كفاية .. ولنعط فرصة للمرأة .. برافو معالي وزيرة حقوق الإنسان !

> د.محفوظ علي بابطاط

> لقد استوقفني حديث وزيرة حقوق الانسان في المؤتمر الصحفي (المنشور في صحيفة «الأيام» الغراء بتاريخ 1/4/2005م) واستفزني في البداية، ولكني قرأته عدة مرات وحينها عذرتها فيما قالت.

أولاً: أود أن أشيد بالجراءة والصراحة والوضوح في الطرح عن همها الشخصي في الوزارة، فكما هي العادة تنشأ وزارات ودوائر ومؤسسات وهيئات، دون أن يكون لها توصيف لمهامها وحقوقها وواجباتها والاعمال المنوطة بها وكذلك من يتحمل مسؤوليتها من وزير أو مدير أو مسؤول، دون توصيف وظيفي أو تحديد مهام ومسؤوليات واضحة ومحددة ووفق برامج محددة. حيث أشارت إلى (أن الصلاحية الوحيدة التي تملكها الوزارة هو قرار إنشائها فقط) وهذا الموقف وهذا الوضوح وهذه الصراحة في الطرح لا يسع القارئ أمامها إلا أن يرفع القبعة لك أيتها الوزيرة الشجاعة . فلم يسبقك إليها أحد (من الرجال!) ممن تولوا المسؤولية تلك في وطني، في وزارات بلا مهام، ودوائر لا تعرف ما هي حدود مسؤولياتها . فلك كل الشكر على هذه الجراءة في الطرح التي كم تمنيت أن تكون في رجال سبقوك في تحمل المسؤوليات ولم يجرؤوا على قول الحقيقة.

ثانياً: استفزني حديثها عندما قالت (أريد أن أقول وأعترف بأننا في اليمن إلى حد الآن لم نتربَّ على حقوق الانسان انطلاقاً من كونها أساس العمل في الدولة، وحقوق الانسان هذا وافد عليها)! ولكني عذرتها في ذالك لأنها بذلك تعبر عن تجربة شخصية مجتمعية وحكومية.. مجتمعية بحكم أنها امرأة ومحيطها المجتمعي الذي عاشت وترعرعت وعملت فيه، مجتمع يعتبر المرأة من سقط المتاع، ويناديها بـ «المكلف»، ويتحرج من الحديث عنها أو الإشار ة إليها في مجتمع الرجال، واذا حدث ذلك يقولون: «أعزك الله»!، مجتمع ليس فيه للمرأة حقوق بل حتى يصل إلى حقوق شرع الله كالإرث مثلاً، مجتمع يفرق بين القبيلي والمسؤول، ويحتقر أرباب المهن ويميز حسب لون البشرة مثل الأخدام والمولدين (أي مواليد افريقيا من اليمنيين) وأحياناً حتى من المولودين أباً عن جد في اليمن ولكن بشرتهم سوداء. أما إشارتها بالقول (لأننا في اليمن الذي نعرفه هو أن هناك مواطنا وحكومة)، فهي تعبير عما نعانيه نحن جميعاً من أن هناك من بيده السلطة والقوه يفعل ما يشاء، والمواطن أو الرعوي يجب أن يتحمل ما يحدث له ويصمت لأنه مواطن أو رعوي.

وتعبر معالي الوزيرة عن تجربة شخصية حكومية، حيث أن مكانها في وزارة حقوق الانسان، وفوق كل ذلك كمواطنة عادية ، لا بد أنها ترى أن حقوق الانسان تنتهك يومياً من قبل السلطة والمتنفذين والعسكر بالتعدي على حقوق الناس والحجز والتحقير والإهانة للمواطن العادي والصحفيين ورجال الفكر (مثل الواقعة التاريخية التي تعرض لها الدكتور أبوبكر السقاف) وحتى من يتمتعون بالحصانة البرلمانية ، وواقعة ما تعرض له عضو مجلس النواب في تعز قبل أسابيع أكبر مثال صارخ. وقبل ذلك ما حدث لدولة رئيس الوزراء الأستاذ عبدالقادر عبدالرحمن باجمال، وما تعرض له من إشهار السلاح في وجهه وتهديد حياته في حرم مجلس النواب، وما مثله ذلك الحدث من انتهاك صارخ للقوانين والحصانة وحقوق الإنسان والأخلاقيات والأعراف ولقانون حمل السلاح (الذي ينتهكه واضعوه قبل غيرهم)، وفي اعتقادي أنه لو أن ما حدث لباجمال قد حدث لقبيلي، من النوع السوبر، لحدثت حينها مجزرة في حرم مجلس النواب ولقامت حرب البسوس. إنه مثال آخر من الأمثلة الصارخة لانتهاك حقوق الانسان. ولنا أن نتخيل أنه اذا كان من يتمتع بالحصانة يتعرض إلى هكذا انتهاكات لحقوق الإنسان وبهذه الأساليب الفجة الفاضحة، فكيف بالمساكين أمثالنا ممن لا حول لهم ولا قوة.

وبما أن الوزيرة الموقرة قد أشارت في حديثها عن مراقبة ومتابعة قضايا حقوق الانسان بقولها (وكانت الصحافة هي مرآتنا لاستقراء ورصد شكاوى المجتمع بغض النظر عن مصداقية ما يكتب بكل الاحوال) فلا بد أنها تابعت وتتابع ما يكتب عن حقوق هؤلاء (خليك في البيت) الإنسانية وما يتعرضون له من انتهاك صارخ لحقوق الانسان.

كما أن إشارة معالي الوزيرة تلك تشجع أيضاً على الكتابة الصحفية في هذا الموضوع. كما أن إشارة معالي الوزيرة تعتبر رد اعتبار وشهادة لا بد أن تعتز بها صحافتنا المستقلة، ووسام شرف يحمل تلك الصحافة المستقلة المزيد من المسؤولية الوطنية والإنسانية.

أما إشارة معالي الوزيرة بقولها (آن الأوان بأن نتعاطى مع وسائل الإعلام برمتها بالحرية الانسانية التي منحت بموجب الدستور والقانون) فهو اعتراف ضمني من وزيرة في الدولة، بأنه وإلى تلك اللحظة كانت الدولة لا تتعاطى مع وسائل الإعلام (وبالذات الصحفيين ورجال الفكر والكتاب والمبدعين) بالحرية الإنسانية التي منحت بموجب الدستور والقانون، وهو اعتراف جريء وصادق ونابع عن إيمان عميق بما تقوله وتؤمن به الوزيرة الموقرة.

وهذا يجعلني أرفع القبعة لها مرة أخرى وأقول: برافو.. معالي الوزيرة !

أما قول معالي الوزيرة (من أراد أن يسأل فأبواب وزارتي مفتوحة للجميع).

فبقولها (وزارتي) هكذا، إنما تعبر عن ما هو في اللا وعي المتراكم من الموروث المجتمعي والممارسة الحكومية من حيث أن السلطة والوزارة والدائرة والمصلحة هي ملك من أملاك الشخص الذي يديره، يفعل بها وفيها ما يشاء، ويورثها لمن يشاء. وتحضرني هنا نكتة ظلت فترة متداولة بعد الوحدة مباشرة بأن أحد الاشخاص المسؤولين عن مصلحة معينة والذي يتعامل معها وكأنها مصلحته لدرجة أن ينوب عنه في إدارتها أبناؤه الذين ورثهم تلك المصلحة وهو على قيد الحياة، تقول النكتة إن ذلك الشخص قد عرض عليه أن يتولى وزارة معينة كوزير، فرد قائلاً: ورئيس المصلحة !، وعرض عليه أن يكون سفيراً خارج اليمن، فقال : ورئيس المصلحة! فابقي رئيساً للمصلحة مدى الحياة ، وربما مالكاً لها ولورثته بعد عمر طويل!!فلا ألومك ايتها الأخت الوزيرة( فهذه هي العقلية السائدة، وهذه هي البيئة وهذا هو المحيط) بل أعتبره اعترافاً جريئا بالواقع ، وهو بحق وبكل تأكيد خطوة في طريق الإصلاح.

ختاماً أجد نفسي أقول: كفاية..!! كفاية أيها السادة .. كفاية أيها المسؤولون الرجال، لقد جربناكم كثيراً، وكنا فئران تجاربكم في المختبر الكبير اليمن، ولم نلق الا الجرعات تتلوها الجرعات، وتخرّم جلدنا من تلك الجرعات، وأخاف أن يموت الشعب كله فجأة (بجرعة زائدة!).

كفاية..!! أيها الأخوة الرجال، ودعونا نجرب ولو لمرة واحدة أن نسلم الحكم والحكومة للنساء، فقد ينجحن فيما فشل فيه الرجال! وتاريخ اليمن فيه من النساء العظام من حكمن اليمن باقتدار، وبالتأكيد بيننا الآن العشرات، بل وربما المئات من أمثال بلقيس وأروى، متعلمات، جامعيات متسلحات بالعلم والتكنولوجيا قادرات على قيادة اليمن بكفاءة واقتدار.

جامعة الكويت

E.mail:babttat@yahoo .com

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى