أحمد عراسي .. صديقي الذي لم يفارقني بموته

> د. هشام محسن السقاف

> لم نلتق كثيراً، بصورة دائمة، لكننا لم نفترق أبداً، الهاجس إياه الذي يملؤك يقيناً أن من حولك أصدقاء أوفياء بحجم أحمد، الذي فارقنا مسرعاً قبل أن تكتمل رؤانا، فقد كان يرتق الوقت الضائع بين لقاء وآخر بخيوط المحبة والألفة، وسواء تكررت اللقاءات أو تباعدت، فإن نسيجه الأخلاقي يدثرك بمزايا الألق الذي لا يخبو .. لصداقة تبقى في وقتها وزمانها أو حتى خارج تفاصيل الزمن ورتابة الوقت .. أبدية ودائمة، هكذا بدون شرح أسباب، ودافئة برفيف الصدق في مداخلها المخفية والمرئية، ولكن هكذا بدون بحث عن مصالح ذاتية.

أحمد عراسي الذي عرفته صديقاً شفافاً، وكأنه من نسج النسمات الباردة التي تهب في الصباحات الباكرة، يحمل سجايا البراءة وكأنه طفل يقترب من الخمسين عاماً، فرحاً بالحياة يبادلها وداً وصفاءً ونقاءً، وهذا الرحيل الذي فاجأنا أحمد به، يرسم سمات أخرى للبقاء في ملامح كل صبح يشرق على هذ المدينة الجميلة والموجعة برحيل نوارسها قبل التواقيت المقبولة، فالبقاء نسبي في كلتا الحالتين، حيث لا مندوحة أن تبقى بعد فراق أو مفارقة حسية، بسريان نقي وبطراوة الصبح وعطره ميتاً حياً أو -والعياذ بالله- تبقى حياً ميتاً!

تعرفت عليه عن قرب، أو بدأنا العزف الثنائي المشترك على أوتار المحبة والصداقة من اللحظة التي تعارفنا معا في محفل كبير في مدينة الوهط، حفل زواج الفنان عبود الخواجة، وقد جاء العراسي بمعية الأستاذ هشام باشراحيل وآخرين، وكأن فضاءات الوهط تفصح عن مكنونات قدرية، فقد تكررت فيما بعد زياراته للوهط، جاء إلينا مرة إلى منتدى الوهط الثقافي، ثم كانت له صداقة مع أحد أبناء الوهط، ومنها لا يتوانى لحظة عن الاتصال بي ليخبرني أنه هناك، إلى اليوم الذي قادته مشيئة الله أن يذهب في الطريق ذاته الذي سلكه مرات، مسرعاً لملاقاة أصدقائه، ولكنه- هذه المرة- لم يصل إليهم ولم يعد إلينا.

في جلساتنا المشتركة كنت أفتش من خلاله عن تجليات أسرة عريقة من الأسر الطيبة في مدينة عدن، هي أسرة العراسي، ولمست كم كان الأخوة العراسي يأتلفون محبة نادرة، وينتظم عقدهم بخيط المودة والتعاون والاحترام، وأما قطبهم فهو الأستاذ محمود عبدالله عراسي وبدأنا نرتب اهتبال أي زيارة للأخ الأكبر لعدن ليكون ضيفاً عزيزاً على منتدى الوهط.

قد نبحث في أسفار الرحيل عن النوارس التي تغادرنا ضحوات النهار، وتعود نجوماً تحلق في سمائنا كل المساءات التي تحضرنا بدونهم، وأحمد ألق الصديق، الذي لا ينفض يده من مودة تطول وتطول بمساحة الدنيا الفانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى