وقفة تحليلية لمشروع هيكل الرواتب والأجور الجديد المقرر تطبيقه من شهر يوليو القادم

> «الأيام»محمد عبدالله باشراحيل :

> نشرت جريدة «الأيام» الغراء في عددها 4441 الصادر يوم الثلاثاء الموافق 29 مارس بالصفحة التاسعة جدولاً حمل عنوانين أحدهما «مشروع هيكل الرواتب والأجور الجديد» وثانيهما «مشروع التوصيف الوظيفي لموظفي جهاز الدولة المقرر تطبيقة من يوليو القادم»، وبطبيعه الحال ليس لهذا الجدول صلة بالتوصيف الوظيفي، ولكنه هيكل جديد للرواتب والأجور الأساسية والقائم على الفئات للمجموعات الوظيفية الخمس المعمول بها حالياً، ولتسهيل المقارنة لخصناه في أربعة أعمدة متضمنة المرتبتين (1)و(12) فقط وهو كالتالي:1- إذا ما حاولنا استخراج بعض المؤشرات من هذا الجدول نجد أن نسبة المرتبة (1) في الفئة (أ) من المجموعة الأولى (وكيل وزارة) إلى المرتبة (1) في الفئة (ب) من المجموعة الخامسة (أصغر موظف أو مراسل) هي33600/ 12000= 8.2 أي أن مرتب وكيل الوزارة لنفس المرتبة إلى مرتب المراسل لا تزيد عن 3 أضعاف، في حين أن نسبة أعلى مرتب للوكيل إلى أصغر مرتب = 6،4 ضعف، أي أقل من خمسة أضعاف حتى إذا أضفنا العلاوات السنوية، وفي كلتا الحالتين تظل النسبتان متواضعتين جداً.
2- وإذا ما عدنا إلى الوراء عشر سنوات نجد أن معدل الزيادة السنوية للأسعار (التضخم) قد فاق معدل زيادة المرتبات والأجور لموظفي الدولة، في ظل غياب سياسة أجور مواكبة ومترابطة بين الأسعار وعلاوة غلاء المعيشة، الأمر الذي أضعف القوة الشرائية بصورة متلاحقة بين سنة وأخرى، وهذا يعني أن الموظف الحكومي استمر معدل دخله الحقيقي ينخفض خلال السنوات العشر الماضية، وهو وضع سيئ للغاية، إلا أن وضع المتقاعدين أسوأ بكثير من موظفي الدولة، وذلك نتيجة للحالة شبه الثابتة لمرتباتهم التي تحتاج إلى دراسة ووقفة جادة وإعادة النظر في لوائح وقوانين التقاعد لمنحهم حقهم وإخرجهم من هذا النفق المظلم الذي يعيشون فيه.

3- وإذا ما نظرنا إلى التسارع المفجع لارتفاع الأسعار منذ بداية عام 2005م وإلى نية الدولة في تطبيق ضريبة المبيعات التي سيتحملها أساساً المستهلك أكان موظفاً أو غير موظف، ناهيك عن سياسة رفع الدعم عن المشتقات النفطية التي تزمع الدولة تنفيذها عما قريب، إضافة إلي استمرار تطبيق ضريبة الدخل علي موظفي الدولة.

لكل الملاحظات والمؤشرات التي بيناها أعلاه، فإننا نعتقد أن هيكل الأجور والمرتبات المقرر تطبيقه من شهر يوليو القادم، قرار مرتجل ولم يعمل لتبعاته حساباً وتنقصه الدراسة الموضوعية، إذ من الواضح أن الحد الأدنى للراتب المزمع تنفيذه 12000 ريال لا يغطى الاحتياجات الأساسية للحياة، وستكون تداعياته وخيمة، ربما تؤدي إلى صدمة عارمه لدى الموظفين الحكوميين أمام ارتفاع الأسعار المتوقع، الأمر الذي سيساعد في خلق مزارع تفريخ جديدة للفساد في دوائر الدولة فوق ما هو موجود وقائم ومعترف به أيضاً من قبل سلطات الدولة، والخوف أن يحصل ما لا تحمد عقباه في حال تنفيذ ذلك الهيكل وأن نأتي - بكل أسف- على المثل القائل «جاء ليكحلها قام عماها»، ولكي نقترب من واقع الحال دعونا:


أولاً: نقدر صرفيات أسرة فقيرة لشهر واحد لا يأكل أفرادها لحماً وفاكهة ولا رزاً ولا يدخنون ولا يخزنون قاتاً، وليس لديهم تليفون ولا يشترون ملابس في الأعياد ويسكنون في بيت متواضع، وصرفياتهم على الأمور الأساسية .

واعتماداً على المعطيات المبينة في الجدول أعلاه والتي بلغ إجمالي صرفيات العائلة الفقيرة الشهري 23000 ريال، والذي يغطي الاحتياجات الأساسية في حدودها الدنيا لأفراد عددهم 5،6 شخص (معدل الأسرة) وبافتراض أن كل خمسة أشخاص يعيلهم فرد واحد (وهو من ضمنهم)، فإن هذا الشخص أو الموظف الفقير سيحتاج 18000 ريال تقريباً، ليعيش نفس حياة الفقر البائسة المشار لها بالجدول رقم (2) دون نقصان للمبلغ، فكيف سيكون حاله إذا كان راتبه 12000 ريال (الحد الأدنى للأجور)؟

ولكي يعتمد على هذا المرتب فقط، عليه تخفيض احتياجاته المذكورة 33% إن استطاع، وإن لم يستطع فحتماً سوف يلجأ إلى أساليب غير مشروعة ملتوية أخرى (فساد)، وهذا ما نخشاه وما لا نريده، وهو أمر مع الأسف متوقع إذا بقي الحال على ما هو عليه.

ثانياً: نأخذ بمعيار آخر للفقر وهو دولار للفرد الواحد يومياً، وهذا يعني أن الأسرة التي عدد أفرادها (6-7) أو 5،6 شخص ستحتاج إلى 5،6 *30 يوما = 195 دولارا، وأن الموظف الذي يعيل خمسة أفراد سيحتاج إلى (5 أشخاص* 30 يوما * 1 دولار) 150 دولاراً أو ما يعادلها 28250 ريالا حسب أسعار صرف الدولار هذا الأسبوع، ويتضح الفارق الكبير بين هذا المعيار، وما يضعه هيكل الرواتب الجديد 12000 ريال كحد أدنى للرواتب والأجور المبينة في الجدول رقم (1).

ومما لا شك فيه أن من أبرز تداعيات المرتبات والأجور المتدنية في الهيكل الجديد المزمع تنفيذه من يوليو القادم، استمرار الفساد وزيادة تفشيه بمعناه الواسع الذي لا يقتصر على الجوانب الإدارية والمالية، بل يمتد إلى الجوانب الاجتماعية والأخلاقية وارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع.

وبناءً على ما ورد أعلاه ولكي لا تتأخر الزيادات المتوقعة في المرتبات على موظفي الدولة، والتي ينتظرونها على أحر من الجمر، واعتقاداً منا بأن مشروع هيكل الرواتب والأجور الملخص في جدول رقم (2) أعلاه، هو هيكل مؤقت لفترة معينة، وسيتم تغييره جذرياً حال الانتهاء من الهيكل الوظيفي وتوصيف الوظائف مع هكيل جديد للرواتب والأجور، وبغية تسهيل ما نود طرحه بعيداً عن التعقيدات، والبدء مع تعديل بسيط دون تأخير من عمل قد أنجز، فإننا نقترح الآتي:

1- أن يكون الحد الأدنى للمرتبات والأجور 20000 ريال بدلاً من الحد الأدنى الوارد بالمشروع والبالغ 12000 ريال

2- أن يكون الحد الأعلى للمرتبات والأجور في أول مرتبة - وليس آخر مرتبة (12) - من المجموعة الأولى للفئة (أ) فقط يساوي خمسة أضعاف مرتب الحد الأدنى للأجور والمرتبات (أي 5*20000= 100000) .

3- الإبقاء على نفس علاوات كل مرتبة والتي تبلغ 2000 ريال بالنسبة للمجموعة الأولى و800 ريال بالنسبة للمجموعة الخامسة كما نص عليها في المشروع، فعلى سبيل المثال إذا كان موظف درجته في الفئة( أ) من المجموعة الوظيفية الأولى وفي المرتبة (12)، فإن مرتبه في هذه الدرجة سيساوي المرتب في المرتبة الأولى 100000 ريال + 11 مرتبه * 2000 ريال = 122000 ريال ، أما الموظف الذي درجته في الفئة (ب) من المجموعة الوظيفية الخامسة في المرتبة (12)، فإن مرتبه سيساوي المرتب في المرتبة (1) + 11 مرتبة * 800 ريال = 28800 ريال .

4- يستفاد من مرتبات الفئات للمجموعات الخمس في المرتبة (1) المقترحة بالهيكل والمبينة بالجدول رقم (1) لإعداد جديد في البداية لمرتبات وأجور الفئات المختلفة في المرتبة (1) حسب مقترحنا، بحيث تكون بين 20000 ريال كحد أدنى للأجور و100000 ريال كحد أعلى في هذه المرتبة، وبطريقة تراعى فيها الفوارق النسبية والتسلسل الهرمي الوظيفي بين مرتبات وأجور الفئات المختلفة، وبعد ذلك تطبق الطريقة الواردة في المثال المشار له في البند (3) أعلاه.

5- يمنح الموظفون في الدولة علاوة غلاء معيشة سنوية تواكب ارتفاع الأسعار وتحدد لها آلية.. ومن البديهي أن أي زيادات في الأجور والمرتبات، فإنها تحتاج إلى مصادر تمويل إضافية وإجراءات، وهي أمور نعتقد أن بالإمكان تحقيقها وتوفيرها إذا ما وجد العزم والتصميم والإرادة السياسية والإرادة القوية والنوايا الصادقة في التغيير نحو الأفضل، وذلك من خلال التدابير والإجراءات الحاسمة التالية:

أولا: إيقاف المرتبات المدفوعة لأسماء وهمية وإعادتها إلى خزينة الدولة، وتلك الأسماء أشير لها في أكثر من وثيقة رسمية.

ثانياً: دفع المرتب الأكبر لأصحاب الوظائف المزدوجة، على ألا يدفع أكثر من مرتب للموظف الحكومي، وأن تعاد مرتبات الوظائف الأخرى إلى خزينة الدولة.

ثالثاً: توريد فارق أسعار النفط - وهو أكثر من إيرادات النفط المحتسبة- إلى خزينة الدولة مباشرة، وليس بالضرورة أن يكون في حساب حكومي مستقل.

رابعاً: توريد فائض الموازنة السنوية لأي مرفق حكومي بكامله بدلاً من توزيعه أو نسبة منه على موظفي المرافق الحكومية التي حققت الفائض، أو لموظفي وزارة المالية.

خامساً: تخفيض الميزانية الهائلة للأمن والدفاع.

سادساً: أن تصب كل إيرادات الدولة في الخزانة العامة، ولا يتم أي إنفاق حكومي إلا من خلال موازنة الدولة المصادق عليها من قبل السلطة التشريعية، والتي تصدر بقانون كل عام. وفي الختام علّ وجهة نظرنا المتواضعة هذه تسهم ولو بالشيء اليسير في وضع لبنة من لبنات البناء الصحيح لهيكل المرتبات والأجور، وعلها تساعد بعض الشيء في إصلاح ما أفسده الدهر. ونحن بهذا لا نقصد الإساءة لأحد ، إلا لمن أراد الإساءة والإضرار بالآخرين بتعمد ومع سبق الإصرار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى