حلال للحكومات وحرام على المعارضة

> محمد علي محسن :

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
أكثر ما يدهشني ويحيرني هو مطالبة بعض رموز من نصفها بأحزاب المعارضة بالإصلاح النابع من الداخل دون أية تدخلات خارجية أمريكية أو أوروبية أو دولية، بل وذهب العديد من هؤلاء لتأييد وجهة نظر الأنظمة السياسية الاستبدادية المأزومة، القائلة بحتمية الإصلاحات السياسية الديمقراطية في البلدان العربية من داخلها وليس من خارجها، زد على ذلك أن هذه القيادات المعارضة أكان في خطابها السياسي أو الصحفي، لا تختلف كثيراً عن السلطة السياسية من حيث إطلاق التهم الجاهزة تجاه الآخر المؤيد للإصلاحات المفروضة والآتية من الخارج، والذي له أطروحاته ومبرراته التي يصعب اليوم إغفالها أو تجاوزها، طالما وسلمنا بحقيقة العالم المتعدد والمختلف والمفتوح على بعضه، وبزوال تلك الحدود الجغرافية أو السياسية، وأن شرعية النظم السياسية لا تكتسب فحسب من الشأن الوطني المختل وغير المؤهل بل أيضاً من الشرعية الإقليمية والدولية.

الحقيقة أن إمكانية إحداث الإصلاحات السياسية في دول غارقة حتى الأذنين بشتى صنوف الاستبداد والقمع والتخوين، هي مهمة مستحيلة الإنجاز في ظل واقع داخلي متخلف معيشياً ومعرفياً وفكرياً وسياسياً وأكثر ما يحتاج للعامل الخارجي المهم جداً في عملية الإصلاحات المنشودة للنظم السياسية المتخلفة أيضاً، فمن دون الدعم والمساعدة الخارجية تبقى مسألة التغيير نحو الأفضل لهذه المجتمعات الفقيرة خاضعة لرغبة النظم السياسية المتحكمة في مفاصل الحياة كافة، ولا نقول فقط القوة والمال والإعلام ، ولنا في التاريخ عبر ودروس، فحتى الثورتان 26 سبتمبر و14 أكتوبر كان للدعم والتأييد الخارجي دوره الفاعل والمؤثر فيهما، وكذلك إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، فمثلما تجزأت اليمن جغرافياً وفقاً ورغبة هذا المسمى بـ (الخارج) كانت الظروف والعوامل الخارجية قد هيأت العامل الداخلي لإنجاز مشروع دولة الوحدة يوم 22 مايو 1990م .

سبق الكتابة حول استحالة الفصل ما بين الشأن الوطني ومحيطه الخارجي في مقال نشرته «الأيام» حمل العنوان (كذبة الانفصال عن الخارج) أوردت من خلاله جملة من الوقائع التاريخية المؤكدة لمدى التفاعل والعلاقة ما بين الفرد أو المجتمعات أو الثقافات مع خارجها الإقليمي والدولي والحضاري، واستدللنا بكثير من الشواهد والأحداث التاريخية المبينة لحجم التأثير الخارجي في الدول والثقافات والحضارات القديمة والحديثة، وحتى الرسل والأنبياء والأديان التي رُفضت وصُدت من المجتمعات والأقوام المنزلة فيهم وجدت في الخارج النصرة والملاذ والدعم والتمكين لإصلاح الداخل. وها نحن نجد أنفسنا نعيد الكرة مرة بل ومرات إزاء استحالة الإصلاحات المأمولة من دون مساعدة ودعم الخارج، لإجبار النظم السياسية المهيمنة على كل شيء : المال العام والإعلام والجيوش والوظائف وحتى الأحزاب والجمعيات الأهلية والمهنية والنسوية والإنسانية، إذا لم نقل الانتخابات والسلطات الأخرى التشريعية والقضائية والرقابية.. فلماذا الآخر يوصم بالخيانة والعمالة للخارج لمجرد رأيه المخالف القائل باستحالة الإصلاحات النابعة من الداخل، طالما والهبات والمساعدات والقروض مفتوحة على الداخل ووصلت لحد إصلاح المال والإدارة والديمقراطية والانتخابات، إن لم نقل تدريب وإعداد الجيوش والحراسات الخاصة؟ وهل استقواء النظم السياسية لعقود طويلة كان بغير هذا الخارج أم بدعمه ومساندته؟

في الختام.. لا بد من القول إنه من الغباء الاستمرار في الاستخفاف بعقول المجتمعات إلى ما لا نهاية، فإذا كانت هكذا لغة ممارسة ذات نفع للنظم السياسية خلال حقبة تاريخية تعين فيها إطلاق مثل تهم الخيانة والارتزاق نحو كل ذي رأي، فإن الواقع الجديد والمفتوح فضاء وحدوداً وسوقاً ومعلومة لا تنفع معه مثل هكذا مفاهيم وتهم جاهزة عفى عليها الزمن، بذات القدر الذي يتطلب خطاباً ومفاهيم جديدة تتساوق مع إطارها وسياقها التاريخي، ويكفي القول إن ميشيل عون عاد مؤخراً من منفاه القسري، وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق لم يعد انفصالياً، والثوراث المخملية والبرتقالية والزنبقية حدثت رغم أنف الكرملين، وانسحاب سوريا وتعديلات المادة 76 في مصر ومظاهرات القاهرة والاسكندرية..إلخ وفقا ومشيئة الخارج لا الداخل فقط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى