بذلِت القوى الأمنية محاولات ضئيلة أو لم تبذل أي محاولات على الإطلاق لتحديد تحرّكات الشاحنة المشبوهة مباشرة قبل الانفجار أو مباشرة بعده

> «الأيام» متابعات :

> في اجتماع مع فريق التحقيق المحلي الرفيع المستوى في 8 آذار 2005، طلب أعضاء البعثة تقريراً زمنياً عن ساحة الجريمة، يبين مثلاً مواعيد دخول طاقم الفريق إليها، والأدلّة التي جُمِعت، والعيّنات التي أُخِذت والاختبارات التي أجريت والإدارة العامّة لساحة الجريمة. في 15 مارس، أُبلِغت البعثة بأنّ هذا التقرير غير موجود ولا يمكن تأمينه.

ح - هناك دليل قويّ يشير إلى أنّ قضاة التحقيق لم يكونوا يسيطرون على التحقيق.

ط - دخلت الاستخبارات والوكالات الحكومية موقع الانفجار على ما يبدو بدون إذن قضائي، وقصّرت لاحقاً عن تنسيق الاستنتاجات.

36 - تالياً تعتبر اللجنة أنّه لم تتمّ إدارة ساحة الجريمة أو المحافظة عليها كما يجب، ونتيجة لذلك، أزيلت أدلّة مهمّة أو أتلِفت بدون تدوين ذلك. ويجب محاسبة المسؤولين عن سوء الإدارة.


الشريط الذي بثّته قناة "الجزيرة"
37 - نحو الساعة 30:1 من بعد ظهر 14 فبراير2005، تلقّى مدير قناة "الجزيرة" وكبير مذيعيها في بيروت، اتصالاً هاتفياً من رجل يصفه بأنّ عربيته ركيكة أو يتظاهر بذلك. قال المتصل في بيان إنّ "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام تتبنّى عمليّة إعدام العميل رفيق الحريري باسم المظلومين، النصرة والجهاد". بثّت "الجزيرة" البيان نحو الساعة الثانية من بعد الظهر. الساعة 19:25:2 اتّصل رجل آخر بقناة "الجزيرة" وقال بـ"عربية طليقة جداً" إنه يمكن العثور على شريط على شجرة قرب مبنى الأمم المتحدة في بيروت. طُلِب من أحد أفراد طاقم "الجزيرة" الذهاب إلى المكان لكنّه عجز عن إحضار الشريط. فأرسِل موظّف آخر لإحضاره وتمكّن من ذلك وسلّمه إلى المدير. الساعة27:37:3، تلقّت "الجزيرة" اتصالاً ثالثاً سأل فيه صوت ذكوري ثالث لماذا لم يُبثّ الشريط. قال المدير للمتّصل إنه لا يمكن بثّه قبل اتخاذ قرار بذلك في مقرّ "الجزيرة" في قطر. وهدّد المتّصل الذي كان قد بدأ بالصراخ عالياً، المدير بأنه سيندم لأنه لم يعرض الشريط. الساعة 04:35:3 مساءً، تلقّت "الجزيرة" اتصالاً أخيراً سأل فيه الصوت الذكوري نفسه، وبغضب شديد، المدير عمّا إذا كان سيتمّ عرض الشريط أم لا. طلب المدير من المتّصل الانتظار، وحدّد لاحقاً أنّ القرار اتُّخذ ببثّ الشريط، وقيل للمتّصل أن يشاهد التلفزيون. أظهر الشريط الذي بثّته قناة "الجزيرة" شاباً ملتحياً يتبنّى قتل الحريري باسم "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام". تمّ التعرّف الى الشخص الذي يظهر في الشريط، على أنّه أحمد أبو عدس، مقيم في بيروت وعمره 22 عاماً.

38 - في التاريخ نفسه، 14 فبراير 2005، الساعة 11:25:2 من بعد الظهر، تلقّت مستشارة في وكالة "رويترز" للأنباء اتصالاً من رجل قالت إنّ لهجته ليست لبنانية لكنه "يتكلّم بلهجة فلسطينية مفتعلة". وصرّحت أنّ المتّصل الذي كان يصرخ بنبرة متسلّطة قال لها "اكتبي، اكتبي ولا تتكلّمي"، "نحن مجموعة النصرة والجهاد في بلاد الشام، ألحقنا في هذا اليوم العقاب المستحَقّ بالكافر رفيق الحريري ليكون عبرة لأشكاله من الناس". بناء على تعليمات من أحد الموظّفين (رويترز)، لم يتمّ الكشف عن محتوى هذا الاتصال، لأنّه لا يمكن التأكّد من صحّته.

جثة الشهيد الحريري وهي تحترق جراء الانفجار الكبير والمواطنون يقومون بتغطيتها
جثة الشهيد الحريري وهي تحترق جراء الانفجار الكبير والمواطنون يقومون بتغطيتها
39 - من أصل الاتصالات الخمسة التي تلقّتها "الجزيرة" و"رويترز"، تمّ تحديد موقع/مصدر أربعة منها. وكانت كلّ المواقع التي حدّدتها الشرطة هواتف عمومية في مدينة بيروت. أمّن وضع شريط من شخص أو أشخاص على صلة بمقتل الحريري مادّة مهمّة للأجهزة الأمنية في سياق التحقيق، لكنّ سلطات التحقيق لم تبذل جهداً للتحرّي عن هذه الناحية. لم يتمّ التدقيق في صور التقطتها كاميرات مراقبة حدّدها أعضاء في البعثة في موقعَين أساسيين، ولم تُجرَ مقابلات مع شهود يعملون في المنطقة تعرّفت إليهم البعثة، ولم يتمّ إجراء التحقيقات الأساسية. أظهر المسؤولون عن هذا العنصر في التحقيق إهمالاً كبيراً.


المشبوه
40 - ولد أحمد أبو عدس الفلسطيني الأصل في جدّة (السعودية) في 29 أغسطس 1982، وجاء إلى لبنان مع عائلته عام 1991. إنه ابن تيسير أبو عدس ونهاد موسى نافح. لديه شقيقتان تعيشان في بيروت وشقيق يقيم حالياً في ألمانيا. كان عاطلاً عن العمل. تظهر التحقيقات أنه صباح 16 يناير 2005، غادر احمد ابو عدس منزله في مبنى إسكندراني 6 في الطبقة الأولى في منطقة الجامعة العربية في مدينة بيروت، واعتبر رسمياً في عداد المفقودين في 19 يناير 2005.

41 - أظهر التقصّي الذي أجرته البعثة أنّه قبل حوالى ثلاث سنوات، تحوّل احمد ابو عدس من مراهق مرح إلى أصولي متديّن. قبل حوالى شهر من فقدانه، قال احمد ابو عدس لعائلته إنه تعرّف بصديق جديد في مسجد الحوري حيث يؤم أحياناً الصلوات. تشير المعلومات التي أعطتها والدة ابو عدس إلى انه حوالى الساعة التاسعة من مساء 15 يناير 2005، أجرى "الصديق الجديد" اتصالاً هاتفياً بمنزل أبو عدس وقال له إنه سيناديه الساعة السابعة من صباح 16 كانون الثاني وإنه يحمل له مفاجأة. تقول الوالدة إنه حوالى الساعة السابعة من صباح 16 نياير، نادى شخص أحمد عبر إطلاق زمّور سيارة خارج المبنى، وتضيف أن أحمد الذي استيقظ باكراً للصلاة ناداها ليطلب منها مالاً وأنه أخذ معه ألفَي ليرة لبنانية فقط وقال إنه سيعود بعد بضع ساعات فقط. وتتابع أن أحمد طلب منها الاعتذار من صديق آخر تواعد معه في التاريخ نفسه.

42 - في 14 فبراير 2005، كانت عائلة أبو عدس تشاهد التلفزيون عندما بثّت قناة "الجزيرة" الشريط الذي يظهر أحمد يتبنّى قتل الحريري باسم جماعة "النصرة والجهاد في بلاد الشام". حوالى الساعة 8:30 من مساء 14 فبراير، سلّم الوالد والوالدة والشقيقة الصغرى أنفسهم الى الشرطة وأوقف الثلاثة. احتُجِز الوالدان سبعة أيام تقريباً لكنّ الشقيقة أطلِقت بعد اليوم الثاني. وشمل التحقيق بشأن أحمد أبو عدس توقيف العائلة واستجوابها، واستجواب أصدقائه ومعاينة الاتصالات الهاتفية وتفتيش منزل والدَيه حيث كان أحمد يعيش أيضاً. تظهر المعلومات التي توصّل إليها التحقيق أنّ أحمد أبو عدس كان يمتلك جهاز كومبيوتر في منزله وقد تمّت مصادرته كجزء من التحقيق. وشملت الأغراض التي تمّت مصادرتها 11 شريط فيديو و55 أسطوانةCD وأسطوانة واحدة ليّنة floppy وقرصاً صلباً. ما عدا المعلومات/البيانات المخِّربة التي عُثِر عليها كما يُزعم على القرص الصلب، المؤشّرات ضئيلة جداً الى أن لأحمد أبو عدس ميولاً تخريبية أو عنفية.

43 - أظهر التحقيق في هذه الناحية من الجريمة العيوب الآتية:

أ - أكّد الضبّاط الذين يقودون التحقيق للبعثة أن أحمد أبو عدس كان يدخل شبكة الإنترنت من منزله، وأنّ المعلومات الواردة على القرص الصلب أُفرِغت مباشرةً في الكومبيوتر الموجود في منزل أحمد أبو عدس. أظهر التقصّي الذي أجرته البعثة أنّه لم يكن لدى أحمد أبو عدس نفاذ إلى الإنترنت في منزله، ومن غير الممكن أن يكون قد دخل المواقع المشار إليها من كومبيوتره الشخصي. يشير التقصّي الذي أجرته الحكومة إلى أنّ القوى الأمنية التي تهتمّ بالتحقيق لم تفتّش أو تجري تقصّياً في مقاهي إنترنت محلّية بغية تحديد مصدر البيانات المزعومة الموجودة على كمبيوتر احمد ابو عدس.

ب - لا أدلّة كافية تدعم نظرية أن احمد ابو عدس كانت لديه ميول جهادية/متطرّفة.

ج - لا أدلّة على أن أحمد ابو عدس خطّط لرحيله أو أنه لم يكن ينوي العودة عندما غادر منزله في 16 ناير 2005.

د - لا معلومات استخبارية حول وجود مجموعة اسمها "النصرة والجهاد في بلاد الشام" قبل الانفجار أو بعده.

هـ - يتطلّب اغتيال كهذا موارد مالية كبيرة ودقّة عسكرية في التنفيذ ودعماً لوجستياً كبيراً، وهو يتخطّى إمكانات فرد واحد أو مجموعة إرهابية صغيرة. لا أدلّة تشير إلى أن أحمد ابو عدس كان يمتلك القدرة لتخطيط اغتيال كهذا وتنفيذه بمفرده، كما أنه لم يكن يمتلك الإمكانات المادية.


الشاحنة المشبوهة
منطقة سان جورج بعد الانفجار
منطقة سان جورج بعد الانفجار
44 - يقع فرع لمصرف "إيتش أس بي سي" قرب موقع الانفجار. لدى المصرف كاميرات مراقبة خاصّة به سجّلت تحرّكات موكب الحريري قبل الانفجار مباشرة لكنّها لم تسجّل موقع الانفجار نفسه. أخذ عدد من الوكالات الأمنية اللبنانية نسخاً عن تسجيلات هذه الكاميرات بعد وقت من انطلاق التحقيق. يظهر التسجيل عند التدقيق فيه من كثب شاحنة "بيك أب" بيضاء تدخل منطقة الانفجار قبل وقت قصير من موكب الحريري. يظهر التسجيل بوضوح أن هذه الشاحنة البيضاء تتقدّم بسرعة أبطأ بست مرات من كل السيارات الأخرى التي تعبر الجزء نفسه من الطريق. ويظهر تحليل الوقت أن سيارة عادية تستغرق 3 إلى 4 ثوانٍ لعبور مسافة الـ 50 إلى 60 متراً التي تغطّيها الكاميرا، في حين أن الشاحنة الكبيرة تستغرق 5 إلى 6 ثوانٍ لعبور المسافة نفسها. استغرقت الشاحنة البيضاء حوالى 22 ثانية لعبور المسافة ودخلت موقع الانفجار قبل دقيقة و49 ثانية من موكب الحريري. تشير التقديرات إلى أنّه إذا تابعت الشاحنة بالسرعة نفسها، لوصلت بالضبط إلى مركز الانفجار قبل حوالى دقيقة وتسع ثوانٍ من موكب الحريري. وتشير التقديرات إلى أنّه لو تابعت الشاحنة رحلتها بالسرعة نفسها بدون توقّف، لتأثّرت بقوّة الانفجار وبقيت على الأرجح في موقع الانفجار بعد حدوثه. كي تكون قد نجت من الانفجار، يجب أن تكون هذه الشاحنة قد زادت سرعتها إلى حدّ كبير مباشرة بعد أن أصبحت خارج نطاق كاميرا المراقبة في "إيتش أس بي سي. لا دليل يدعم هذا الأمر.

45 - اعتبر ضبّاط التحقيق اللبنانيون أنّ وجود هذه الشاحنة وسلوكها المشبوه هو مسألة تشكّل مادّة أساسية/دقيقة في التحقيق. حدّدوا طراز وماركة الشاحنة المشبوهة بأنّها شاحنة "بيك أب" ميتسوبيشي (على الأرجح صنع 1995-1996). ركّزت التحقيقات التي أجرتها القوى الأمنية اللبنانية في شكل خاص على تحديد الملكية الفعلية للشاحنة عبر محاولة معرفة سجلّ ملكيّتها من خلال محاضر تسجيل السيارات والتفتيش على الحدود وسجلات التصنيع أو المتاجرة. خلال البحث عن أدلّة في موقع الانفجار، عثرت القوى الأمنية وفق زعمها على أجزاء من شاحنة "بيك أب" تتطابق مع الشاحنة المشتبه بها، وتحمل أدلّة على أنها تعرّضت لانفجار. وزعمت الشرطة أنها اكتشفت أكثر من 21 جزءاً من هذه السيارة المشبوهة في موقع الانفجار وحوله. يتمحور التركيز الأساسي للتحقيق الذي تجريه القوى الأمنية على هذه المعلومة. حدّدت البعثة أنّ هذه الشاحنة، كما يظهر في كاميرا مصرف "إيتش أس بي سي" كانت موجودة فعلاً وكانت في المكان مباشرة قبل الانفجار الذي أودى بحياة الحريري. وتقبل البعثة أيضاً أن نظرية تورّط هذه الشاحنة في الاغتيال نظرية ذات صدقيّة، مما يتطلّب تحقيقاً كاملاً وشاملاً. سحبت القوى الأمنية اللبنانية أجزاء صغيرة من شاحنة "ميتسوبيشي" من الحفرة والمنطقة المحيطة بالانفجار. وسحبت أجزاء من شاحنة "ميتسوبيشي" من المنطقة المجاورة لموقع الانفجار. وسحبت البعثة قطعة معدنية من الحفرة متطابقة مع المعدن المستعمل في أجزاء الشاحنة وتحمل أدلّة تدعم نظرية حصول الانفجار على السطح/فوق الأرض.

46 - لكنّ التحقيق في هذه الناحية من القضيّة لم يكن كاملاً ولا شاملاً، وفي رأي البعثة، لحقت به أضرار فادحة وأساسية بسبب تحرّك وعدم تحرّك، القوى الأمنية على الأرض، وذلك على الشكل الآتي:

أ - بعد نحو شهر على الاغتيال، بذلِت القوى الأمنية محاولات ضئيلة أو لم تبذل أي محاولات على الإطلاق لتحديد تحرّكات الشاحنة المشبوهة مباشرة قبل الانفجار أو مباشرة بعده. كان من شأن هذه الناحية من التحقيق أن يكشف أدلّة حيوية بما فيها الهويّة المحتملة للفاعل أو الفاعلين، المكان الذي كانت الشاحنة مركونة فيه مباشرة قبل الانفجار، ودليل آخر ذو أهمية بالغة، ما اذا كانت الشاحنة تابعت طريقها ولم تكن لها أيّ علاقة بالاغتيال على الإطلاق.

ب - حدّدت البعثة أن جهوداً ضئيلة بُذلت أو لم تبذل جهود على الإطلاق، لتحديد إذا كانت الشاحنة المشبوهة تابعت طريقها، كما بذلت جهود ضئيلة، أو لم تبذل جهود على الإطلاق، لتحديد صور التقطتها كاميرات المراقبة أو شهود على الطريق بعد الانفجار.

ج - تستطيع البعثة أن تؤكّد أن أجزاء من الشاحنة أحضِرها إلى موقع الانفجار أحد عناصر القوى الأمنية بعد وقت من عملية الاغتيال ووُضِعت في الحفرة والتقط لها لاحقاً عناصر من القوى الأمنية صوراً، مما أثار شكوكاً وشبهات جدّية حول التورّط الفعلي لهذه الشاحنة في الاغتيال، وألحق ضرراً خطيراً بصدقية الخيط الأساسي في التحقيق. أُلحِق ضرر فادح بهذا الخيط في التحقيق مع بروز مسائل مرتبطة بصدقيّته وفتح المجال أمام الاعتراض القانوني.

47 - باختصار، تظهر الطريقة التي تمّ التعامل بها مع هذا العنصر في التحقيق، إهمالاً فاضحاً على الأقلّ، يترافق على الأرجح مع ممارسات إجرامية يجب محاسبة المسؤولين عنها.


تقويم عام للتحقيق:
48 - إلى جانب الشوائب المذكورة آنفاً، لاحظت البعثة العيوب الآتية في عملية التحقيق اللبنانية:

أ - هناك انقطاع خطير في الاتصال بين أعضاء رفيعي المستوى في فريق التحقيق المؤلّف والتابع للقوى الأمنية المحلّية.

ب - هناك نقص في التنسيق بين فريق التحقيق التابع للقوى الأمنية وقضاة التحقيق.

ج - هناك نقص في التركيز والسيطرة لدى الإدارة العليا المسؤولة عن التحقيق في الجريمة في شكل عام.

د - هناك نقص في الاحتراف في التقنيات المستعملة في التحقيق في الجريمة في شكل عام.

هـ - هناك غياب كلّي للمعلومات الاستخبارية وتبادل المعلومات ضئيل أو معدوم بين الوكالات المختلفة المعنيّة بالتحقيق.

و - هناك غياب للإمكانات والمعدّات التقنية الضرورية لتحقيق مماثل.

49 - بالاستناد إلى كلّ ما تقدّم، تستنتج البعثة أنّ هناك نقصاً واضحاً في التزام السلطات اللبنانية التحقيق بفاعليّة في الجريمة، وأنّ هذا التحقيق لم يجرِ حسب المعايير الدولية المقبولة. وترى البعثة أيضاً أنّ التحقيق اللبناني يفتقر إلى ثقة الناس الضرورية لتكون نتائجه مقبولة.

ج. النتائج

كان لاغتيال الحريري تأثير شبيه بالزلزال في لبنان. كانت الصدمة والذهول والقلق ردود الفعل الأكثر شيوعاً بين الناس الذين تحدّثنا اليهم. الصدمة لأنّ الممارسات التي ظنّ كثر أنها من الماضي عادت على ما يبدو. الذهول لمقتل رجل كان الناس يرون فيه شخصية "أكبر من الحياة". والقلق من احتمال أن ينحدر لبنان من جديد نحو الفوضى والحرب الأهلية نتيجة لذلك "الزلزال". سرعان ما امتزجت هذه المشاعر في صرخة قويّة وموحّدة تطالب بـ"الحقيقة". أشار كل من تحدّثوا الى البعثة إلى أنّ معرفة الحقيقة حول اغتيال الحريري هو أولويتهم القصوى، وأنه لا يمكن إعادة الهدوء والطمأنينة إلى لبنان بدون التوصّل إلى نهاية مقبولة لهذه الجريمة. ذكّر عدد كبير منهم البعثة باغتيالات سياسية سابقة لم يتمّ التحقيق فيها كما يجب أو لم يؤد التحقيق فيها إلى نتائج مقنعة. ركّز كلّ من تحدّثنا اليهم على أنّ هذا الاغتيال جعل الكيل يطفح، وأنّه يجب وضع حدّ لما سموه "ثقافة الترهيب والاستعمال العنيف للقوّة"، وأنّ الشعب اللبناني وقادته السياسيين يستحقّون أن يعيشوا بمنأى عن الخوف والترهيب وخطر الأذى الجسدي.

51 - كانت عائلات الضحايا لا تزال تحت وقع الصدمة، وهذا أمر مفهوم، عندما التقتها البعثة. لا تزال عائلة الحريري عاجزة عن تصديق أنّ رجلاً كرّس حياته لخدمة بلاده يمكن إلغاءه ببساطة، بينما الحقيقة حول مقتله رهن بتحقيق تدور شكوك كبيرة حول صدقيّته. وعائلات الضحايا الآخرين الحرّاس الشخصيون والعاملون في موقع الانفجار والمارّة وكل من لقوا حتفهم عرضاً غير قادرة بعد على فهم ما جرى أو لماذا جرى. بالنسبة إليهم جميعاً، الكلام عن قدرات الأجهزة الأمنية أو التنسيق في ما بينها أو التكهّنات السياسية للناس يزيد ألمهم وحسب. كل ما يتوقون إليه الآن هو الحقيقة، في سبيل الوصول بالأمور إلى خواتمها والسماح لهم بأن يحزنوا على أحبّائهم.

52 - أشارت عائلات الضحايا وزعماء سياسيون من مختلف الخلفيات السياسية والمذهبية، بمن فيهم مسؤولون وأعضاء في الحكومة، إلى أنّ تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلّة هو السبيل الوحيد لمعرفة الحقيقة في اغتيال الحريري. اتّهم بعض من تحدّثنا اليهم الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية بالتورّط في الاغتيال، والعرقلة المتعمّدة للتحقيق اللبناني في سبيل تغطية الجريمة. بينما أشار آخرون من طرف الحكومة إلى أنّ التحقيق الدولي مطلوب في شكل خاص لإثبات براءة الأجهزة الأمنية اللبنانية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بدون مساعدة خارجية نظراً إلى الصدقية المتضائلة للأجهزة الأمنية والمحقّقين اللبنانيين.

53 - خلال إقامتنا في لبنان، أوقفنا أشخاص عاديّون في شوارع بيروت وشكرونا على الجهود التي نبذلها لمعرفة "الحقيقة"، وحضّونا على عدم ترك هذه المسألة بدون حلّ، وذكّرونا بأهمية محاكمة المذنبين "لأجل لبنان". تحمل الملصقات في شوارع بيروت كلمة واحدة بلغتين: truth theبالإنكليزية و"الحقيقة" بالعربية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى