الأربعاء, 07 مايو 2025
214
كم مرة رُفِعَت الأصوات، وتوجَّهَت بنداءات مِلؤُها الرجاء إلى الرئاسة والحكومة وإلى قادتنا وإخوتنا الثقات، وسائر السلطات، تستجدي النظر إلى أحوال شعب على حافة الهاوية بات؟
كم مرة وثقنا بأن تغيير الوجوه سيحمل معه تغييراً في الواقع المرير الذي نعيشه؟
لكن يبدو أن لعبتهم أصبحت مكشوفة، وحيلهم البالية لم تعد تنطلي على عقول أنهكها الانتظار.
لقد استشرى الفساد في أوصال وطننا حتى أصبح مؤسسة عظمى، تعلو على القوانين والدساتير، وتلتهم مقدرات الوطن دون حسيب أو رقيب، والشعب تُنتَهك حقوقه لسنوات، يكتوي بنار الذل والمهانات، وعذاب ممنهج في الخدمات، وتجهيل خبيث لطلابنا والطالبات.
أصبحت (الدولة) عاجزة عن توفير أبسط المقومات، بينما يغرق المسؤولون بعمق في سبات، تاركين زمام الأمور لـ "حليمة" التي لا تفتأ تبتكر لنا القصص والحكايات، وفي كل مرة معاناة جديدة وأزمات، في محاولة للهرب لتغطية فشلهم بتغير حكومة أو لإحدى الشخصيات، وكأن عِلّة الدّاء تكمن في اسم أو لقب!
بينما العلة فينا كـ شعب هي الأكبر، حين غَلَونَا في الصمت والصبر، وفرطنا في حقوقنا كل هذا الدهر، فأصبحنا كقطيع غنم ليس لنا رأي حر، فتمادوا في ظلمهم فينا والقهر ، فأي تغيير ننشده والإرادة حبيسة في الأَسر!
عِلَّتُنَا في قيادتنا التي فرّطت بالقوة التي منحها لهم الشعب، فعشنا وسنعيش سنيناً كلها تعب، و حين تخلت عن دينها وعهودها وليس هذا فحسب، بل وقبلت بغباء رغم تمكينها على الأرض بأن يحكمها و يحكمنا أبو لهب، وسلّمت له أرضنا التي انتزعناها منه بالتضحيات الغالية لا بالخُطَب، وأهدوه دماء شهدائنا قرباناً على طبق من ذهب، ألا تَبَّت يداه ويد كل من باع قضيته وشعبه ووطنه بحزمةِ حَطَب.
فأي تغيير هذا وأي تبديل؛ إنها قمة الاستخفاف والاستهتار بمشاعر شعب كابد و يكابد الأمرَّين، وضحك على ذقون جيل بأكمله يرى مستقبله يتبخر أمام ناظريه، ومع كل تغيير مزعوم، لا نرى على أرض الواقع سوى المزيد من التدهور، أو حلولاً ترقيعية سرعان ما تتلاشى لتعود الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه.
أين دور الحكومة التي يفترض بها أن تسهر على راحة رعاياها لتوفير الكهرباء والمياه، وضمان التعليم والصحة، وصرف معاشات الموظفين بانتظام، ومعالجة الانهيار المخيف للعملة المحلية وارتفاع الأسعار؟
إن تقاعسها وتهاونها المتعمد فتح الباب واسعاً أمام المتنفذين والتجار ليتحكموا بمصيرنا، يستوردون ويحتكرون ويحدِّدون أسعار الوقود والمواد الغذائية وكافة السلع كيفما شاءوا، يعبثون بحركة الصرف النقدي، ويوسِّعون رقعة الفوضى، بينما يعتلي الفاسدون سدَّة المناصب في كل مكان. لقد أصبح أولئك المتنفذون هم الدولة الحقيقية!
فلا عجب إذن أن نرى الحق مهزوماً والباطل متسلّطاً، وأن نشهد ضعفاً مشيناً في أداء القضاء والنيابة والأجهزة الرقابية والمحاسبية، بعد أن تخلّت الدولة عن حماية مؤسساتها الوطنية وتركتها لقمة سائغة في أفواه الفاسدين.
وفي خضم هذه الفوضى العارمة، يُطِلُّ علينا رأس الدولة وكأنه لاعب شطرنج ماهر، يحرك بيدقاً هنا و وزيراً هناك، ظناً منه أنه قادر على تضليلنا كل هذا الوقت بتلك السخافات، و إلى متى سنظل مطيّةً بيد العابثين و المجرمين!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحدّة: بعد كل هذا العبث، وبعد وضوح خذلان و فساد من يفترض بهم أن يكونوا قادة وساسة وقدوة ورعاة مخلصين لرعيتهم، أين يكمن الفشل، ومنبع الفساد ؟
أم أن رئاستنا وحكومتنا بريئون أو فنحن في حاجة ملحة لتغيير الشعب، حتى يصلح حال الوطن.
دعوة أوجهها بصدق من قلب موجوع إلى كل ذي ضمير حي، وإلى كل من لا يزال يؤمن بأن هذا الوطن يستحق الأفضل أسوة بكل الأوطان، وأن هذا الشعب المكلوم يكفيه ما ناله من تعذيب وقهر وحرمان ، فكل ذنبه مطالبته باستعادة دولته وكرامته وحريته والعيش بعزة وأمن و أمان!! لكنها للأسف أمانيّ و على استحياء لا تتجاوز طرف اللسان، ولن تتحقق إلا إذا تبعها حكمة وثبات بعزة وعنفوان.
لذا كفاكم قادتنا استهتاراً بمعاناتنا، كفاكم لعباً بمشاعرنا، فلقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد لدينا ما نخسره سوى هذا الوطن الذي يتمزق أمام أعيننا، شيئاً فشيئاً ، فبحق من بسط الأرض ورفع السماوات، و بحق العهود التي عُمِّدَت بالتضحيات، وبحق شعب وصلت معاناته حد الممات، أفيقوا من غفلتكم يكفيكم صمتاً كالأموات، وضَمِّدوا جراح شعب حَمَلكم على آلمه لتنتزعوا حقه بعد أن صرتم بفضله قادات، فاستعيدوا ثقته واجتهدوا عليه فبدونه والله مصيركم الشتات، هذا إن كنتم لازلتم متمسّكون بالهدف المجرّد من مصالح الذات، أسرعوا فالوقت يداهمنا ويداهمكم والفُرَص المواتية تقتنص بحكمة الدهاة، ولملوا شتاتكم وصحّحوا أخطائكم ورتّبوا خُطَاكم قبل الفَوَات.