وفي قلبي للمكلا ذكريات وشوق

> عمر محمد بن حليس :

> في أواخر سبعينات القرن الماضي كنت هناك في المكلا بمعية أخي وزميل الدراسة المهندس أحمد الوحيري، نلبي نداء الواجب الوطني النبيل لنسهم في القضاء على الأمية بين أفراد القوات المسلحة- المدفعية الساحلية للقوى البحرية- المرابطين حينها فوق سفح جبل صغير يطل علي ساحل (خلف) الجميل.

فمرت تلك الفترة، التي ما زلت أتذكرها بفخر واعتزاز مع أخي المهندس الوحيري كلما التقينا، مرت بسرعة وكم تمنينا أن لا تنطوي بتلك السرعة للأسباب التالية:

أولاً.. لشعورنا بأننا نؤدي المهمة المذكورة سلفاً، وواجبنا يحتم علينا أن تكون نتيجتها ترضي الضمائر من خلال تمكين أكبر عدد من الأفراد المرابطين هناك من التحرر من الأمية.

ثانياً.. أننا تعرفنا على أخوة أعزاء (برغم أنهم يكبروننا سنا) إلا أننا لم نشعر بذلك، لما قوبلنا به من حفاوة وحظينا به من حب واحترام.

أما ثالث الأسباب .. فهو للإعجاب الشديد بمدينة (المكلا) وبحرها الصافي الذي كنا نقضي على شاطئه أجمل الأوقات، نراقب أمواجه وهي تتكسر على جلاميد الصخور الراسيات ونستمع إلى هديرها وكأنه يعلن عن أشياء ما بداخل البحر، نراقب منظر الغروب على ساحل (خلف) الجميل .. يا لها من مناظر جميلة وخلابة لم تزل عالقة في الذهن لم تبرحه.. رغم الوضع الذي كانت عليه تلك المنطقة السياحية في تلك الفترة!

المكلا، الديس، الشرج وسوق السمك فيه، سوق الذهب، جامع عمر، جسر العيقة، وصور كثيرة تتمادى في داخلي ممتزجة ببساطة وتواضع الناس هناك، وحبهم لبعضهم البعض وروح التعاضد (المتأصلة) فيما بينهم، وهذا هو السائد حتى اليوم بين أبناء حضرموت (اللهم لا حسد).

وفي العام 87م، أي بعد عقد من الزمن كنت هناك للمرة الثانية برفقة لجنة من وزارة الداخلية بعدن (سابقا)، يرأسها الأخ الفاضل اللواء فضل حسين زين، فرأيت (المكلا) نفسها التي كنت فيها عام 77م، رأيتها وكأن عجلة التاريخ توقفت عند لحظة معينة!

عقد من الزمان مر، لكنني لم ألحظ أي فرق في أي شيء ، حتى أنني قلت للأخ اللواء فضل: «قبل عشر سنوات بالوفاء والتمام كنت هنا وكأنني لم أبرحها إلا عشية أوضحاها». فارتسمت علامات الاستغراب والدهشة في عيوني، وكان الألم يعتصر جوفي ويهز نياط قلبي، وأنا أقول كيف للسنوات أن تنقضي وهي من أعمارنا، ولم نترك فيها بصمات نتفاخر بها أمام الأجيال أو لعلها تبقى شاهدة علينا؟! نعم، فلم نترك فيها إلا جراحات وأحقادا وغبار السنين ، بل وإلى متى سنظل نترنح عند نقاط وخطوط لا تريد لنا أن نخطو الخطوات الصحيحة نحو غد نتوق إليه ونحلم به؟!

فظلت المكلا، عاصمة أكبر وأغنى محافظات الجمهورية، ظلت على حالتها التي أريد لها أن تكون عليها، كما هو حال سقطرى ، عدن، عتق، زنجبار، الحوطة والغيظة .. حالات من عدم الاتزان على مساحات صغيرة من الضيق، والرقص على إيقاعات الأممية البروليتارية والشعارات البراقة!

وبما أن التاريخ لا يكتب إلا بلغة المنطق والواقع، والأيام يداولها ربنا سبحانه وتعالى بين الناس، فها هو يوم 22 مايو90م الذي توحدت فيه اليمن، يفتح الآفاق الرحبة نحو الغد المشرق والأجمل من التغيير والبناء والتوسع والتواصل والنهوض برغم حجم العراقيل وظهور (بعض) العشوائيات في البسط والحجز، والتدخلات في الصلاحيات والغرابة من بعض السلوكيات والتصرفات.

ها هي «المكلا» بفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل توجهات وتوجيهات فخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، تحصل على نصيبها من النهوض والإصرار والتحدي والبناء والإعمار.. وها هم أبناؤها من رجالات المال والأعمال يرمون إليها بثقل مالي كبير بغية النهوض بالمحافظة، والعاصمة المكلا، ولتعويض ما فاتها وما حرمت منه خلال سنوات سابقة.

عموماً .. ازداد حنيني وكثر اشتياقي لرؤية (المكلا) بعد حديث أخي الأكبر (صالح حليس - أبو علي) مدير الإمداد والتموين بأمن المحافظة عما تشهده المكلا وضواحيها وهي تستعد لاحتضان الاحتفال الكبير بعيد الوحدة المباركة الخامس عشر.

كما كان لحديث الأخ المهندس الوحيري - الذي كان هناك قبل نحو أسبوعين خلت -وقع خاص في نفسي لأنه تذكر المكلا التي كنا فيها سويا، فكان معجباً أشد الإعجاب، منبهراً بما رآه من نهضة عمرانية غيرت ملامحها نحو الأجمل والأفضل.. شوارع توسعت.. وأخرى ظهرت بإضافات جمالية وفنية متناسقة.. عمارات متعددة الطوابق.. معامل .. ورش.. حياة وحركة لا تهدأ .. كورنيش (المحضار) الممتد بمحاذاة الأمواج النقية كنقاء قلوب أبناء المكلا، الدافئة كدفء أحضانهم فيما بينهم ولمن يزورهم، حتى أن أخي المهندس الوحيري قال: «المكلا .. عروس .. عروس .. هنيئاً لساكنيها».

فتمنيت أن أطير لرؤية عروس بحر العرب لأكحل عيوني بما لم تره أثناء زياراتي السابقة، ولأزيل ما علق بداخلي وما تشكل في نفسي من حسرات وألم..

وأخيراً أقول:

يا رايحين المكلا ردوا عليها سلام ×××××× ولمن سكن في رباها أهلي وصحبي الكرام

لي ذكريات مخلد من قبل عشرين عام×××× حيزٌا لها في كياني أيضاً لصدري وسام

عروس بحر العرب فيها الوفاء والوئام ××××××× شوقي إليها يزيد والبيت مسك الختام

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى