كونداليزا في الحافة

> محمد سالم قطن :

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
قبل أيام، كان الجمع ممن ضم مجلسنا، مستغرقاً بأكمله في متابعة خطاب كانت تلقيه وزيرة الخارجية الأمريكية ومستشارة الأمن القومي السابقة كواندالزا رايس، كانت محطة الجزيرة تبثه، كعادتها، حياً بالصوت والصورة ومن مؤتمر دولي على الجانب الآخر من كرتنا الارضية.

كان الجميع منبهرين مما يحدث في هذه الدنيا، على آخر الزمان، امرأة نحيفة سمراء اللون تتحدث في طلاقة وثقة عن سياسات العالم ومصير الشعوب وخرائط الدول، كانت لهجتها عالية الكثافة وفي نبرة صوتها تتجسد كل مظاهر العظمة ودلالات الاستعلاء.

لم نكن نحن الحفنة الصغيرة من المشاهدين ننصت وحدنا، بل كان في القاعة التي تحدثت فيها عشرات الشخصيات الدولية من وزراء الخارجيات والرؤساء والملوك. أغلبهم يومها، كانوا قد حلقوا شواربهم واستكانوا على مقاعدهم كتلاميذ الصفوف الاولية بالابتدائية. شرحت كونداليزا (لتلاميذها) مبادئ الديمقراطية وأساليب الحكم الرشيد، ماذا يجب عليكم عمله و ماذا لا تعملون. حاضرت فيهم عن حقوق الإنسان وفق المفهوم الأمريكي الذي ينبغي أن يسود. عاتبت بعضهم تلميحاً على تقصيرهم في الحملة الدولية ضد ما يسمى بالارهاب.

وعلى الرغم من تلك اللغة الإنجليزية الصارخة التي كانت تتحدث بها، فقد خلناها- أي كونداليزا - تتماهى مع الحجاج بن يوسف الثقفي في خطبته الشهيرة يوم دخل الكوفة. ياللهول! حتى الملكة فيكتوريا وقد حكمت امبراطورية لم تكن الشمس تغرب عنها، ولا كيلوباترا وهي تعبر بأسطولها البحر المتوسط، قد تجرأتا على الحديث بهذه الطبقة الصوتية التي عجز عن امتلاكها عتاة الأباطرة وأبناء الملوك!

لم يخرجنا من دوامة الانبهار، حتى بعد أن انقطع البث الحي من ذلك المؤتمر، إلا ملاحظة بسيطة أبداها في معرض التعليق أحد الزملاء وقد عبر عن اعجابه بما شاهد أو سمع، فقد أخذ يثني على كونداليزا ثناء عاطرا، لا لشيء مما قالته أو أمرت به، فهو لا يعرف من الإنجليزية سوى لفظتي (ييس) و(نوه)، كما أنه لا يفقه شيئاً في نظم الحكم ولا مبادئ حقوق الإنسان، فهو، باختصار شديد، أحد أفراد القطيع الذين يعيشون وفق نظرية (كل قرصك ودخل خرصك). الشيء الوحيد الذي استهواه فيها هو قربها الشديد في ملامحها وسحنتها ومظهرها الشخصي من فتيات ونساء الحافة (الحي). إنني أكن لها كل الإعجاب، كما قال لنا، إنها تشبه في سحنتها وتقاطيع جسمها نساء حافتنا، إنها بالضبط تشبه قريبته فلانة الفلانية، إن مظهرها مألوف لي، ولا يسعني إلا أن أستمع إليها منصتاً ولو تحدثت بالإنجليزية، وأكبر فيها صراحتها و(رجولتها) أمام ذلك الحشد من قادة الدول وزعمائها. ومنذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة صار اسم كونداليزا لا يغادر شفتيه، وصارت أخبارها وأسفارها تستأثر بمعظم ما يحكيه من أخبار الأيام وحكايات الدول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى