التأمين بين الوعي وإلزامية القانون

> علي ناصر محمد فضل :

> عرفت اليمن التأمين منذ سنين طويلة، ولا نغالي في القول أنها تعتبر من أوائل الدول العربية التي مارست التأمين وأفرزت كوادر مؤهلة في هذا المجال، إلا أن التطوير بدلاً من أن يأخذ منحاً تصاعدياً نحو الازدهار، اتجه عكسياً نحو الانحدار البياني، وهي الحالة التي ترافق هذا القطاع حتى اليوم. يعود السبب في ذلك في نظر البعض إلى عدم اهتمام الدولة في إصدار القوانين الإلزامية المناسبة لحماية اقتصادنا القومي، ويرى البعض الآخر أن هذا الجانب هو أحد الأسباب وليس كلها، فالأسباب مجتمعة هي الدولة وشركات التأمين والمواطن والموظف المسؤول عن التأمين سواءً في القطاع الخاص أو قطاع الدولة.

فالمشكلة لا تكمن في المواطن بسبب عدم اكتراثه بأهمية التأمين ولا يعاب عليه في ذلك، لأن التقصير في تنمية وعيه تأمينياً يقع في الأساس على شركات التأمين منفردة أو مجتمعه ضمن إطار اتحاد التأمين، وكذلك الدولة من جانب آخر، فالتجربة الإلزامية للتأمين ولدت لدى المواطن الفكرة بأن التأمين مجرد ضريبة يدفعها المواطن لأنه لم يجد من يحرره من هذا الفهم، فالإلزامية للأسف الشديد إن لم يتم توضيحها تصبح معاناة تلازم المواطن طالما أن شركات التأمين لم تقم بالدور المطلوب منها بالرغم أنها تبحث عن إيرادات (أقساط التأمين)، وما إحصائيات النشاط التأميني المتواضع لعموم شركات التأمين اليمنيةإلا تأكيداً على ذلك .

إن الجهات المستفيده من إلزامية التأمين هي الدولة والمواطن وشركات التأمين، وبمقدار استفادة كل طرف من هذه الأطراف يتحدد حجم المسؤولية، وفي تقديري أن النسبة المئوية للاستفادة تؤكد أن المستفيد الأكبر من إلزامية التأمين هي شركات التأمين لأن طبيعة العمل تفرض ذلك وأن مسؤولياتها في مجال توعية المواطن تحتل الصداره بين كافة الأطراف.

طالما أن المسؤولية محصورة بين الأطراف المشار إليها، فإذاً ما هو دور كل طرف في هذه المسؤولية؟ للإجابة على ذلك وبصورة مختصرة نرتب تلك المسؤوليات كالتالي:

أولاً : الدولة تقوم بإصدار القوانين الملزمة لحماية الاقتصاد والمواطن الذي يتعرض للأضرار المادية والجسمانية من جراء حوادث السير وممارسة المقاولين لأعمال البناء والتشييد، والأعمال الأخرى التي تترتب على ممارستها مسؤوليات قانونية.

ثانياً: شركات التأمين ويكون دورها الأول توعية المواطن حتى تستطيع مباشرة عملها بشكل أفضل يعود بالنفع عليها.

ثالثاً: المواطن تقع عليه مسؤولية الالتزام بالقانون، وأن يبذل جهداً في معرفة أهميتها بالتعاون مع شركات التأمين، حتى يتحرر من مفهوم أن الزامية التأمين مجرد جباية.

إن الوعي التأميني يعتبر حجر الزاوية وبدونه لا تستطيع شركات التأمين الحصول على إيرادات، وأيضاً لن يكتب للقوانين التنفيذ المناسب.

عندما يدرك المواطن أن القانون (التأمين) هو حماية وليس جباية، فإن دوره سيكون إيجابياً لانه سيدرك حرص الدولة على حمايته من أخطار ومسؤوليات ربما يتعرض لها (لا سمح الله) في حياته ستكلفه مبالغ كبيرة لا يستطيع تحملها.

لو افترضنا أن الدولة قامت بدورها في إصدار القوانين اللازمة المتعلقة بالتأمين، فمن هو المستفيد من ذلك، القطاع العام المنهك أم القطاع الخاص المتحفز؟

إن الحديث في هذا الموضوع يمتاز بخصوبته ويستحق الاهتمام والخوض فيه من قبل المهتمين، ونأمل أن يتم ذلك بصورة هادئة ومصداقية.

إننا ننوي الكتابة في هذا الموضوع في ظل تصور بعدم وجود القطاع العام في المرحلة القادمة طالما أنه منهك حالياً، ولن تفيد معه إعادة الهيكلة في ظل وضعه الحالي، وإنما لا بد وأن يخضع لعملية قيصرية تجنبه عذاب الموت البطيء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى