عدن .. محمية أثرية

> د. هشام محسن السقاف :

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
عدن في معطيات التاريخ أكثر دلالة من مجرد مكان في ثناياه يختزل البحر والجبل، فهي ترسم ملامح أعظم لثلاثية البحر والجبل والإنسان، لتستقيم عندئذ صفاتها من جدلية التحول والتبدل الآتي من منطق: إن الثابت الوحيد هو التبدل المستمر (هيرقليطس)، وإن الجغرافيا بدون تاريخ مجرد سكون ثقيل لتضاريس لا تحمل مثقال ذرة من الدلالة إلا ما يكون فوق احتمال البشر من تبدلات الحقب والعصور ما قبل التاريخ.

ولأن عدن الأقدم، حين يكون الأخذ بفضائل التكريم في الأسبقية بين مدن العالم، نجدها حائرة بين الحقيقة والأسطورة، الصفة والموصوف، والنقش والحجر، صناعة الإنس أم الجان، ومن الأسفار المقدسة من حزقيال إلى القرآن الكريم يكون (العدونُ) طبعا في الإنسان نشوءاً وارتقاء، وتكون (عدن) عند بطليموس (فرضة العرب) Arabia Emporion (هشام عبدالعزيز، بحث: صفحات من تاريخ عدن القديم، الورشة العلمية حول حماية الآثار والمعالم التاريخية والطبيعية في عدن، أبريل 2005م ص 7) وعند المؤرخ بليني Pleny في القرن الأول تكون عدن بمعنى آلهة البحر Athana Athene تشبيها على ما يبدو بمدينة وميناء أثينا اليونانية، وفي القرن الأول الميلادي ايضا تكون عدن Eudaemon Arabia (العربية السعيدة). وفي القرن الثاني الميلادي تكون المخزن الرومانيRomanium Emporium (محمد سعيد شكري، تاريخ عدن القديم: بحث لم ينشر بعد، ص 2) وتكون «فرضة اليمن» وباب اليمن ودهليز الهند والصين وأقدم أسواق العرب كما يصفها المقدسي بقوله: بلد جليل، عامر، آهل، دهليز الصين وفرضة اليمن وخزانة المغرب ومعدن التجارات.

وعند الإدريسي: خزانة مال ملوك هذا الاقليم. وإن الأرزاق تساق إليها من كل جانب على وصف ابن الديبع (د. إيمان بيضاني، عدن جوهرة اليمن، دراسة قدمت إلى الورشة العلمية حول حماية الآثار والمعالم التاريخية والطبيعية في عدن، أبريل 2005م، ص14). وفي العصر الحديث تصدت عدن لحملات الغزاة والطامعين.

وحين ترسو سفن الإنجليز في شواطئها بعد يوم دامٍ سطره أبناؤها في 19 يناير 1839م ويصبح للمدينة دور آخر تحديثي من ناشئة وحتمية التطور التاريخي الذي يفرضه العصر، وتلتقط ألقها من دورها الإحيائي التنويري في ظل الإدارة البريطانية بريادة أبنائها، وتصبح سباقة في مجالات التجارة الحرة والاقتصاد والثقافة والتعليم ...إلخ غير ما شحيحة على أحد في إيصال رسالتها التنويرية إلى الأجزاء المعتمة بفعل الظروف السائدة، إن على المستوى الوطني أو على مستوى الجوار العربي.

إن كل هذا الكلام الذي قلناه لماماً عن عدن، وكل الكلام عن عدن يبدأ ولا ينتهي، مدخل لأن نراجع ذواتنا إذا ما أمرتنا النفس الأمارة بالسوء بالتهاون إزاء مدينة كل حجر فيها يحمل دلالة تاريخية، وكل أثر أو مشهد من مشاهدها العريقة لسان ينطق بعظمة المكان، وعبق الزمان، بحيث يكون الصنيع اقتداراً بمستوى الإحساس بعظمة المدينة العريقة، وبتمجيد هذا الصيت التاريخي الذي ينضح من وعاء الحقب المتعاقبة، من خلال - الصنيع - حماية آثارها القائمة وإعادة التأهيل والاعتبار معاً لكل مشهد أو أثر أو معلم طاله العبث وامتدت إليه نزقات شياطين البشر، أولئك الذين لا يفقهون شيئاً سوى حرفنة قتل الماضي معاً وربما المستقبل.

إننا ندعو الجميع من خلال منبر «الأىام» الغراء، من مواقعهم في السلطة المحلية والإدارات والأجهزة المعنية، والمنظمات والجمعيات والمنتديات والشخصيات الاجتماعية ورجال المال والأعمال في عدن وخارجها والجهات الأكاديمية وبخاصة جامعة عدن .. إلى إعلان عدن القديمة والتاريخية (كريتر) محمية أثرية للحفاظ على كل ما هو قائم وصامد في وجه الزمن من آثار ومعالم وشواهد هذه المدينة، سواء أكانت قديمة أو إسلامية أو حديثة، على أمل أن تستجيب الجهات ذات العلاقة في الوطن لهذه الدعوة وكذلك المنظمات الدولية المعنية، فعدن المدينة التاريخية العريقة إرث يمني وعربي وإنساني لا يجب التفريط فيه.

رئيس الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار- فرع عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى