الوحدة الألمانية والوحدة اليمنية بين «التايم» ونجيب قحطان

> نجيب محمد يابلي :

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
احتضن العام 1990م حدثين بارزين هما: تحقيق وحدة ألمانيا وتحقيق وحدة اليمن. وأمام هذين الحدثين وقفت أمام العدد الذي كرسته مجلة «تايم» الأمريكية الصادرة في 25 يونيو 1990م وبرز عنوان الملف على الغلاف هكذا GERMANY TOWARD UNITY (ألمانيا نحو الوحدة) وبلغ عدد صفحات الملف حوالي (69) صفحة، حافلة بكل ما لذ وطاب عن ألمانيا.

كما وقفت أمام ما كتبه الأخ العزيز نجيب قحطان الشعبي في صحيفة «الثوري» في عددها الصادر يوم الخميس الموافق 19 مايو 2005م، وكان عنوان موضوعه «في الحرب والوحدة والانفصال»، فكيف تناولت الـ «تايم» الأمريكية قضية الوحدة الألمانية وهي في طور التحضير، وكيف تناول الـ «نجيب» قضية الوحدة «اليمنية»؟

تناولت الـ «تايم» بالتفصيل المنعش كل تفاصيل ومفاصل القضية الألمانية بدءاً من شارلمان و«الامبراطورية الرومانية المقدسة» (768- 814) والامبراطورية الألمانية الجديدة بقيادة بسمارك (1871م) والرايخ الثالث بقيادة هتلر (1937)، الذي خاض حرباً عالمية ثانية عام 1939م وانتهت باستسلام الجيش الألماني عام 1945م، وتولت القوى العظمى الأربع (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا وفرنسا) إدارة ألمانيا المهزومة وتم تقسيم برلين عام 1948م، ونشأت جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1949م.

استطلعت الـ «تايم» آراء كل شرائح المجتمع في شطري ألمانيا، ويلاحظ القارئ أن آراء من استُطلِِعوا (بضم التاء وخفض اللام) كبصمة الإنسان لا تتشابه، وهي على النقيض من آرائنا التي تتسم بالخطابيات والعنتريات التي سرعان ما تنتكس، لأنها لم تُبن على دراسات وأسس موضوعية.

أمام هذا الكم الكبير من التنوع في الشخيصات والآراء أقتطع منها لعلم القارئ الكريم، فهذا أوسكار لافونتين الذي احترف السياسة منذ عام 1970م ينتقد الهرولة إلى الوحدة، لأنها ستكلف ألمانيا الغربية كثيراً لمواجهة الالتزامات التي ستنشأ بعد الوحدة، وهذا لوثر دي ميزير، الألماني الشرقي الذي مارس ضغطاً على الغربيين للقبول بسعر موحد للمارك الألماني الشرقي والغربي، وهذا كارل أوتو بول، الألماني الغربي وهو من فريق هيلموت كول، إلا أنه اعترض وبقوة في بداية الأمر على مساواة المارك الشرقي بالمارك الغربي، وتراجع عن رأيه لصالح قرار كول، لكنه أبدى صراحة أنه سيتحرك على وجه السرعة لرفع أسعار الفائدة إذا طرأ تضخم على المارك الألماني الغربي.

قرأت وجهة نظر الأديب الألماني والعالمي المعروف جونتر جراس، ومفادها أن البلد الموحد سيكون خطيراً على نفسه وعلى غيره، ولا يتسع المجال لحصر وتلخيص (69) صفحة في هذا الحيز المحدود.

أما تناول الأخ نجيب قحطان فقد كان منطقياً موضوعياً وصارحته القول: يا أبا قحطان، موضوعك يقطر حكمة ويستحق تناولاً تضامنياً حتى نغلق خانات التكفير والتخوين. وأقام حجته على مقولة «عدم الوحدوية ليس رذيلة وبالمقابل ليست الوحدوية فضيلة، وهما موقفان سياسيان».

دفعني موضوع الأخ نجيب إلى تقليب أوراق التاريخ الحديث، واطلعت على التحولات والتقلبات وما سبقها من إرهاصات وما شابها من مفارقات وبدايات هرولت إلى النهايات، ما لم تكن قراءة التاريخ راصدة وبتجرد للخلفية التاريخية للحدث وربطها بالمقدمات والنتائج، وأورد الأخ نجيب العديد من النماذج.

على قاعدة فرضيات الأخ نجيب وقفت أمام تجربة اتحاد الملايو وسنغافورة وبورينو الشمالية (صباح حالياً) وسرواك التي شكلت ماليزيا في 16 سبتمبر 1963م، إلا أن سنغافورة وصلت إلى قناعتها وقرارها بأنها اعتبارا من 9 أغسطس 1965م ستعتبر نفسها في حلّ من اتحاد ماليزيا، واحترم شركاؤها ذلك القرار، وتعهدت سنغافورة في قرار الانفصال بأنها ستفي بالتزاماتها السابقة على اتخاذ القرار.

قرأت عن تجربة الصومال في الوحدة في الفاتح من يوليو 1960م، وجاء قرار الوحدة الصومالية فور استقلال محمية الصومال البريطاني يوم 26 يونيو 1960م، وبعد ذلك بيوم حصل إقليم الوصاية الإيطالية على الصومال، فبادر أبناء الشمال (الصومال البريطانية) باتخاذ قرار الوحدة، وتحرك مجلس وزرائه بكامل قوامه على متن طائرة خاصة إلى مقديشو (الصومال الإيطالي سابقا)، وعرض أبناء الشمال الوحدة على أبناء الجنوب، ووافقوا على اقتراح بجعل مقديشو عاصمة دولة الوحدة طالما أنهم أبناء وطن واحد.

تدهورت أوضاع أبناء الصومال الشمالي لا سيما خلال الفترة التي سادها اللواء محمد سياد بري (1980- 1991) وأصبحت كل مقاليد الأمور والثروة بيد سياد بري وقبيلته مريحان، وطرق أبناء الشمال كل الأبواب مناشدين بالمساواة، ولما غلبوا على أمرهم رفعوا السلاح وقاوموا النظام القبلي الديكتاتوري، وجاء نصر الله عام 1991م، واستقلوا بأرضهم وشعبهم، إذا كان مفهوم الشعب لدى الغير هو «القبيلة».

هناك نموذج آخر للضم والإلحاق في تيمور الشرقية، التي جلا عنها المستعمر البرتغالي عام 1975م ليحتلها في نفس العام المستعمر الاندونيسي، الذي أذاق شعب تيمور الشرقية ألوان الهوان وجردهم من كل حقوقهم، فطالب الشعب بالاستقلال وقدم (280) ألف شهيد قرباناً لقضيتهم، وفرض المجتمع الدولي استفتاء للشعب لتقرير مصيره في سبتمبر 1999م، وقال الشعب: لا للاستعمار الأندونيسي.

هناك الشيك والسلوفاك الذين توحدوا في 28 أكتوبر 1918 في ظل دولة شيكوسلوفاكيا، وانفصلوا عن بعضهم بالمعروف في يناير 1993م، والتي سميت بالثورة المخملية ونشأت تبعا لذلك جمهوريتا الشيك والسلوفاك.

هناك ضم وإلحاق آخر أحبط في مهده داخل قبرص عام 1974 عندما حاول القوميون القبارصة اليونانيون إلحاق جزيرة قبرص باليونان، فاجتاح الجيش التركي الجزيرة واحتل ثلثها وأقام عليها دولة القبارصة الأتراك.

إذن لا هذه فضيلة ولا تلك رذيلة، وإنما فعلٌ وردّ فعل، وأحلام ورديّة تقابلها كوابيس وليس «امسك لي با أقطع لي».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى