حضرموت والرئيس .. الربيع الدائم

> علي سالم اليزيدي :

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
حينما زار الرئيس علي عبدالله صالح سيئون سنة 1981، وقبل قيام دولة الوحدة المباركة بما يقرب من تسع سنوات، كان هذا الزعيم الوطني يفصح عن عمق اهتمامه بمكانة حضرموت قبل أن يشاهدها أو يزورها، ويوم كانت الحواجز السياسية قائمة والحلم لم يدخل قيد التنفيذ بعد، ولم يغادر الأقبية، مع هذا دخلت حضرموت قلب ووجدان هذا الرجل السياسي اليمني والعربي، واحتفظ بها بين الضلوع .. يوم زار سيئون كان يسافر مع الزمن ويواكب التوقعات، لحظات لم يفهمها كثيرون، وقرأها نفر قليل وهزوا رؤوسهم يومئذ لإبعادها من فكر هذا الرئيس وما ستفصح عنه بعدئذ. لقد خاض فكر الرئيس رؤى أراد منها استكشاف مكنونات الحضارم والاقتراب من أحاسيسهم وتطلعاتهم الساكتة حينذاك، أولاً لفطنته أن هذه الأرض هي مستقبل الوطن لاحقاً، وثانياً - وهذا لم يخف على شخص سياسي مثل الأخ علي عبدالله صالح - إن حضرموت ذات العلاقة القديمة والقادمة مع كل منطقة إقليمية وصناعة مكانة ممتدة ما بين شرق أفريقيا ووسطها إلى بحر الفلبين ثم الاهتمام الأوروبي منذ مطلع الأربعينيات وما قبله من معاهدات لسلاطين المنطقة في القرن التاسع عشر، وظهور مكونات مدنية تنقلها على مر التاريخ إلى منتصف القرن الماضي.. كل هذا في نظر فخامة الرئيس مركز أساسي للدولة الحديثة في المنطقة، وطالما أن التاريخ يطوي أوراق الوفاق الدولي ويضع أجندة التعايش السلمي في منتصف الثمانينات، فقد دخلت أحلام الوطنيين اليمنيين المواجهة الحقيقية مع الزمن، وأن أمة ستظهر هنا وعلى ورقة كبيرة وعتيقة وبتاريخ لا ينتهي وإنما يبدأ.

ويوم وصل فخامة الرئيس الى حضرموت بربيع مشهود، تريث في البوح بمشاعره، إلاّ أن الفؤاد كان يرقص ولسان حاله يقول: ها قد بدأت الخطوة الأولى، وإنها ولعلمي لخطوة مباركة في طريق حلمنا الوطني اليمني العظيم. قابل الناس الطيبين، شاهدهم عن قرب حيث تقبع حضرموت بواديها ومآذنها وتراثها وحضارتها وسحنة الوجوه الحضرمية المتدفقة والمتفائلة، قال لهم حين وطئت قدماه أرض سيئون، زهرة المدن الحضرمية، والبلاد ما زالت شظايا والناس تشقى وتتنازعها الأفكار المسمومة والانكسارات .. تحركت شفتاه ونطق اللسان: نحن على موعد، ولن يتركنا الزمن أو تخذلنا نوايانا الوطنية الصادقة، إنه امتحاننا مع الصبر والكفاح والأمل، وصدقت الكلمات وهي تعبر عما يقوله هذا الزعيم الوطني وصدق الوطن مع من صدق معه.

وجاء اللقاء الكبير، ولحظة أن دارت الأيام وأشرقت السماء صافية من دون أن تحجبها غيوم النفاق السياسي، وتحقق حلم الوطن وشهدائه ومناضليه وأدبائه ومفكريه، عندئذ أدرك هذا السياسي وزعيم الوطن علي عبدالله صالح أن أحاسيسه لم تخنه، وأن حدس السياسي لديه قد اتفق مع دورة الزمن وانعطافته، وجاءه بهدية هي هدية الرئيس الى الوطن، وصنع ما بينهما ربيعاً دائماً طلقاًَ، ضاحكا تحلق في سمائه طيور السلام .. إنها حضرموت. ثم جاء لقاء أكثر مهابة في المكلا وقال يومها وذلك في منتصف عام 1990م، وفي مقابلة مسائية أجريتها معه على سطح دار الضيافة وهو يشاهد المكلا الممتدة على بحر العرب: لقد تجولت اليوم في المكلا، ووجدتها مدينة رائعة تسحر الزائر، لكن هناك ما يثير قلقي بشأنها إذ تحتاج هذه المدينة لمعظم الخدمات وهو ما يعيب مواكبتها حالياً (ويقصد آنذاك).. وهذا سيؤخرها عن السباق مع العصر بقدر المطلوب، نحن نريد للمكلا أن تكون مدينة البحر العربي الساحرة حقاً، ذات البريق، مقارنة مع المدن المجاورة لها على هذا البحر.. وأشار بيده إلى المدى البعيد وقال مرة أخرى: نريد المكلا أن تحيط بنا من كل جانب وتخرج من تحت الجبل وتتسع، إن شاء الله سنجتهد في تحقيق هذه الأفكار والنوايا.. ولحظتها أيقنت أن هذا الرجل الواقف أمامي الذي يحدثني ببساطة ولطف وفكر، يقرأ ما تقوله عجلة الزمن من أصوات، ويخترق الأفكار بخبرة السياسي وهدوئه وأبعاد تحفظها سريرته النقية.

وصدق فخامة الرئيس وعده، وخرجت المكلا من حالة الثبات لتدخل عالما متغيرا، مرت سنوات وارتبطت المكلا بنهضة العصر الذي يحاكي كل الانتعاش ليعيدها إلى المنافسة منذ تجارة سفن الموانئ إلى التحولات الكبيرة التي تتم وتتسارع، ليجعلها كمدينة تنهض وتحلق فوق السحاب، كسفيرة لنجاح الحوار الاستثماري والفكر التنموي والجذب لرؤوس الأموال والأعمال، ومركز يقف على شاطئ بحر العرب يعيد توقعات الأربعينيات والستينيات بأن المكلا مفتاح للجزيرة العربية إلى تخوم الشام، وهو ما قاله كل من عرفها مثلما فطن إليه رئيسنا علي عبدالله صالح من أول زيارة إلى كل زياراته الطيبة وسعيه إلى أن تكون هذه المدينة الحضرمية مدينة السلام فقط.

وينظر الرئيس علي عبدالله صالح من نافذة مكتب الرئاسة بالمكلا في زيارته الأخيرة لها، وهو نفس المكان الذي نظر منه إليها وإلى البحر العربي قبل سنوات سابقة، وها هي المكلا قد تغيرت وتطورت وواكبت العصر وصارت مركزا ماليا واستثماريا ومدينة لا تتجاوزها أعين الآخرين في الجوار والعالم .. وفي هذا اليوم لم أتحدث معه، واكتفيت بالمصافحة وبجانبه المحافظ عبدالقادر علي هلال .. ودار بينهما حديث كبير وكل المكلا تدخل التحدي للاحتفال بالعيد الخامس عشر للوحدة المباركة تكريماً لها، وقال لسان الحال في تلك اللحظة: لكم أحب هذا الرئيس كل الوطن في مدينة .. وهي هديته للوطن أيضاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى