أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 03:06 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • قراءة متأنية في جولة ترامب الخليجية الثانية: حنكة سياسية أم مناورة استراتيجية؟

    د. محمد قباطي




    عندما هبط دونالد ترامب في الرياض عام 2025، كانت الرسالة الرمزية واضحة: الخليج ما زال مركزًا في معادلات واشنطن، لكنه اليوم يتعامل مع ترامب بعيون مختلفة. على عكس زيارته الأولى عام 2017 التي اتسمت بحماس غير مشروط، جاءت العودة هذه المرة في سياق أكثر تعقيدًا، وسط انقسامات إقليمية عميقة، وتحولات في موازين القوى، وواقعية خليجية متزايدة في إعادة التموضع الاستراتيجي.

    استقبلت السعودية والإمارات وقطر ترامب بحرارة، لكن ضمن أداء محسوب، لا احتضان أعمى. فدول الخليج باتت تدير علاقاتها بمنطق “الاصطفاف المتنوع”، عبر موازنة الروابط التقليدية مع واشنطن بتعميق شراكاتها مع الصين، والحفاظ على الحوار مع روسيا، والانخراط الحذر مع أوروبا. لا تراهن على مرشح بعينه بقدر ما تسعى إلى ضمان استمرارية النفوذ وسط تبدلات السياسة الأميركية.
    • الإمارات وقطر: براغماتية محسوبة واستقلالية هادئة
    الإمارات وظّفت الزيارة لتكريس موقعها كعاصمة للدبلوماسية التكنولوجية والاقتصاد المتنوع، حيث تواصل قيادة التحولات في الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي. كان احتضانها لترامب محسوبًا بلغة الشراكة لا التبعية.

    أما قطر، التي عانت من القطيعة الخليجية في عهد ترامب عام 2017، فقد ظهرت عام 2025 بثقة أعلى. عززت دورها كمحور لوجستي ودبلوماسي في المنطقة، مستفيدة من استضافتها للقواعد الأميركية، وتنوعها الاقتصادي، ومرونتها السياسية، لتبني علاقة ناضجة ومستقلة مع واشنطن بغض النظر عن هوية الرئيس.
    • السعودية: بين الأمن التقليدي والانفتاح الجديد
    تبقى السعودية أمام تحدي الموازنة بين تعزيز علاقتها بالمؤسسة الأمنية الأميركية المحافظة التي يمثلها ترامب، وبين الحفاظ على انفتاحها على الصين وتعاونها مع روسيا. كما تسعى إلى تقديم ولي العهد محمد بن سلمان كزعيم إصلاحي، لا كطرف في استقطاب سياسي أميركي.
    • فن التوازن في لحظة إقليمية حرجة
    لم تكن زيارة ترامب تتويجًا بقدر ما كانت عرضًا للخيارات. دول الخليج تدرك أن الاستقطاب الإقليمي يشمل إيران، وتركيا، وإسرائيل، والحوثيين، وفاعلين من غير الدول، ما يدفعها لتبني المرونة بدل الولاء، والبراغماتية بدل الاصطفاف.
    • إيران وتركيا: تهديدات غير تقليدية
    رغم تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران عام 2023، تبقى العلاقة هشة. فدعم طهران للحوثيين، وتقدمها في تقنيات الذكاء الاصطناعي والصواريخ الباليستية، يعزز التهديدات غير المتناظرة. الحوثيون عززوا قدراتهم في البحر الأحمر، وأبدعوا في استخدام التمويل الرقمي لتفادي العقوبات، دون أن تفلح محاولات الردع في احتوائهم.

    أما تركيا، فتحركاتها العسكرية في سوريا وليبيا، ودعمها للإسلام السياسي، تثير قلقًا مستمرًا، لا سيما مع تصاعد صادراتها الدفاعية وقدرتها على المناورة بين واشنطن وموسكو.
    • سوريا حاضرة، وفلسطين مغيبة
    خطاب ترامب أولى اهتمامًا مفاجئًا بالملف السوري، مقابل تغييب شبه تام للقضية الفلسطينية، ما أعطى انطباعًا بمحاولة كسر التابوهات وتقديم بدائل رمزية. هذا التجاهل أثار قلقًا عربيًا، ورسالة ضمنية لإسرائيل مفادها أن ملفات أكثر حساسية يمكن إعادة تشكيلها ضمن أولويات دعائية أو تفاوضية.
    • إسرائيل والتطبيع تحت الضغط
    رغم اتفاقيات إبراهيم، باتت إسرائيل مصدر حرج سياسي في المنطقة. التصعيد في الضفة الغربية، وسياسات حكومة نتنياهو، عمّقت العزلة الإسرائيلية، وأضعفت الحوافز الخليجية للتطبيع العلني، رغم استمرار التعاون الأمني خلف الكواليس.
    • اليمن: حرب غير منتهية وتباينات خليجية
    اليمن ما يزال جرحًا نازفًا، الحوثيون، باستراتيجياتهم اللامتماثلة وقدراتهم الرقمية،لا يزالون قوة قائمة. بينما تبرز تباينات سعودية -إماراتية بشأن مقاربات التسوية، ما يعقّد آفاق إنهاء الحرب وبناء السلام.
    • المخاطرة بتقديم ترامب كأمر واقع
    الانخراط العلني مع ترامب يمنح الخليج نفوذًا تكتيكيًا، لكنه ينطوي على مخاطر استراتيجية. إذا لم يفز ترامب أو إذا جاءت ولايته الثانية أكثر اضطرابًا، فقد تجد دول الخليج نفسها في مواجهة عزلة جديدة - كما حدث بعد أزمة خاشقجي وانسحاب واشنطن من أفغانستان.
    • الخلاصة: الواقعية لا الشخصنة
    دول الخليج لا تراهن على ترامب كشخص، بل تتعامل مع واقع سياسي متغير. نجاحها مرهون ببناء استراتيجية متماسكة قائمة على التهدئة، وشراكات عالمية متنوعة، ومؤسسات قوية. فالدبلوماسية الشخصية لا تصنع وحدها الأمن، بل عمق السياسات وتوازن الخيارات.

المزيد من مقالات (د. محمد قباطي)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال