حالة التبلد في الوطن العربي .. وما أشبه الليلة بالبارحة

> أحمد عمر بن فريد

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
لا شك عزيزي القارئ بأنك لازلت تتذكر مهام فرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل التي كانت تعمل في العراق الشقيق إبان حكم النظام السابق، ولابد وأنك تتذكر أيضاً أن أول محطة تصادم لهذه الفرق مع نظام الرئيس صدام حسين، حدثت حينما طالب الفريق الدولي السماح له بدخول وزارة الزراعة العراقية لغرض البحث عن الأسلحة البيولوجية والكيماوية التي أتى من أجل العثور عليها ولم يجدها، ويومها رفض النظام العراقي ذلك بحجة أن في ذلك العمل نوعاً من الانتهاك الواضح لسيادة الدولة العراقية.

غير أن ذلك الرفض لم يجد نفعاً، ولم يستمر بالحدة نفسها التي انطلق بها، فقبلت السلطات العراقية بعد ذلك دخول فرق التفتيش ليس فقط إلى وزارة الزراعة فحسب، وإنما إلى حجرات القصور الرئاسية الكبير المنتشرة في بغداد، وذلك تحت وطأة الضغوط الدولية وتحت ضغوط تهديد السلاح أيضاً .

بالأمس القريب وتحديداً ظهر يوم 14 مارس الماضي، وهو اليوم الذي استخدم فيه ما يعادل 1000 كيلو جرام من المتفجرات لنسف وشطب لاعب لبناني سياسي رئيسي من على مسرح بلاده (السيد رفيق الحريري)، خرج علينا المسؤولون اللبنانيون بتصريحات تتضمن رفضاً قاطعاً لمبدأ قبول تشكيل ووصول (لجنة تحقيق دولية) تتولى مهمة التحقيق الكامل لكشف ملابسات اغتيال الحريري، مستخدمين الحجة العراقية نفسها التي تقول: إن في ذلك(انتهاكاً للسيادة اللبنانية)!، ولكننا لم نلبث أن سمعنا المسؤولين ذاتهم يتراجعون عن تصريحاتهم تلك، ويعلنون قبولهم بلجنة التحقيق الدولية، هكذا فجأة! ترى ماذا حدث خلال هذه المرحلة القصيرة، وما الذي جعل فريق (الموالاة) يتراجع عن تصريحاته تلك؟

في ظني وفي تقديري المتواضع، وبناءً على ما استمعت إليه مؤخراً من تحليل قيم ومهم طرحه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في برنامجه الشهير (مع هيكل) أن ذلك التخبط العربي الرسمي، الذي كان في العراق بالأمس، واليوم نشاهده في لبنان، إنما يعود إلى حالة ( التبلد والجمود) التي شلت جسد الدولة العربية منذ نهاية حرب أكتوبر 1973م واستمرت حتى اليوم، على اعتبار أن تلك الحرب قد مثلت آخر (حراك سياسي) مهم شهده المسرح العربي قبل أن يخلد الجسد العربي بعدها إلى حالة طويلة من السبات العميق، امتدت منذ نهاية الحرب حتى عامنا هذا.

إن حالة الجمود تلك التي تخيم على مختلف أرجاء الوطن العربي الكبير، هي المسؤولة بكل تأكيدد عما أسماه هيكل (بالفراغ الكبير)، الذي دفع الآخرين إلى محاولات ملء هذا الفراغ، بسبب أن الفاعل السياسي العربي لم يستطع لظروف التبلد والجمود التي ارتضاها لنفسه ولشعبه، أن يملأ هذا الفراغ بحراك سياسي ذي قيمة دولية على غرار ما حدث عام 73م.

إذن .. ليس غريباً البتة أن يستشهد فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة في تقريره بشأن اغتيال الحريري، الذي نشرته جريدة «الأيام» يوم الأحد الماضي، بعبارات (رسمية) هي من صنع هذه الحالة العربية النادرة، التي يعتقد الفريق أنها كانت علامة يعتد بها لفهم الأجواء المتوترة جداً من الناحية السياسية في لبنان، التي سبقت عملية الاغتيال (راجع الفقرة العاشرة من التقرير لتقف بنفسك على ما يمكن لحالة التبلد العربي أن تصنعه)، وليعذرني القارئ الكريم عن عدم إيراد النص المطلوب هنا لأسباب عديدة.

كما أن حالة التبلد العربية التي نتحدث عنها هنا، هي التي دفعت مؤخراً أحد الزعامات العربية إلى تغيير فهمه لمطالب المعارضة في بلاده بشأن الدستور فيما يخص الانتخابات الرئاسية، مما كان يسميه يومها بـ(الباطل)، فأصبح في حكم (الممكن) والمقبول.

على صانعي هذا التبلد اليوم أن يستعيدوا بسرعة مقبولة شريط فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، ثم يفكروا جيداً في معنى قرب وصول لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، وحينما يدركون ماذا يعني هذا الأمر، الذي لا يبدو عسيراً على الفهم، عليهم أن يفكروا جيداً في مواجهته بطريقة أخرى تختلف عن الطرق والوسائل التي اتبعها نظام صدام، وذلك حتي لا يجدوا (فجأة) من يطالبهم بدخول حجرات قصورهم للتفتيش والتحقيق معهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى