مراجعة لمشروع قانون الصحافة...الوقوف كطواحين الهواء بانتظار هبات الرياح

> د. هشام محسن السقاف :

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
تستطيع وزارة الإعلام أن تقدم فكرة منتقاة بتحرير وسائط الكلمة المسموعة والمقروءة والمرئية من كوابح وموانع تضعها في النقيض مع الزمن وحركته، وكأن التشبث بها مدعاة لخدمة أحد، وفي حالتها (الأحد) هو النظام السياسي في بلادنا.

بينما من الممكن جداً استقراء متطلبات العصر، الذي ندور مع دورانه ونسير بسيرورته، ونسدي بالقراءة الواعية المتبصرة صنيعا لأنفسنا -نظاماً سياسياً ومواطنين - بالمواكبة المتزنة لحركة التاريخ، لنجد أنفسنا فاعلين، مؤثرين فيه بدلاً من الوقوف كطواحين الهواء بانتظار هبات الرياح القادمة.

لعل الوزارة تجد ذاتها ليست حجر العثرة الوحيدة في ظل استيطان فكرة الوظيفة الجامدة وقد حاقت بالكثيرين، لتتوقف المقدرة على الاستنباط والابتكار والتطلع إلى مخارج حسنة ذات فائدة من داخل شرانق العمل التقليدي بعقلية (ليس بالإمكان أحسن مما كان). فالتشريع بحاجة إلى انطلاقة تضع الإنسان في المكانة الأسمى التي تحميه من ارتدادات المنتمين إلى اللحظة الجامدة المتكلسة، ومن ثم تطلق مدركات الوعي الإبداعي فيه بجرأة وحكمة، لتساهم في صنع لحظاتنا المنتظرة القادمة، من دون خوف من المجهول أو المعلوم.

فليس من الحكمة، بل ومجاف للمنطق أن ينصرف مشروع قانون الصحافة بعد خمسة عشر عاماً من الوحدة المباركة ومن ثم الديمقراطية عن استحداث نمط من التغيير القانوني لصالح حرية الكلمة، يضع الوطن اليمني الموحد في خط سيره الحداثي باتجاه الديمقراطية الحقيقية، خاصة والجميع يدرك لهاث العالم الثالث وتسارعه على طريق التحولات العصرية، وقد خطت دول صغيرة في الحجم على طريق الديمقراطية وتحرير الإعلام بل وإلغاء وزارة الإعلام، لتصبح ذات وزن ثقيل في الخارطة السياسية للعالم، بينما تحف بمشروع قانون الصحافة اليمني المحذورات من كل جانب، ليغدو القانون صالحاً لليمن قبل الوحدة المباركة.

لماذا لا نساعد أنفسنا بوضع التصورات البديلة، لا بالشكل الارتدادي الذي نلحظه للأسف في مشروع القانون، وإنما بالطرائق المثلى التي تتقدم بنا خطوات على سلم الصعود إلى الديمقرطية الحقيقية التي تكفل حلولاً سلمية مجربة في كثير من الدول لإشكالات وعوائق لا يمكن تجاوزها في ظل التستر والتعمية واتخاذ سياسات إعلامية عفى عليها الزمن، بل وتضع أربابها في بؤرة الاشتباه والريبة داخلياً وخارجياً. إنني على يقين أن بلادنا بعد مسافة من الزمن ليست بالقصيرة قطعها شعبنا على طريق التجريب الديمقراطي، بحاجة ماسة لتأصيل مساعيها في هذا الاتجاه -الاتجاه الديمقراطي- وأن صانع القرار السياسي يدرك ذلك، ويأخذ به كنهج ثابت في الخطاب السياسي والحركة السياسية على السواء، ويبقى أن الوظيفة البيروقراطية التي تؤديها بعض الأجهزة بالعقلية السابقة نفسها، لا تخدم النظام السياسي ولا الوطن ولا حتى أصحابها.

إن مشروع قانون الصحافة بحالته الرثة يخرج بنا من طموح التأسيس لخمسة عشر عاماً- أخرى- قادمة من عمر تجربتنا الديمقراطية، إلى حالة غريبة أخرى تضاف إلى حالات قادت الوطن العربي- أو بعضاً من أقطاره- إلى كوارث ومآس، نتمنى من كل قلوبنا أن لا نضاف إلى ركامها الهش المتعفن في مجال الإعلام وحرية الكلمة، وأن نتأهب من الآن لصنع لحظاتنا القدرية المتحولة لصالح الوطن والإنسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى