اعتبروا نشر قوات عراقية «جسورة» في المناطق الساخنة مثل شارع حيفا تطورا مهم: القادة العسكريون الأميركيون يرون مؤشرات على تراجع الهجمات في بغداد

> بغداد «الأيام» :جون بيرنز:

>
رجل يصور عائلة كردية تروح عن نفسها في حديقة (زورك) ببغداد أمس الأول حيث يحتفل الأكراد برأس السنة الكردية(نورز)
رجل يصور عائلة كردية تروح عن نفسها في حديقة (زورك) ببغداد أمس الأول حيث يحتفل الأكراد برأس السنة الكردية(نورز)
بعد ما يقرب من عامين على احتلال وحدات أميركية للعاصمة العراقية بغداد، يظل شارع حيفا أشبه بسهم مزروع في قلب المدينة. وعلى الرغم من أن طوله لا يزيد على ميلين فإنه يمتد جنوبا وسط بساتين النخل الجميلة منتهيا في المنطقة الخضراء التي تعتبر الآن المكان الأساسي للقوة الأميركية.

وحينما تكون كل شوارع وسط بغداد مختنقة مروريا، هناك سيارات نادرة في شارع حيفا. وفي قمة ساعات النهار لا يشاهد المرء أكثر من عدد قليل من المشاة وهم يرمون خطوات سريعة على رصيفيه بشكل يمكنهم من تجنب الإصابة بالرصاص وتجنب هجمات المسلحدين العمياء في أكثر المناطق المتصارع عليها داخل بغداد.سمى الجنود الأميركيون هذا الشارع بـ «شارع القلب الأرجواني»، وهو تذكير بكتيبة الفرسان التاسعة التي كانت تقوم بدورياتها خلال السنة الماضية قبل أن يتم سحبها إلى قاعدة فورت هود في تكساس، حيث حصل أفرادها على 160 ميدالية من نوع «القلب الأرجواني». الكثير من الدوريات كانت تدور على الأقدام لتجميع المعلومات الاستخباراتية علن المناطق التي قال الضباط الأميركيون إنها كانت قواعد لتفخيخ السيارات وأعمال الخطف والاغتيالات في بغداد.

وخلال الثمانية عشر شهرا الأولى التي أعقبت الاحتلال تمكن المسلحون من التفوق على الأميركيين من حيث المناورة في شارع حيفا وكشفوا عن أنهم قادرون على نقل الحرب إلى قلب العاصمة بدون أن يمسهم أي أذى. لكن الضباط الأميركيين قالوا إن هناك علائم على أن ذلك المد في طور التغير. ففي شارع حيفا على الأقل بدأ المسلحون بشن الهجمات بأعداد صغيرة مع كثافة أقل. كذلك تقلصت كثيرا الهجمات بمدافع الهاون على المنطقة الخضراء، وكثفت الغارات الكبيرة على مخازن أسلحة كبيرة وتم اعتقال بعض زعماء المسلحين أو قتلهم.ويتحرك المهندسون العسكريون الأميركيون الذي يشعرون بالإحباط في أماكن أخرى بخطوات متقدمة في شارع حيفا لتنفيذ برنامج قيمته 20 مليون دولار لتحسين الكهرباء وأنظمة التصريف الصحي وخدمات أخرى. وحتى الآن لم تتعرض المناطق التي أجريت فيها هذه الأشغال للهجوم على الرغم من أن زعيما شيعيا محليا يناصر علنا المشاريع الأميركية قد تم اغتياله أمام باب بيته في يناير الماضي.

لكن التحول الأهم الذي يشاهده آمرو الوحدات الأميركية في هذه المنطقة هو نشر وحدات عراقية داخلها. ففي الشهر الماضي عسكر أول لواء عراقي مع كتيبتين على امتداد شارع حيفا وبذلك أصبحت هذه الوحدات الأولى من نوعها التي تتحمل مسؤوليات ميدانية في أي منطقة داخل العراق. وتضم الكتيبتان عددا من الجنود يبلغ حوالي 2000 شخص وهذا ما يجعل عددها ضعف عدد الكتيبة المدرعة الأميركية التي قامت بأكثر المعارك في هذا الشارع. ولحد الآن ظل العراقيون يؤدون واجباتهم بشكل حسن حسبما قال الضباط الأميركيون من حيث مواجهة هجمات المسلحين وتنظيم دوريات وغارات قوية بدون أن يفروا من قواعدهم العسكرية.

وانتهت تلك الأيام التي كان المسلحون قادرين على تجميع 150 شخصا كي يقوموا بمحاصرة الوحدات الأميركية لمدة تصل حتى الست ساعات. وقال الضباط الأميركيون إنه لم تطلق من شارع حيفا خلال الأشهر الستة الأخيرة سوى ثلاث قنابل من مدافع الهاون مصيبة بذلك المنطقة الخضراء، أما خلال آخر أسبوعين من سبتمبر الماضي فأطلقت من شارع حيفا فقط 11 قذيفة هاون تجاه المنطقة الخضراء. ومع توفر عدد كبير من الجنود العراقيين في شارع حيفا تمكن الأميركيون من إرسال 1500 من رجالهم لشن حملات في وقت واحد، كاشفين عن مخازن أسلحة خاصة بالمسلحين واعتقال قادة المتمردين مثل «علي ماما»، وهو اسم أخذ من قاطع طرق شهير كان ذات يوم القاتل المفضل بيد صدام حسين. والآن هو في سجن أبو غريب. أما الآخرون الذين أصبحوا أساطير محلية في هجماتهم على الأميركيين فقد تم قتلهم وهذا يشمل شخصا اسمه الحربي «رائد الصياد» حسبما قال ضباط استخبارات أميركيون.

ويمكن القول إن شارع حيفا يشكل صورة مصغرة عن العراق ككل. فوراء صفوف المباني التي تحتوي على شقق سكنية هناك أحياء يقطنها شيعة كانوا عرضة للقمع أيام حكم صدام حسين وهم أكثر ودا تجاه الأميركيين. وبين تلك الأحياء تتشابك أحياء سنِّية تشكل قواعد للمسلحين مثل أحياء السدر والفحامة والشيخ علي ومنطقة الشيخ معروف والمنطقة التي تمتد على نهر دجلة والتي سماها صدام حسين باسمه «حي الصدامية» حيث تقع المدرسة التي درس فيها خلال الخمسينات.

وشكلت تلك المناطق السنّية مع أعداد من المهاجرين العرب أرضية منها كانت تنمو أكبر جماعتين مسلحتين الأولى تضم أنصار صدام حسين الذين يرون أنهم قادرون على إعادة حكم حزب البعث مرة أخرى، ثم هناك الناشطون المؤيدون لأبو مصعب الزرقاوي الأردني الولادة والذي تمكن من زرع عدد من الجماعات الإرهابية ووضعت على رأسه مكافأة أميركية قيمتها 25 مليون دولار.

ومن نقاط تخفيهم في شارع حيفا ظل المسلحون يقومون بأعمالهم بأقصى درجات القسوة. وأبلغت وحدات أميركية عن عثورها على جثث بلا رؤوس في أكياس القمامة وعائمة في النهر. كذلك كان هناك صبيان في سن الثانية عشرة يقومون بإلقاء القنابل اليدوية. كذلك اقترب أطفال في سن السادسة من دوريات أميركية ليخبروهم عن مخابئ المسلحين ثم جذبوهم إلى كمائن، ثم العثور على جندي عراقي بعد أن فقد معلقا من سلك قرب النهر وعلى ثيابه العسكرية المدماة كتبت عبارة «هذا هو تحذير للجواسيس».


وحدات عراقية «جسورة»
حينما بدأت وحدات عراقية بالعمل في المناطق الحربية، كان معدل الهروب بينها عاليا حدا. وخلال الهجوم الأول على الفلوجة في أبريل الماضي رفض الجنود المشاركة في القتال. لكن خلال الأشهر التسعة الأخيرة ساعد مبلغ خمسة مليارات دولار من الولايات المتحدة على شراء أكثر من 100 ألف بندقية كلاشنيكوف للوحدات العراقية مع 100 ألف سترة واقية، و110 آلاف مسدس و6 آلاف سيارة وشاحنة، و230 مليون قطعة ذخيرة. وبدلا من وجود كتيبة عراقية واحدة في يونيو الماضي هناك الآن 90 كتيبة عراقية وتضم ما يقرب من 60 ألف جندي وشرطي. وإذا كان الجميع لا يعرفون كم هو عدد المتمردين حاليا، فإن هناك تقديرات لهم تتراوح ما بين 12 ألفا و20 ألف شخص وهذا العدد يضم الميدانيين والمخططين والأدلاء والممولين.

وما زال العراقيون يشتكون من عدم المساواة على مستوى العدة مع الأميركيين خصوصا في عدم توفر المدرعات الثقيلة التي يستخدمها الأميركيون مثل عربات برادلي المدرعة ودبابات أبرامز. لكن شكاوى الأميركيين من عرض «القلب الضعيف» الذي كانوا يقولون إن الوحدات العراقية مصابة بها قد انتهت الآن. وقال الليفتنانت جنرال ديفيد بتراوس الضابط الأميركي المشرف على مساعي إعادة التدريب في مقابلة جرت معه من مقر القيادة الأميركية في المنطقة الخضراء «الآن هم مستعدون للقتال».


مشاعر ودية من الشيعة
يمكن القول إن هناك مشاعر ودية سائدة في الأحياء الشيعية الواقعة في شارع حيفا تجاه الأميركيين. فقد نهض بائع الفاكهة مجيد حسين حسن، 40 سنة، من مقعده ليطلب من الكولونيل ماكدونالد مساعدته كي يحصل على علاج طبي في مستشفى لابن أخيه المصاب بتشوه في قلبه. ومن الشرفة طلبت امرأة خدمات أفضل في تخليص الحي من القمامة. وقالت بصوت عال «نحن نعتمد عليكم أيها الأميركيون، المسؤولون العراقيون لا يفعلون أي شيء».

وفي منطقة الشواكة التي تقطنها أغلبية شيعية تجمع السكان حول الأميركيين عارضين عليهم معلومات كثيرة عن المسلحين. أعطى رجل دين شيعي يرتدي ثيابا سوداء اسمي أخ وأخته يقطنان في شارع سني وقاما بمغادرته على عجل عشية انتخابات 30 يناير بعد تفجير سبّب مقتل 17 شخصا بضمنهم ستة أطفال في منطقة الشيخ معروف الشيعية.لكن الأحياء السنية هي حالة أخرى. فالوحدات الأميركية والعراقية تواجه هجمات مستمرة من مزيج من المتمردين هم أنصار صدام حسين وبعثيون غير مستعدين للتفاوض ويحلمون بعودة حزبهم إلى الحكم، وناشطون إسلاميون متطرفون تحت قيادة الزرقاوي والعصابات الإجرامية التي كانت مزدهرة أيام حكم صدام حسين.

«نيويورك تايمز»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى