبدئية على الحضور لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة تحديدا في اليوم الأخير من انعقاد اللقاء التشاوري. وأستطيع القول إن هذه التراجعات لم تكن بسبب موقف معاد أو رافض للوحدة الوطنية الجنوبية بل ربما لأسباب فنية أو لوجستية لا أكثر. ولهذا فإن الحوار مع هذه الأطراف سيستمر وكذلك مع غيرهم. نحن منفتحون على الحوار ولا توجد لدينا أي قيود أو موانع أو كوابح تعرقل تواصلنا أو عملنا مع مختلف الجهات. الحوار بالنسبة لنا ليس مجرد كلام بل سنمد أيدينا وسنتخذ خطوات عملية للتواصل المباشر مع كل الأطراف التي لم توقع على الميثاق الوطني أو لم تشارك في اللقاء التشاوري.
أما بشأن التوقيع على الميثاق فرؤيتنا واضحة صحيح أن هناك من وقع عليه بشكل مباشر، لكن نص الميثاق يتيح التوقيع عليه عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال إذا اتخذ طرف معين موقفا مؤيدا للميثاق وأصدر بيانا يعلن فيه دعمه فإن هذا يعد بمثابة توقيع رسمي على الميثاق الوطني. من الممكن أن نتوصل مع بعض الأطراف الذين لا يريدون أن يساهموا في التوقيع على الميثاق الوطني إلى اتفاق شراكة يحترم خصوصيتهم من حقهم أن يحتفظوا ببنيتهم التنظيمية ومن حقهم أيضا الحفاظ على سياساتهم ولكن يمكننا الاتفاق معهم على قضايا وطنية عامة مثل القضية الجنوبية وهي قضية لا نختلف كثيرا حولها. يجب أن تكون هناك بيئة خالية من المشاحنات السياسية أو الإعلامية بين الأطراف الجنوبية ويمكننا الوصول إلى اتفاق وتوافق وشراكة في هذا الإطار.
كما يمكننا تنسيق مواقفنا أمام المنظمات الدولية أو الإقليمية بشأن القضايا الوطنية المشتركة ونتوصل إلى اتفاقات أو تفاهمات مشتركة تؤسس لشراكات مستقبلية. ما نريده في النهاية هو تجنب أي نزاع أو خصام أو أعمال عنف بيننا. فهذا الوطن يخص الجميع وكلنا مسؤولون عن تحقيق أمنه واستقراره.
> هناك أصوات تنادي بضرورة تشكيل جبهة وطنية جنوبية عريضة تضم كافة القوى والمكونات الجنوبية دون استثناء بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع.. برأيكم هل يمكن أن يحظى هذا الطرح من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي؟
- نعم هناك أصوات جنوبية بدأت تطرح ضرورة تشكيل جبهة وطنية جنوبية عريضة وقد تنوعت الآراء حول هذا الطرح فبينما يتفاعل البعض معه بإيجابية. هناك من يطرح رؤى أخرى، غير أن التجارب النضالية علمتنا أن مراحل النضال الوطني التحرري غالبا ما تبدأ بمبادرات من قوى وأحزاب متعددة تقوم بمهمات نضالية لكنها لا تحقق نجاحات إلا حين تتوحد جهودها وطاقاتها لتحقيق الهدف المشترك الذي لا يختلف عليه أحد من تلك القوى الموجودة في الساحة.
لكي يكون النضال فعالا لا بد من تجميعه في إطار وطني يتجاوز الخلافات لمصلحة الهدف الوطني الأكبر. ولهذا تسعى الأحزاب والمكونات السياسية في أي بلد إلى تأسيس كيانات موحدة تنظمها عقود اجتماعية ونحن ما نسميه بالميثاق الوطني وهو ما يحدد العلاقات والمبادئ المشتركة التي تكون محل إجماع بين كل القوى السياسية كافة.
كان الحراك الجنوبي في السابق متناثرًا إضافة إلى وجود قوى وأحزاب سياسية تعمل بشكل منفصل ما استدعى تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي ليجمع هذه المكونات في كيان سياسي واحد. لم يكن المجلس حزبا ذا أيديولوجيا محددة بل إطارًا جامعًا لكل الأطراف السياسية توج بوحدة وطنية تجسدت في الميثاق الوطني الذي أُقر خلال اللقاء التشاوري في مايو 2023م.
انضمت بعض المكونات السياسية إلى المجلس الانتقالي الجنوبي وتوافقت معها أحزاب أخرى في التوجه حيث حددت موقفها من خلال التوقيع على الميثاق الوطني والمشاركة في اللقاء التشاوري الجنوبي. وبذلك أصبحت المهمة الوطنية المشتركة واضحة للجميع هو النضال من أجل استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة وتحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر الجهود وترسيخ الشراكة الوطنية كركيزة أساسية لتنفيذ ما تضمنه الميثاق الوطني ومخرجات اللقاء التشاوري.
نرى بالمقارنة أن الجبهات الوطنية في الدول المستقرة عادة ما تكون مستقلة ومرتبطة بالحياة الديمقراطية والدستور والتقاليد السياسية. وتدخل هذه الجبهات الانتخابات الوطنية وتحقق نتائج تفضي إلى تكتلات وائتلافات تشكل من خلالها الحكومات، وتقوم هذه الحكومات الائتلافية على الجمع بين رؤى وبرامج الأحزاب المشاركة لتصبح الجبهة الوطنية إطارًا جامعًا ينسق بين مختلف التوجهات السياسية.
في الجنوب لدينا مهمة مركزية واحدة تحظى بإجماع واسع وهي استعادة الدولة الوطنية الجنوبية الفيدرالية المستقلة. بعض الأطراف الجنوبية لم توقع على الميثاق الوطني الذي يعد أساس وحدة الكيان السياسي الجنوبي ومع ذلك لا خلاف بيننا وبينها بشأن القضية الوطنية المركزية. الحوار معها مستمر ولم يكن هناك أي خلاف معها في بعض القضايا التفصيلية التي يمكن أن تكون موجودة لكن سنواصل في الحوار معها.
مؤتمر حضرموت الجامع مؤسسة وطنية مهمة تضم مختلف مكونات الطيف الحضرمي، التقينا بقيادته عدة مرات في الداخل والخارج وناقشنا رؤاهم التي نحترمها. توصلنا معهم إلى اتفاق مشترك لكننا لم نتوقف عند ذلك بل نواصل جهودنا لاستمرار الحوار سواءً مع مؤتمر حضرموت أو مع أطراف وتكتلات وشخصيات جنوبية أخرى هذا النضال لن يتوقف وسنواصل هذه الجهود جميعا.