في الاحتفاء بيوم المسرح العالمي......شكسبير.. رائد المسرح الشعري الغنائي الرومانسي

> علي محمد يحيى

> يحتفل محبو الأدب الإنجليزي في الثالث والعشرين من شهر إبريل الجاري بالذكرى الحادية والثلاثين بعد الأربعمائة لميلاد الشاعر الإنجليزي الكبير وليم بن جون شكسبير المعروف بشهرته اختصاراً وليم شكسبير. هذا الشاعر المسرحي الفذ ذو العبقرية التي فاضت قوة وخصوبة، صاحب المواهب الطبيعية بالغة السمو.. شكسبير الرجل العبقري الذي لم يعد ملكاً لوطنه انجلترا، ولا لزمان عصره فقط، بل سكن العالم كله وشغل الناس جميعا، ويحق لنا في اليمن كجزء من الأمة العربية كما هو حق لأي أمة أخرى أن تحتفل بيوم ذكراه، فشكسبير كان وما زال مصدراً من مصادر ثقافتنا الحديثة وعاملا من عوامل نهوض الحركة المسرحية في بلادنا منذ بداية القرن المنصرم دامت وللأسف خلاله لعقود من السنين ثم وئدت.

ومن المدهش أن وليم شكسبير ظل مجهولاً في كل أوروبا ولم يعرفه أحد خارج وطنه إلاّ في القرن الثامن عشر حين جاء فولتير، وأثناء زيارته إلى إنجلترا عام 1726م شاهد بعض مسرحياته وأعجب بها، فكتب مجموعة من الكتابات النقدية الفلسفية التي لم تكن بغرض إصدار أحكام على أدب شكسبير وشعره بقدر ما كانت استعراضاً لقدرته على النقد وإظهار معرفته واطلاعه الواسع للأدب، فلم يخل سطر من نقده اللاذع لشكسبير، فكانت تلك الكتابات فرصة لأوربا في اكتشاف مسرحياته الشعرية، وكانت عاملاً من عوامل ظهور الاتجاه الرومانسي في الأدب الإنجليزي خاصة، والأدب العالمي عموماً، وصار شعره في نظر النقاد أغنى الاتجاهات الشعرية الغنائية على الإطلاق فذاع صيته في آفاق العالم وكل أركانه يقرؤونه ويدرسونه ويمثلون مسرحياته.

ترجمت أعماله أولاً إلى الألمانية، وترجم فيكتور هيجو أعماله إلى الفرنسية بعدها، ثم في روسيا وبولندا وإيطاليا وأسبانيا وغيرها من بلاد الغرب، كما نقل العرب أدبه إلى العربية في بداية القرن الماضي.

تميز شكسبير بمواهبه التي أذهلت العالم بتنوعها، ويدين له الأدب الإنجليزي بالمآسي الحزينة والكوميديات الهزلية والمقطوعات الشعرية الرائعة وأعذب الأغاني وأسلس النثر وأعمق الدراسات النفسية لمختلف شخوص مسرحياته فقصد أدبه الفلاسفة وعلماء الأخلاق، يلتمسون فيه أعمق الأفكار عن الحياة والموت، وقرأ مؤلفاته العشاق ليعبروا بعباراته عن عواطفهم الملتهبة، كما قرأها عامة الناس لما عنده من روح السخرية والفكاهة لا أحسب أن أديباً غيره قد خصه الله بكل تلك المواهب كما خص بها هذا الشاعر الملهم. وقد امتدت حياة شكسبير الأدبية المسرحية قرابة أربعة وعشرين عاماً، يقسمها مؤرخو الأدب إلى أربع مراحل، كل مرحلة منها ست سنوات.. فقد كان يستوحي في مرحلته الأولى التاريخ القديم والتاريخ الوطني، فاستمد منهما مسرحياته التاريخية مثل (هنري السادس) و(ريتشارد الثالث) وكذلك كان في أيامه الأولى في ريعان شبابه مرحاً طروباً فأخرج حينها (حلم ليلة منتصف الصيف) وهي مسرحية كوميدية. ثم كان في مرحلته الثانية حين تضافرت ظروف الحياة والموت عند منافسيه فمات منهم من مات وترك آخرون المسرح، فخلا له المناخ فاتجهت إليه الأنظار فكتب الكوميديا كما كتب المأساة في الوقت ذاته، ومن آثاره في هذه المرحلة (ترويض النمرة) و(تاجر البندقية) و(الملك جون) و(هنري الرابع).

أما المرحلة الثالثة فقد بدأت عام 1601 وفيها يثور على الحياة، وينظر إلى الدنيا برؤية متشائمة ونظرة قاتمة معتمة، فقد مات والده وغدر به بعض المقربين منه وخانته حبيبته، ومن ذلك كله خيمت عليه سحابة سوداء فنضب معين المرح في نفسه ولم يعد يجد في الدنيا باعثاً على الابتهاج والسرور، كما لم يعد يرى في الدنيا سوى شر وبؤس وموت وفناء، فألف (يوليوس قيصر) و(هاملت) و(عطيل) و(الملك لير) و(ماكبث) و(انطونيو وكليوباترا) فكانت هذه المسرحيات وليدات نفسه الثائرة وحزنه العميق. وعندما وصل إلى ذروة المأساة العنيفة يعود مرة أخرى إلى كتابة الكوميديا ومسرحيات الحب والخيال. وبهذه العودة يكون قد دخل مرحلته الرابعة والأخيرة، وفيها يظهر في أعماله أكثر تفاؤلاً مما كان عليه في بداية مرحلته الأولى فكتب عدة مسرحيات كان أهمها (العاصفة) التي مثلت قمة تطوره الفني.

وفي مدينة استراتفورد مات وليم شكسبير عن اثنين وخمسين عاماً حافلة بأعظم ما يكون في حياة شاعر عظيم مخلفاً للعالم ستاً وثلاثين مسرحية وأكثر من مئة وعشرين سونيته وقصيدتين طويلتين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى