قلاع وحصون وشيء من جنون!

> نعمان الحكيم

>
نعمان الحكيم
نعمان الحكيم
كل بلاد الله تحافظ على آثارها وقلاعها وحصونها، سواء أكان ذلك الأثر من صنع أبنائها أم من شعوب أخرى ، عبر التاريخ، فتحوها أو استعمروها وعمروها، لأن ذلك هو العصرنة والحضارة والمفاخرة بالماضي العريق.. ومن لا ماضي له، فلا حاضر له أيضاً.

ونحن في اليمن عامة وعدن خاصة. لاندري كيق تسير أمور آثارنا وقلاعنا وحصوننا التاريخية، لأن الله سلط علينا أناساً أوكلت اليهم مهمة الحفاظ عليها وهم لا يفقهون شيئاً في هذه الكنوز، إلا قلة قليلة منهم، لكنهم لا يؤثرون مباشرة في هذا المضمار.

الغيورون على عدن وتراثها، تتجلى مواقفهم بالملموس، وهي خطوة قل أن توجد، إذ أن الجهات الرسمية تظل في موقف المتفرج، وينبري أناس، كبرت عليهم هذه الأمور، فيتحملون تكاليف الحفاظ على الآثار وصيانتها في حين لدى الدولة وزارة وأجهزة وعلاقات مع اليونسكو للحفاظ على الآثار والتاريخ وإعادة ترميمه وصيانته.

مؤسسة «الأيام» وناشراها، تكفل عنهم الأستاذ هشام باشراحيل بتحمل نفقات ترميم وصيانة خرطوم الفيل بمنطقة جولدمور (خليج الفيل) لما لهذا الأثر المعلم من قيمة تاريخية وتراثية وجمالية، وحتى لا يأكله الصدأ أو عوامل التعرية والأمواج المتلاطمة.. أليس ذلك إضافة أخرى إلى الشاشة الإعلانية المنتصبة في جولة المحكمة ومستشفى عدن العام، وأهمية ما تعرضه للمشاهد والزائر من معلومات هامة عن المدينة وطقسها وبيئتها والحياة العامة؟!

وحين رآه، صرح الأستاذ خالد الرويشان عند زيارته لمنتدى «الأيام» ذات يوم في فبراير الماضي كوزير مسؤول عن الثقافة والسياحة، بتحمل ذلك من ميزانية الوزارة، لكن تظل دعوة «الأيام» في حضرة رواد المنتدى ومحافظ المحافظة د. يحي الشعيبي حماية كل ما يجعل عدن قبله للزائرين وثغراً حقيقياً يبتسم لنا أجمعين ، وهي دعوة لكل المستثمرين ورجال المال لأن يحذوا حذو أسرة «الأيام» والناشرين الكريمين!

ولأن الحديث عن الآثار والقلاع والحصون، فإن الأمر يدعو لصرخة عاجلة لإيقاف العبث الجاري في جبل (التعكر) المطل على مدينة(كريتر) والحاضن لقلاع وحصون تاريخية عمرها آلاف السنين، فهي من فصيلة بناء الصهاريج والدروب السبعة وسد مأرب، بشهادة خبير آثار استرالي زار هذه المواقع ونقب بطريقة علمية، حيث وجدمادة الرصاص والبوميس والهندسة عوامل مشتركة في هذه الآثارالدالة على حضارة عريقة وذائعة الصيت والأثر، والعبث المراد إيراده هنا هو بناء مبان صغيرة مجاورة للقلاع والحصون، ربما تكون متعلقة بالكهرباء أو الميكروويف الإرسالي، لكن ذلك ظهر نشازاً وعملاً تخريبياً للذوق والتاريخ، حين ترى بناء عمره آلاف السنين يتم اليوم تشويهه، ربما بحسن نية، لكن لماذا لا يكون البناء المستحدث من الأحجار المشابهة للقلاع أو قريبة منها لكي لا يفقد التاريخ جزءًا من رونقه ومكانته التي لا تقدر بثمن؟ أليس ذلك تعكيرا لـ (التعكر) الأثر والتاريخ العدني التليد؟!

إن في عدن كنوزا كثيرة، فقط مطلوب التنقيب عنها والحفاظ عليها كي لا تنمحي، والا ستحكامات والقلاع والحصون كثيرة وتحيط بكريتر وحقات وجبل المنصوري وشمسان والفتح.. إلخ، فهل نتركها هكذا لمن هب ودب، ولا نقوم بصيانتها والحفاظ عليها، حتى لا نصاب بلعنة الأجيال اللاحقة؟

رأيت في التسعينات في متحف بجمهورية سلوفاكيا، صالة ضخمة بواجهة زجاجية يشرف عليها دكتور بروفيسور في التاريخ والآثار، رأيت عبارات مكتوبة على قماش أسود (لا إل .. محمد .... رسو .. الله) عبارة لم تكتمل تماماً وهي (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وهي بقيا من الراية المحمدية للفاتحين المسلمين في ذلك الزمان .. وقعت في امبراطورية النمسا، تصوروا أنهم يحافظون عليها منذ ذلك الزمن كرمز على ما يعتقدونه (غزو المسلمين لبلادهم)!

أين نحن مما يجري لنا ولحضارتنا هنا؟ هل نحن أقل منهم أم هم أكثر أهتماماً منا؟ والله لم نعد ندري كيف نجيب، ويكفينا أن يكون الجواب عملياً، اليوم وقبل الغد. ومن معالم عدن، معلموها ومثقفوها ومؤرخوها، ومبدعوها.. فهل سنستفيد منهم اليوم وهم بيننا أم نتذكر ذلك بعد فوات الأوان؟.. ألم يحن الوقت للبحث عن هؤلاء ومنهم الأساتذة: عبدالله فاضل وعبده حسين أحمد وحسن سعيدي وجعفر مرشد وخليل محمد خليل، وكوكبة قد لا أتذكر أسماءهم هنا، ألم يحن الوقت للاستفادة من هؤلاء في تدوين شذرات عطرة من تاريخ وحضارة وعراقة المدينة كسجل للتاريخ والحضارة اليمنية والعالمية؟!

نأمل، وعدن تستحق أكثر من ذلك، لأنها رئة الوطن التي يتنفس بها.. فهل وعينا ذلك؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى