يوم من الأيام...الشيطان صار تلميذًا

> محمد سالم القطن :

> منذ عهود بعيدة، موغلة في القدم، اكتسبت شخصية إبليس الهالة السوداء كرمز أزلي لفنون الغواية وأساليب الإفساد، فهو في كل الأدبيات مايزال الرمز الخالد للمعلم العتيد والأستاذ الرئيس لمدرسة الفساد وأكاديمية الإضلال والتضليل. نسبوا إليه كل الشرور، واتهموه بأنه وراء كل الجرائم التي ارتكبها الإنسان ولازال يرتكبها. بمعنى آخر، وجد الفاسدون والمجرمون، في كل العصور والأزمان، في هذه الشخصية الفذة كبش الفداء وشماعة نشر الغسيل.

لست بهذه الأسطر في معرض الدفاع عن إبليس، فهو قد دافع عن نفسه قديماً أمام رب العباد. يكفيني فقط، الإشارة إلى المبالغة الحاصلة في تعظيم دوره الإفسادي على حياتنا أفراداً ومجتمعات، الأمر الذي أوصلنا إلى هذا المستوى من اللامبالاة بأمورنا العامة، وتركنا الحبل على الجرار.

قديماً، تداعي أسلافنا على أنفسهم، فظلم بعضهم بعضاً، وانتفش لديهم النصابون والسماسرة، وعُطّل مبدأ الثواب والعقاب إلا على من لا حول له ولا قوة، فجرى تدمير السد العظيم وتفرقت أيدي سبأ. إلا أن العقلية ذاتها، لم تشر بإصبع الاتهام إلى الفاعل الحقيقي وراء تلك الكارثة وذلك الخراب، حيث جرى توجيه أصابع الاتهام، كما تقول المرويات، إلى حيوان صغير ضعيف، هو الفأر، أعزكم الله.

ولأن هذا الحيوان الضعيف ينتمي إلى فئة القوارض، فقد قرضوا في هجائه عشرات القصائد من بنات القريض. وجلية الأمر قديماً وحديثاً أنه لا الفأر القارض ولا الشيطان الرابض يتحملان المسئولية عما حدث. ومنذ ألف عام تقريباً تراءى للإمام الشهير (أبي الحسن البصري) أنه قابل إبليس (أبا الشياطين) وجهاً لوجه، سأله الإمام: كيف حالك مع العباد أيها الرجيم؟ أما زالت على حالك القديم تدبر لهم المكائد وتغويهم في أساليب الضلال؟ لكن إبليس رد عليه في خبث شديد: هذا كان قديماً أيها الشيخ الجليل! ألا تعرف أنني أتعجب اليوم من أساليب الغواية الجديدة التي ابتدعها الناس، إنني أصبحت الآن أتعلم منكم أيها البشر فنون المكائد وطرق التضليل. باختصار أيها الإمام الطيب: فقد صرت اليوم تلميذاً لبني البشر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى