المكلا في البعد الرابع

> محمد سالم قطن

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
أليس الزمن هو البعد الرابع، كما تقول النظرية النسبية، أصدق نظريات فيزياء القرن العشرين وأكثرها تأثيراً؟ دعونا نترك جانباً الأبعاد الثلاثة الأولى، التي عرفها الإنسان عن المكان، في الطول والعرض والارتفاع فهي واضحة عياناً على الميدان، ويراها عندنا كل المبصرين. العمران يتسارع، والطرقات تتسع، والمكلا تتهيأ لأعظم أعراسها، من يصدق أن كل هذه المنظومة المتكاملة من الأعمال الإنشائية والهندسية والجمالية ستجرى على وتيرتها في انتظام وبانسجام، يتناغم فيها القدم مع الساق؟ لقد عهد الناس، ومنذ زمن بعيد أن يوم الحكومة سنة وأن شهرها عام، ليأتي هذا الزمن الجديد بشيء يخرق ذلك الناموس الحكومي القديم، إذ يختلط الليل مع النهار لتظل السواعد مشمرة والعقول متوثبة والعمل متواصلاً، لتصبح المكلا الجديدة بجغرافيا عصرية تنسجم في معالمها مع جغرافيا العصر ودنيا هذا الزمان!

ليت (الان فلييرز) القبطان الاسترالي الذي لاحت المكلا أمام ناظريه في عرض البحر منتصف ثلاثينات القرن الماضي، كتب يقول: ومرفأ المكلا مكان ممتع بمبانيه البيضاء، التي يبدو كانها تصارع بوجل لتحتفظ بموطئ قدم. فحول الواجهة البحرية للخليج الصغير المكشوف تتكدس الأبنية، وتبرز من بينها مآذن المساجد هنا وهناك، إلاّ أن الأبنية التي تبتعد عن الميناء تبدو داكنة ومتهدمة وهي تقاوم الزوال من على سفوح جبال حضرموت الشديدة الانحدار.. تلك الجبال العابسة بحصونها ذات البروج البيضاء التي لم تعد تستعمل الآن فالجبل يشرف من علٍّ على البلدة، كأنما تراوده فكرة دفعها دفعة واحدة إلى البحر. وهو ما يستطيع أن يفعله لو هزّ كتفيه هزة خفيفة فإنه بحجمه الهائل وقربه المخيف من المباني وكتله الصخرية موجودة وكأنها تنتظر الأمر بالتدحرج. وفي الواقع أني لو كنت أسكن المكلا لكنت ارتعدت خوفاً من رؤية الأمطار الغزيرة وهي تنهمر على ذاك الجبل.

كل تلك الصورة المرتعدة التي ارتعش منها ذلك القبطان تبددت اليوم بعد أن صارت المكلا قصبة حضرموت وميناءها. وبعد أن أشرقت عليها أنوار الوحدة وأضواؤها. وها هي تتهيأ مع حلول الذكرى الخامسة عشرة للوحدة المباركة لاستقبال هذه المناسبة اليمانية الخالدة واحتضان فعالياتها ومسراتها.. الزمن يقترب وتوجيهات الرئيس بإعمار المكلا لتصبح في مستوى اللحظة من المناسبة الخالدة تتواصل تنفيذاً وتحقيقاً على الميدان، يباشرها شاب لا تفارقه الابتسامة الودودة، كما لم تفارق دواليب عجلات هذا العمل الجبار ومضات الوهج المعطاء .. إنه المحافظ عبدالقادر هلال، الذي أحبّه أهل حضرموت لا لأنه دينامو هذا الحراك الجميل فقط، بل أيضاً لأنه جاء إليهم مع مطلع القرن الحادي والعشرين، في دورة جديدة من دورات التاريخ .. جاء إليهم بفؤاد يغمره الحب وبقلب سليم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى