أخر تحديث للموقع
السبت, 07 ديسمبر 2024 - 12:12 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • بناء وتجهيز مؤسسات الدولة يسير وبناء الموظف عسير

    أحمد مصطفى ياسين سعيد




    السؤال الذي يُطرح دائما، ما هو سر نجاح الدول التي تقدمت وتطورت؟ وكيف وصلت إلى هذه المستويات من الازدهار والتفوق في شتى المجالات وسارت بخطى ثابتة؟ لا تجد هناك جانبا متقدما ومتطورا وآخر متخلفا، وإنما تقدمت وتطورت في كل النواحي الحياتية في آن واحد.

    قد تعتمد الدولة إلى بناء إنسان وفق استراتيجية عسكرية دون الاهتمام بالمجالات الأخرى، وهنا سنكون أمام دولة قوية من الناحية العسكرية تستهلك كل المقدرات الاقتصادية وتستنزف طاقاتها البشرية، على حساب المجالات والمؤسسات الأخرى.

    والنموذج الآخر قد تعتمد الدولة على بناء الإنسان وفق استراتيجية اقتصاديا دون الاهتمام بالمجالات الأخرى، فنجد دولة قوية اقتصادياً غير أنها تقع تحت أطماع الآخرين، لعدم تحصين مجتمعاتها، فنجدها تنهار أيضاً.

    عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان، بنوا سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب، لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس فبناء الإنسان يأتي قبل بناء كل شيء، ولكن تعلموا الصينيون من هذا الدرس.

    الإنسان هو أساسُ كل حضارة بشرية، فهو الأصل، وهو المادّة الخام، وهو الجذر الذي تتفرّع منه كل المجالات الأخرى لتنموا وتُزهر، وهو بمثابة قطراتِ الماء التي تبعثُ الروح من جديدٍ في شجرة الحضارة الجدباء بعد أن كادتُ تذبلُ وتموتُ أوراقها من شحّ المياه، وبالتالي فإن أي تطلّع لمستقبل أفضل رهينٌ بمدى جاهزية هذا الإنسان للتحديات والإكراهات التي تصاحب والقوانين الذي يخضع لها ويتأثر فيها.

    فالإنسان هو المسؤول عن إدارة الدولة وهو المسؤول عن إدارة المجتمع وهو المسؤول عن إدارة الاسرة والتخطيط له، وأفعاله المختلفة تعكس قيمًا أخلاقية ووطنية ترسم ضوابط وعلاقات أفراد المجتمع بالدولة، وطريقة تفكيره ورؤيته للعالم وللآخر ‏من أهم عوامل الاستقرار والازدهار، واهتماماته الوطنية والإنسانية تجعله يعي قيمة ما يؤمن به من مبادئ وأهداف تسعى لخير مجتمعه والإنسانية.

    من ناحية أخرى، ممكن أن يغدو الإنسان عامل هدم لدولة ولقيم المجتمع والاسرة، وسبباً لانتشار الفساد فيه، يمكننا بناء مليار عمارة، ويمكن لإنسان واحد أن يهدمها، يمكننا بناء كيانات ومدن وممالك كثيرة ويمكن لإنسان واحد أن يحطمها.

    السؤال هنا: ماذا إذا سلمت وزارة او قطاع او مؤسسة او شركة بها كُل مقوماتِ البشرية والمالية ووهبتها لشخصٍ لتولي ادارتها وتسيير نشاطها وهو غير مؤهل ولا يعلم مهام واختصاصات واهداف تلك المنشاة، لذلك فمن المتوقع ان تفشل وتهدر الأموال والطاقات البشرية.

    وماذا إذا أعددْتَ سيارةً بها كُل مقوماتِ التكنولوجيا ثم وهبتها لأحدٍ لم يَقُدْ سيارةً من قبل؟ جيدٌ جدًا “سيدمِرُها في أولِ مرةٍ يقودُها.

    وذلك بسبب سوءِ الاستخدام، كذلك نحنُ مَن نقودُ الدولة والمجتمع والحياةَ فإن لم تعتنِ بنا سنُدمِّرُها، سنعبثُ بكلِ ما هو جميلٌ فيقبح، كل ما هو جيدٌ فيردأ، كل ما هو قيمٌ فيبْخَس.

    ويمكن لإنسان واحد أن يبنيها ويعمرها أو يكون سببا في ذلك، وما نراه من تقدم هائل في شتى المجالات، ما كان ليحدث إلا بمبادرات وابتكارات شخصية لأُناس وضعوا بصمتهم في تاريخ البشرية، أذكر شخص قديمًا: الحسن بن الهيثم (الكاميرا)، وحديثًا من غيروا نمط المعيشة بالعالم: بيل جيتس (مايكروسوفت).

    ولكن التساؤل الذي يتم طرحه هو، كيف يتم بناء هذا الإنسان؟ وهذا هو الحلقة المفقودة بين الإنسان والدولة؟

    عندما ندقق بحثا عن إجابة لهذه التساؤلات، سنجد أن هناك اسرار مخفية وفلسفة وعلوم مختلفة عميقة تؤدي إلى استراتيجية فكرية وعملية في كيفية بناء الدول والمجتمعات بشكل مُتقدم ومتطور على أسس علمية، وتعد اهم الطرق بفهم الآليات التي تعمل على إبقاء جسم الإنسان على قيد الحياة والقيام بوظائفه، من خلال البحث في طبيعة الوظائف الميكانيكية والفيزيائية والكيميائية الحيوية للإنسان التي يمكن أن تؤثر التغييرات في وظائف الأعضاء على الوظائف العقلية للأفراد.

    ولهذا اذا رجعنا لزمن الى الوراء سنجد، ان مصر والهند القديمة بلدان عريقان حيت يبدأ التاريخ عندهما يضمان الشغف والمعرفة ومنبع العراقة ومصب الحضارة وتاريخ العلم وترجع لكلاهما جذور دراسة علم وظائف الأعضاء الى ما ينيف عن 420 سنة قبل الميلاد ،تعود أول الدراسات في مجال علم وظائف الأعضاء إلى ما قبل عام 420 قبل الميلاد في فترة العالم أبقراط والذي يطلق عليه (أبو الطب)، ويعود الفضل للعالم أرسطو طاليس ذو التفكير الثاقب والذي أرسى مبادئ علم وظائف الأعضاء في الحضارة الإغريقية من خلال ربطه للعلاقة بين الوظيفة والتركيب، بينما كان العالم كلاود جالينوس (129 - 200 قبل الميلاد) والمعروف باسم جلين أول من أجرى تجارباً لاختبار وظائف الجسم وهو المؤسس لعلم الوظائف التجريبي.

    وتعد جائزة نوبل في علم الوظائف أو الطب أعلى منصب للتكريم في مجال علم وظائف الأعضاء وتمنحها الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منذ عام 1901م وذلك لأهمية هذا العلم والعلوم الأخرى.

    إن بناء الإنسان بناءً سليما على أُسس قوية يخلق قاعدة اساسية للدولة وقياداتها، وبغير فهم القوانين والآليات للوظائف الميكانيكية والفيزيائية والكيميائية الحيوية للإنسان لن نجد دولة قوية تبني مؤسسات قوية، وهذا الأمر يستوجب أن تكون القيادة حكيمة تحرص على معالجة أوجه القصور الذي يعاني منه الانسان وتعزيز بناء ورفع قدراته وتتخذا إجراءات وقائية لحماية الانسان من نفسه كون أحد اسرار لبعض الوظائف العضوية تقود الانسان تلقائيا لممارسة الفساد دون إدراك او شعور من قبل الانسان نفسه اثناء ممارسة الفساد.

المزيد من مقالات (أحمد مصطفى ياسين سعيد)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال