هل القوى الإسلامية جادة في قبولها بالديمقراطية؟

> عبدالعزيز يحيى محمد :

>
عبدالعزيز يحيى محمد
عبدالعزيز يحيى محمد
هناك عدد من القوى والتيارات السياسية والفكرية تبدي شكوكاً في النوايا التي تقف وراء إعلان الحركات والقوى الإسلامية السياسية عن إيمانها بالديمقراطية، كونها ترى أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى خطوة تكتيكية من قبلها لا تهدف من ورائها سوى الوصول إلى السلطة، ومن ثم الإنقلاب على الديمقراطية وإقامة حكم ديني والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

وفي رأيي أن أحداً منا لا يستطيع أن يعطي رأياً قاطعاً يبين من خلاله صحة أو خطأ تلك الرؤية، وذلك يعود لوجود أدلة كثيرة من شأنها أن تثبت أو تنفي ذلك، فلو قمنا بتقييم وتحليل بعض من مضامين الخطاب والممارسة للجماعات والقوى الإسلامية، التي أعلنت قبولها بالديمقراطية، سنجد أنها مليئة بالتناقضات وتعاني الكثير من الازدواجية.

فإذا كان إعلان أي حزب وقوة سياسية قبوله بالديمقراطية يتطلب منه من ناحية أن يؤمن ويتبنى مبادئها الرئيسية مثل «الشعب هو مصدر السلطات، وفصل السلطات، والمساواة بين المواطنين على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم أمام الدستور والقانون»، ويتطلب من ناحية أخرى تخليه عن أية مبادئ خاصة به يتعارض مضمونها مع تلك المبادئ الديمقراطية، حيث يأتي منها بالنسبة للحركات الإسلامية مبدأ «الحاكمية»، وعندها فقط تصبح الدولة شأناً من شؤون البشر الأحياء لهم أن يتصرفوا به إنطلاقاً من مصالحهم وتجاربهم وتجارب الأمم والشعوب الأخرى، كون ذلك يعد شرطاً لا غنى عنه لجعل الحياة السياسية طليقة من كل قيد ومتحررة من كل أسر يهبط بها عن مستوى الفعل الإنساني الحر.

لقد أدى قبول الحركات الإسلامية السياسية بالديمقراطية إلى اعترافها بمؤسسات الدولة والمجتمع القائمة التي تتواجد فيه، وإقرارها بدساتيرها وقوانينها، والاشتراك في العمليات الانتخابية التي تجرى..إلخ، كما غير عدد منها بعضاً من مواقفه ومفاهيمه إزاء عدد من القضايا والمواضيع الهامة، كقضيتي المرأة والفنون، فمثلاً تبنى الإسلاميون في الأردن ترشيح نساء في الانتخابات النيابية الأخيرة، وقامت جماعة الإخوان المسلمين المصرية بتكريم عدد من الفنانين والفنانات.

ولأننا نعرف أن تلك الحركات والقوى الإسلامية ليست على استعداد لتتخلى عن شعار «الإسلام دين ودولة»، رغم أن مضمونه يتناقض مع مضمون الديمقراطية، وإن ادعت أن ذلك الشعار لا يتعارض مع الديمقراطية، فهي وفقاً لهذا الشعار ترى أن الإسلام نسق كامل يستمد من ذاته العناصر الروحية، وأفكاره السياسية وطرقه في الحكم وأساليبه في الإدارة، وأنه غير محتاج أن يقتبس من سواه أي أفكار ومعتقدات، ولا هو بمحتاج أن يعيد المسلمون النظر في حياتهم لأنهم إذا ما اهتدوا بهذه الكلية المتكاملة سيعون الحق في الفكر والسداد بالعمل، أي أن هذه الحركات تريد صياغة الحاضر بنموذج «مثالي» مستمد من الماضي، يفترض أن التاريخ قد حقق فيه كامل إمكاناته، أي أن التاريخ قد بلغ غايته، كما قال الدكتور يوسف السلامة.

والدليل على صحة هذا يتمثل في مطالبتهم بجعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الوحيد للمجتمعات، وتأكيدهم على تطبيق ذلك حال وصولهم إلى السلطة مباشرة، رغم إدراك عدد من قيادييهم وكوادرهم صعوبة تحقيق ذلك في الواقع العملي. وقد برهن الشيخ علي عبدالرزاق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الصادر في القاهرة عام 1926م على صحة رأيه القائل إن الإسلام «دين لا دولة» بالاستناد إلى عدد من النصوص الواردة في الكتاب والسنة، إذ رأى أن الدعوة النبوية هي «دعوة روحية» ورسالة تبليغية وليست تنفيذية، أي أن التنفيذ ليس جزءاً منها، فمهمة النبي تنتهي عند حدود التبليغ، ولا يتجاوزها إلى التنفيذ بأي حال من الأحوال.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه يمكن التأكيد على أن تخلي أي قوة سياسية أو حزب أياً كان عن الديمقراطية، بعد أن استند على قواعدها واستخدم وسائلها وأدواتها للوصول إلى السلطة، بإرادة غالبية الناخبين، ستجعله يواجه ويعاني كماًٍ لا حصر له من المشكلات والصعوبات، إذ ستعمل كل القوى الديمقراطية في المجتمع المعني على الرفض والاعتراض لأي عمل من هذا القبيل، عبر مختلف الوسائل والطرق السلمية كالإضرابات والمظاهرات والاعتصامات، والتشهير به وفضحه عبر مختلف الوسائل الإعلامية وغيرها، حتى يتم عزله وإقصاؤه من السلطة، وهو ما أثبتته تجارب عدد من شعوب العالم.

وفي الوقت ذاته علينا أن لا ننسى أو نقلل من الآثار والانعكاسات الكبيرة التي باتت تحتلها وتتركها السياسات الخارجية لدول العالم المختلفة، وفي مقدمتها الدول الكبرى، على الشؤون الداخلية لأي بلد في العالم، فأي نظام حكم سيفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أي عمل جاد من شأنه أن يظهر من خلاله أنه يسعى إلى التخلي عن الديمقراطية واستبدالها بنظام شمولي، كون ذلك سيجعله عرضة لعزلة دولية قد تصل إلى حد مقاطعته وفرض عقوبات مختلفة عليه، الأمر الذي سيضعف قدراته وإمكانياته على الصمود والمقاومة والبقاء.

ومما سبق يمكن القول أنه ينبغي إفساح المجال أمام جميع القوى والأحزاب السياسية لتمارس كافة حقوقها بحرية تامة، لتتمكن من المشاركة في مختلف الفعاليات والأنشطة والاستحقاقات السياسية، لتحقيق كافة غاياتها المشروعة، وفي مقدمتها مسألة الوصول إلى السلطة، طالما أنها تعلن قبولها بالديمقراطية، وترى أن وسائلها هي الأنسب للوصول إليها، ومبادئها هي الأفضل لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، بغض النظر عما إذا كانت نواياها ورغباتها الداخلية صادقة وجادة أم لا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى