عن العربة عن الحصان شاهد على العصر والإنسان

> «الأيام» منصور نور :

> ثمة علاقة وطيدة بين الفنان التشكيلي والقاص، فكلاهما يصوران حدثاً معيناً أو مشهداً ما، فالأول يقدم لوحة يعتمد فيها على الذاكرة اللونية إلى جانب التكوين البصري للأشياء والإحساس والإدراك لماهية العمل الذي يقوم به، والقاص يسجل الحدث ويرسمه بالكلمات وأشكال السردية المعتمدة على التمييز والتحليل وعمليات الاتصال والتخاطب، والنتاجات الإبداعية تمكن الفنان والقاص من إبراز أعماله وتكون لها فائدتها في فهم وتطوير السلوك الإنساني.

والمصور المبدع كما يقول المفكر الأسباني أورتيجا جاست «يحاول أن يبحث عما يوجد خلف السطح الظاهري للأشياء، وذلك من أجل تكوين أشكال جديدة، فالفن ليس نسخاً للأشياء، ولكنه إبداع لها». ومن خلال قراءة المجموعة القصصية للأديب المعروف علي صالح عبدالله «عن العربة عن الحصان» نجد أن هناك روح فنان تشكيلي تسكن داخل مشاعر وخلجات القاص علي صالح، ففي قصة «أصوات» مارس 1986م يقدم لنا علي صالح عبدالله لوحات تفصيلية لمشاهد مؤلمة وصورا واقعية جسدت حالات الذهول والخوف في شخوص القصة، (ووجد الرجال والنساء أنفسهم في عجينة واحدة مكومة فوق بعضها كأنما هي جسم واحد بعشرات الأيدي والأرجل) وترسم لنا كلمات القاص علي صالح لوحة أخرى (الموكب ازدحم بالمئات من البشر من الرجال والنساء والأطفال وبالصرخات والأصوات الباكية.. إلى أين؟! الطريق طويلة).. (التقت الأجسام والأكتاف مراراًَ في حركات متصادمة وفي مشية تشبه «مشية الماراثون الشهيرة» و(نسي البعض أنه ينتعل الأرض تاركاً حذاءه أو حاملاً له بيده)، (وعدد من النسوة تجمعن تحت ملاءة بيضاء واسعة تظلل رؤوسهن ويحاولن أن يتوسطن الموكب).

كل هذه الصور التي رسمها القاص في قصة (أصوات) تبرز لنا أجزاء ومشاهد للوحة متكاملة من ملاحم (الموكب وحلم الوصول) وأدخنة البارود والحرائق تمزق السماء بأعمدة الدخان الأسود على خلفية اللوحة المأساوية للاثنين الدامي، وفي قصة (عناوين من مفكرة «ع») وفي أماكن متفرقة، بهذا العنوان تأتي لوحات علي صالح التي تدعونا لتأملها وهي بدون تاريخ، إلى واقع وحالات تستمر معاناتها اليومية، حتى صارت هذه المآسي كابوساً يلعنه الطفل الرضيع (التسرب الذي صار يلتهم نسب القبول حتى النخاع) (الخريجون الذين يتدفقون على مقاعد الانتظار وأرصفة الأمنيات) لوحات فنية في قوالب شعرية متداخلة مع قضايا وهموم الناس، وكانت فرشاة علي صالح عبدالله أكثر ملامسة لجماليات لوحة أو قصة (هل كان حلماً) من خلال مفردات وجمل صعّدت الحدث (الدامي)، (دبت أصوات وحركات في المكاتب المجاورة) و(الصمت يأكل حيرته) وفي مكان آخر من المواجهة (اضطرب قلبه من الحزن وهو يستمع إلى دوي مدافع وقذائف ثقيلة تصم أذنيه)، وفي مشهد ولوحة أخرى يصور القاص تلك المأساة.. الكارثة وكأنها (وحش بمئات الرؤوس والأيدي والأرجل.. ينتقل من بيت لآخر ومن موقع لآخر تاركاً خلفه سيولاً من الدماء والجثث).

وتلك الكلمات كانت بمثابة ضربات قوية للوحة (الجوقة الحزينة) في قصة (هل كان حلماً) وقد توافقت قوتها مع اندفاع العمل الإبداعي واندماج الحدث مع الشعور الإنساني للقاص وشخوص قصصه (كان يحلم ويحلم. وأن يجد الحب طريقه إلى القلوب رغم العاصفة).

لقد كشفت لنا المجموعة القصصية للقاص علي صالح عبدالله عن روح التشكيل والفن في أعمال (عن العربة عن الحصان) والفارس الذي أنقذ الوطن من دورات العنف.. والضجيج والموكب الأبيض في النهار الدامي!

كانت هذه مداخلتي القصيرة في الأمسية الثقافية التي نظمها منتدى(الباهيصمي) الثقافي بالمنصورة،، والتي شارك فيها الأدباء عبدالرحمن إبراهيم ومبارك سالمين ومحمد حمود وعبدالإله سلام وم. محمد مبارك حيدرة، وحضرها جمع من الأدباء والفنانين وذلك عصر الخميس الماضي، وتناولت معظم المداخلات إشكاليات الاشتغال في عالم القصة واعتبار القاص علي صالح عبدالله امتداداً جميلاً لرواد القصة اليمنية وأبرز كتاب الحداثة فيها، ودار جدل نافع حول شاعرية عنوان المجموعة والبعد البنيوي لـ (عن العربة.. عن الحصان) وبين المألوف وغير المألوف والتجديد في فنون السرد والرسم بالكلمات، وأدار الفعالية الباحث أحمد السعيد الذي بذل جهداً مشكوراً في إنجاح الفعالية التي تخللتها كلمة الأخ محمد طه، نجل الفنان القدير طه فارع بمناسبة سفر والده إلى الأردن الشقيق للعلاج على نفقة وتوجيهات أ. د. يحيى الشعيبي، محافظ عدن، الذي أوصى بأن تتحمل قيادة محافظة عدن تكاليف علاج طه فارع، وكلمة أدباء لحج عنهم القاص محمود المداوي التي حيت إقامة مثل هذه الأمسيات القصصية.وقد عبرت كلمة الأديب والقاص المحتفى به علي صالح عبدالله عن سروره الكبير، وارتياحه العميق للمداخلات التي استمع إليها والأوصاف والتحليلات التي تفوق إمكاناته وقدراته. وأضاف «أعتز بكل ما قيل عني من آراء وانتقادات وكلمات تفوق ما أنا فيه.. وأشكر منتدى الشاعر محمد سالم باهيصمي، وكل المشاركين والحاضرين على حسن إنصاتهم وتفاعلهم الإيجابي، وحقيقة في هذه العجالة أعجز عن وصف مشاعري لأني لم أكن أتوقع هذا النجاح والتفاعل والتناول الحقيقي لمجموعتي القصصية الثانية (عن العربة عن الحصان) .. وعن مداخله محمد حمود أحمد التي أعادتني إلى الوراء وذكرتني بمواقف كدت أنساها رغم طرافتها وعذوبتها النقية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى