نجوم عدن .. لطفي جعفر أمان

> فضل النقيب

>
فضل النقيب
فضل النقيب
لطفي جعفر أمان.. الموسيقى تتدفق من الاسم، والصدى يتردد من الأزل إلى الأبد في عدن.. ذلك الفتى مرّ من هنا وسيماً أنيقاً، عذب الصوت، شاعراً، رساماً، معلماً، وطنياً، نسمة، بسمة، موجة زرقاء، رسالة إلى القلوب، بشارة بالوعد، وعصفوراً يحمل في قلبه الرعد، وفي يديه باقات الورود.

الله.. لكم كانت عدن محظوظة بذلك الألق، ودفق الموهبة الغضة، التي أضفت على لهاثها التجاري المتمادي لمسة من سحر الغروب، وتنفس الشروق، وأحلام البحر الذي ينام على شواطئها آمناً مطمئناً، وبعضاً من فتنة الشعر الذي يحيل «شمسان» إلى جبل من الكبرياء، ويحيل «ساحل أبين» إلى معبد للعشاق، ومن منا جميعاً أولاد ذلك الزمان العدني، لم يكن متماهياً في «لطفي» أو منجذباً إلى ضوئه كالفراشة، أو متقمصاً لتلك العذوبة التي أفعمتنا إسعاداً فأفعمناها عذاباً.

من الذي أمر باعتقال لطفي جعفر أمان غداة الاستقلال وأرسله إلى سجن كئيب في أبين ليكسر قلب الشاعر الغرّيد الذي كانت كل أقواله وأفعاله نياشين على صدر الوطن، وكان اعتقاله مؤشراً بالغ الدلالة على أن الملوك الذين دخلوا المدينة سيفسدون فيها ويجعلون أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون، كما أن الاعتقال والإهانة والتهديد بالتصفية للطفي دونما ذنب كان مؤشراً بالغ الدلالة أيضاً على أن ما جمعته الريح ستبدده العاصفة، وإن مصائر الذين اعتبروا الوطن غنيمة وأهله أرقاء ستكون من جنس العمل، وسيؤخذون بالنواصي والأقدام وكان وعد ربك مفعولاً.. وهذا يذكرني بما جرى لأخي وصديقي الشاعر والمفكر فريد بركات الذي حُكم عليه بالإعدام لأنه نسي ترتيب الميكروفونات لفرقة شبابية ما أنزل الله بها من سلطان قدمت إلى عدن من إحدى المحافظات، ولولا لطف الله لكان فريدٌ في الغابرين، مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

يعاتبني في حب «لطفيَ» معشرٌ

قلوبُهُم فيه «مطابقة» قلبي

ولا أقول «مخالفة» كما قال كثيّر عزّة، ومنهم الخِدْن الوَميْق على حد تعبير شيخ الصحفيين اليمنيين صالح الدحان، الأستاذ محمد عبدالودود طارش، الذي فاكسني قائلاً: متى ستكتب عن أستاذنا اللامع في متوسطيّة التواهي الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان صاحب:

صرخة المجد التليد

من فم الطود العتيد

قل لهم : من ذلّنا؟

ومتى كُنّا عبيد؟

نعم يا أخي محمد: متى كنّا عبيد؟ مع «كويتشن مارك» بحجم الكون الذي كانه لطفي في وجدان الناس وعميق مشاعرهم، وصميم حبهم للوطن وناسه.

ذهبت ذات يوم إلى مكتبة «الجيل الجديد» في شارع الملكة أروى لصاحبها سالم الزغير أسأل عن ديوان لطفي «ليل إلى متى؟» وكنت أترقب وصوله من بيروت، فإذا بلطفي يدخل إلى المكتبة فقدمني الزغير إليه منوهاً إلى أنني من الحريصين على متابعة إصداراته، وقد حياني لطفي بمودة لا أنساها إلى اليوم، فقد كان الرجل حقاً قصيدة تمشي على الأرض وكل شيء فيه مضيء من نظارته الذهبية كشمس الأصيل وحتى روحه التي تشرق في بسمته والتماعة عينيه.

في عالم الغناء الذي طبع عدن الخمسينات وحتى الاستقلال في نهاية الستينات بوهجه الجميل حيث أطلق على ذلك الإبداع الشديد الخصوبة بعد ذلك رصاصة اللعنة ولا أقول الرحمة، كان لطفي هو الفرس المجلي لا ينافسه في المضمار سوى أستاذنا محمد سعيد جرادة والأستاذ محمد عبده غانم وبن سعد في نفثاته الشاعرية، وكان محمد مرشد ناجي وأحمد بن أحمد قاسم في بؤرة الضوء كنجمين ساطعين على المسرح، وكان لطفي يمد يداً هنا وأخرى هناك، وأغنية «مش مصدق» التي لحنها الاثنان وأبدعا فيها خير شاهد على روح لطفي المحبة للجميع .. رحم الله لطفي وغفر لنا كل تقصير في حقه، فقد مات في القاهرة غريباً تقلبه زوجته ذات اليمين وذات الشمال حتى لا يتهرأ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى