شواف صالح ناصر .. وداعاً

> علي هيثم الغريب

> ولد شواف هناك، في قرية صغيرة ملاصقة لبحر العرب، أي من مواليد محافظة أبين، ويمكن للمرء أن يتصور كم ستكون النظرة جليلة عندما نقول إن العقيد ركن شواف صالح ناصر ولد في أبين! هذه البقعة التي لا تنجب إلا أبطالاً.

ويوم 14 فبراير وصلنا خبر موته في مستشفى صابر على اثر جلطة قلبية.. نعم، لقد مات شواف .. إنا لله وإنا اليه راجعون.. التقيته آخر مرة بالصدفة بجوار بيوت قديمة شبه ميتة، جدرانها من الطين وأعمدتها من تراب .. سألته عن زملائنا في الدراسة والعمل، فرد بألم: أعتقد أن الجميع ذهبوا إما لمتابعة رواتبهم أو لتقاعدهم، والبعض الآخر غادروا الوطن بعد أن باعوا ما يملكون.. كان قبالتنا مقهى، وفيه طاولات من البلاستيك الأبيض، جلست مع زميلي شواف، وتذكرنا ثلوج موسكو وسنوات الجنوب وصاعقة 13 يناير. كنا نريد أن نقول ونتذكر الكثير والكثير، لا يوجد كلام إلا ويتحول إلى ذكريات نتابعها من ألم إلى ألم .. وكلما تذكرنا يناير وتلك الغرفة الصغيرة التي جمعتنا في مدينة فولجاجراد: شواف والدكتور عدنان البيض والدكتور عبدالحكيم الميسري وعبدالله عبده «الطب» والمرحوم المقدم علي عبدالله سلطان (انتحر بعد حرب 94م) وأنا وآخرين، تقاربنا أكثر في تلك الأيام الكئيبة.

وأذكر كيف جاء شواف في الصباح حاملاً رغيف الخبز على كتفه يوزعه علينا بدون استثناء. ولا ننكر أن هناك من كان يبحث في الظلام عن قشور وضحايا، بينما كانت عيوننا تبكي على الجميع داخل الوطن، وكنا نعرف أن خسائر البلد الرئيسة ستأتي فيما بعد، وهذا ما حصل،إذ تقلص عدد سكان محافظات الجنوب من الشباب والقادة والكوادر الاقتصادية والتجار إلى أكثر من 70% . في مايو 1987م، عدنا إلى الوطن نحاول قدر الإمكان أن ننفع بعضنا ضمن طاقتنا، محاولين أن نساعد الأعمى على الرؤية. وكم كنا نبحث عن بعضنا خاصة بعد طرد المثقف الوطني حسن بن حسينون من الحزب لمطالبته بالمصالحة الوطنية مع أبناء أبين وشبوة (قلب الجنوب). في عام 1988 استأجرنا مستودعاً صغيراً في الشيخ عثمان للملمة من تبقى. ومن نكد الطالع، وقد بدأت عجلة «المستودع الصغير» تدور، أقول من نكد الطالع أن أغلب الكوادر حولوا إلى عمل خارج عدن، لقد سعينا مع الساعين في توحيد الصفوف وانتهاج فكر جديد سليم ينقذنا جميعاً من التباغض والتهريج (كان الدكاتره حمود العودي وقاسم المحبشي وفضل الربيعي ومسعد الظاهري وغيرهم من زوار المستودع)، ولا أخفي أن الآمال فيه ضعفت بسبب خذلان مجموعة من رواد «المنتدى»، محاولين تحويله إلى «منتدى» شبه حكومي، وكذلك انضمام آخرين لم يكن لهم أي أثر في خدمة المصالحة الجنوبية، أو بالأصح «كنا نطبخ الطبخة وغيرنا يأكلها».

وأريد أن أؤكد من خلال هذه المرثية أن التاريخ قد أظهر مراراً أن الحزب - أي حزب- لا يمكن أن ينتقد نفسه أو يبرز كمعارضة لنفسه. ومن يمارس السياسة، يفكر دائماً وحتى عفوياً في بعض الأحيان، في كيفية التوفيق بينها وبين قناعات الحزب الحاكم، ولذا يخاف رغماً عنه. ولا تسأل عن أيديولوجية الحزب الحاكم في الوطن العربي، في الماضي والحاضر، فهذا لا يهم، ولكن المهم كيف تحفظ خطب الزعماء ووصاياهم التي لا ينوي أحد التخلي عنها .. لذا اندفع إلى الأحزاب الحاكمة كثير من المحتالين والمشبوهين. ولا ننسى أن لبلادنا تجربة غنية، وما زالت متواصلة، في انتزاع ممتلكات الناس بالقوة القبلية أو الأمنية. ونتيجة ذلك لا نستطيع الاستقرار، ومن البديهي أن يتلاعب المسؤولون المتنفذون في الظروف المحزنة الحالية بأملاك ووظائف وحقوق المهزومين ،لأنهم يعملون حيث ما زال الأمن ضائعاً. ومن الطبيعي أن يسأل أصحاب الأرض المنهوبة: لماذا لا يمنحونا الحرية في زراعة أراضينا؟! لماذا يماطلون في تنفيذ أحكام القضاء؟! لماذا يسمحون لهذه القبائل المسلحة المنتشرة في المزارع والأراضي البيضاء بأخذ أملاكنا؟! وإن كانت أراضي دولة.

وهل هذه الجرائم الانسانية التي لا تسقط بالتقادم، هي حصيلة للأخطاء السياسية أم نقص الإرادة الوحدوية والحزم في تحقيق الآمال الوحدوية بصورة جذرية حقاً. وليعذرني القارئ الكريم بذكر هذه المحن، فالآن وقد مات رفيقي في الدراسة والعمل، العقيد ركن شواف صالح ناصر، بصورة حزينة، لا أريد أن أتذكر هوامش الزمالة، بل من الأفضل أن أذكر بكلمة صادقة الأفكار والقضايا التي تعاطف معها فقيدنا، والتي انعكست عليها آلامنا ونفوسنا، ونتركها للتاريخ، نعم نتركها للتاريخ رغم فساد التربية في هذه الأيام.

رحم الله الفقيد شواف صالح ناصر .. له الرحمة والغفران ولنا الصبر والسلوان. إنا لله وإنا اليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى