(ديوان الطرب) ومخدرة بحافة القاضي بكريتر

> «الأيام» مختار مقطري :

>
مختار مقطري
مختار مقطري
شاهدت إعادة الحلقة الأخيرة من برنامج (ديوان الطرب) في الفضائية اليمنية ليلة الجمعة الماضية 20/5، وكان ضيفها المغني المعروف فضل مسعود، الذي لم يكن موفقاً على الإطلاق صوتا وأداً وحديثاً.

والفشل الذي حققه فضل مسعود في (ديوان الطرب) قد يبدو للوهلة الأولى بسبب سوء اختياره للأغاني مثل (يعاتبني)،(يكفي بس وامبتلي)،(مسكنه بقلبي)،(ليه يا هذا الجميل) وتحفة القمندان (حالي واعنب رازقي)، وكلها أغان رائعة، باستثناء أغنية جديدة من المبكر الحكم عليها، فمن أين أتى سوء الاختيار؟ هل لأن أغاني محمد صالح حمدون تفقد بريقها لو غناها صوت آخر؟ وهل لأن أغنية القمندان (حالي واعنب رازقي)، صارت وكأنها كتبت ولحنت ليتألق مهدي درويش دون سواه في غنائها، فنسبت إليه على كثرة من غنوها؟ فليس إذن ثمة سوء اختيار للأغاني، لكن فضل مسعود غناها وكأنه كان مرغماً على غنائها، أو كأنه كان في خصومة مع ميكرفون الفضائية اليمنية بل ومع مشاهديها بوجهه العابس وأدائه الكسول وصوته المخنوق ذي اللون الواحد في كل كوبليه وفي كل أغنية ومخارج ألفاظه المغلقة ونطقه غير الواضح للكلمات رغم تمسكه بنصيحة الفنان أحمد تكرير التي وجهها إليه - كما ذكر هو في حديثه - بأن يحرص على النطق السليم والواضح كي يطرب الذين ينصتون جيداً إلى غنائه وليس الذين يصفقون له وهم لا يفهمون ما يقول.

ومنذ ربع قرن تقريباً برز اسم فضل مسعود في الغناء الشعبي بمحافظة لحج وامتدت شهرته إلى عدن وأبين، ولو بالغناء لأضفنا شبوة، وله في الأسواق ثلاثة أشرطة تم تسجيل معظم أغانيها دون شك من مخادر أحياها، وهي دون شك ايضاً ألحان تراثية او شعبية معروفة، كما شارك في الكثير من الحفلات العامة في المناسبات الوطنية وفي سهرات تلفزيون عدن، وكغيره من أبناء جيله أو ممن ظهروا بعده وفي محافظة لحج تحديداً ظل فناناً شعبياً دون أن يضيف شيئاً جديداً فيه خلق وابداع خاص للأغنية الشعبية، ولم يفكر بالتجديد والابتكار في الكلمات والالحان في الاغاني الخاصة به، وهو بهذه المقاييس (فنان مخادر) أضاع كما فعل مجايلوه ومن تلاهم حضوره الفني في الغناء في التلفزيون والاذاعة والحفلات العامة.

والأغاني التي فشل في غنائها في (ديوان الطرب) لن يفشل لو غناها في مخدرة لجمهور يختلف عن جمهور التلفزيون والإذاعة والحفلات العامة الأهلية.

وأنا لست ضد الغناء في ا لمخادر، ولكني أسيف على الدور الذي فقدته في إثراء الغناء اليمني بالتجديد و الابتكار في الكلمات والالحان وتحديداً في عدن ولحج وأبين، وحين اختفت وقلت في عدن وأبين خلال عقدي السبعينات والثمانينات، استمرت في لحج وانتشرت، وفي العقد الأول كان للفنان فيصل علوي دور كبير في توثيق الكثير والكثير من أغاني التراث والاغاني الشعبية من خلال المخادر. بصوته القوي وأدائه المتميز ومهارته الفائقة بالعزف على العود، وكان من الغريب أن يقول فضل مسعود في البرنامج أن فيصل علوي هو الامتداد الفني لفضل محمد اللحجي متجاوزاً ملحنين كباراً كمحمد سعد صنعاني وسعودي أحمد صالح مثلاً، فلا وجه للمقارنة بين فيصل واللحجي في التلحين، فالثاني عبقرية فنية أحدثت انقلاباً فنياً على مدرسة القمندان الشعبية التقليدية بما قدمه من ألحان سماعية تطريبية فيها خلق وابتكار وتجديد، أما فيصل علوي فدوره الكبير كان في إعادة توثيق جزء كبير من تراث لحج الغني وغنائّها الشعبي، فلم يبتكر في التلحين سوى في عدد قليل من الاغنيات، إلاّ أنه كان يحسن اختيار الكلمات لارتباطه الفني بشعراء كبار، أما فنانو المخادر في لحج فمعظمهم اليوم مقلد فاشل لفيصل علوي وكلهم يحاول القيام بدور قد أداه فيصل علوي على أحسن وجه وترك لهم استلهام التراث والغناء الشعبي للتجديد والابتكار وبدونهما لن يتطور الغناء في لحج ولن يرتقي كما ارتقى من قبل بفضل صالح نصيب ومهدي حمدون واللحجي وسبيت والصنعاني وكرد وسعودي أحمد صالح. وهؤلاء وغيرهم جددوا وابتكروا فنهم الخالد من خلال المخادر كما فعل عدد من فناني عدن قبل انشاء الإذاعة 1954م وازدهار الحفلات العامة ثم تأسيس التلفزيون 1964م، ففي مخادر زمان كان الفنان يغني القديم ويغني الجديد من أعماله الخاصة المواكبة لعصرها تجديداً وابتكاراً فالاغنية الرائعة (كلمة ولو جبر خاطر) ، قدمها محمد سعد عبدالله ولاول مرة في مخدرة أقيمت في حافة (القاضي) بكريتر عام 1959م بعد أن بدأ الغناء من التراث باللون المسمى بالصنعاني، ولذلك نجح في الغناء في التلفزيون والإذاعة والحفلات العامة، وهو نجاح لن يحققه فضل مسعود وزملاؤه ماداموا بعيدين عن التجديد وفي المخادر يجترون القديم ويشوهون أغاني الفنانين الكبار، أما أغانيهم الجديدة فكلماتها ومعانيها منقولة بتصرف من الاغاني القديمة، أو هابطة ومسفة أحياناً يصبونها في قوالب لحنية تراثية او شعبية معروفة ويدعون انهم ملحنوها، ولأني ضد الرقابة على المبدعين فإنني أدعو فناني المخادر في عدن وأبين ولحج تحديداً إلى مناقشة هذه الظاهرة فيما بينهم، كما أدعو المنتديات والجمعيات الفنية والأدبية في المثلث الذهبي، إلى تنظيم ندوات لمناقشتها،كما أوجه الدعوة للقارئ الكريم المهتم لمناقشة هذه الظاهرة عبر «الأيام» فالمخادر إلى جانب كونها تقليداً اجتماعياً فإن لها دوراً كبيراً في النهوض بالاغنية اليمنية وتجديدها في ظل غياب الحفلات العامة وحرص معظم شركات الانتاج الفني على تحقيق الربح من خلال نشر الفن الهابط وعدم اهتمام أجهرة الإعلام (الاذاعة والتلفزيون والفضائية اليمنية أولاً)، بالفن الراقي التجديدي والخلق والابتكار الفني، وبالمواهب الفنية الحقيقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى