يـوم من الأيــام...رفض العيش بجلباب الماضي

> محمد علي محسن :

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
أعجب من أولئك المحسوبين على الحداثة بينما هم - روحاً وفكراً - لا صلة لهم البتة بها، فحين تجد هؤلاء حاضرين في كل وسائل العصر من صحافة وأحزاب وتقنيات وديمقراطية وتشريعات واتصال بالآخر تجدهم أثناء الممارسة الحقيقية لهذه النظريات والفلسفة والقوانين مجرد أناس جامدين أو تائهين أشبه بأهل الكهف بعد استفاقتهم من نوم جاوز قروناً ثلاثة بأجساد حاضرة ومتحركة بينما العقول غائبة وتعيش زمناً آخر مضى.

هؤلاء يريدون منا نسخة طبق الأصل لهم، بأفكار وعقول محنطة وجامدة في حقبة تاريخية متخلفة تتناقض كلياً مع مقتضيات الحاضر المختلف والمتعدد الذي نعيشه، إنهم ببساطة غير قادرين على تجاوز ومبارحة الماضي بشعاراته التحررية والثورية والقومية والاشتراكية والعدائية للآخر المختلف ايديولوجياً وعرقياً وديناً وثقافة، انطلاقاً من عقدة المؤامرة وليس وفقاً والحقائق والشواهد، وعلى هذا الأساس فإنه يستحيل ولوج القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن الفائت، بحسب تعبير العالم العربي أحمد زويل، صاحب جائزة نوبل في الفيزياء. ونحن كذلك مطلوب منا كشعوب حاضرة ومنفتحة على كل الثقافات والإنجازات العلمية والتقنية والديمقراطية المعاصرة العيش في عقلية القرون الغابرة المتخلفة، بحيث إنه في الإمكان الاستفادة من كل مقتنيات الحداثة من كمبيوتر وانترنت ووسائط إعلام واتصال وسلع وخدمات ...إلخ، وبالمقابل غير مباح أو مسموح أن يتجاوز المتلقي أو المستهلك ثقافة الاستهلاك والمتعة إلى ثقافة الفكر والمعرفة والحرية الموائمة لنتاجات العولمة، بل على العكس يراد لهذه المجتمعات ولوج بوابة الحاضر والمستقبل بجلباب وعقل القرون الوسطى.

مأساة هذا الجيل الجديد الحر والمختلف في كل شيء هي تلك العقليات القديمة المستحكم بها الاستبداد إلى درجة السيطرة والامتلاك في كافة السلوكيات والتصرفات الحياتية اليومية، فبينما جيل الحاضر سمته الحرية والانفتاح على الآخر المختلف ونزعته دوماً للتمرد على كثير من المعتقدات والتقاليد الخاطئة أو المغلقة، نجد في المقابل الجيل الحديدي ممن عاشوا في كنف الماضي الشمولي الاستبدادي واقفاً حجرا وعقبة كأداء أمام إنجاز أولئك الشباب للحاضر أو المستقبل الذي يطمحون في تشكيل صورته المغايرة تماماً لتلك الموجودة في عقل وفكر الكبار. وعلى هذا الأساس ولدت مأساة الجيل الجديد الناتجة عن حالة انفصام ما بين حاضر بمعطيات ووسائل حديثة تجنح لصالح الحرية والديمقراطية والحوار وتعدد الثقافات والأديان والسياسات، وبين ماض وإرث ثقيل يراد له البقاء والانتقال من الآباء إلى الأبناء، وكأن المسألة تدخل في إطار علم الوراثة في انتقال الصفات الوراثية من جيل لآخر أو مجرد قميص يخلعه الأب ليلبسه الابن، كما هي الحالة التي صورها الكاتب الكبير المرحوم إحسان عبدالقدوس في قصته الشهيرة ( لن أعيش في جلباب أبي).

لم يأت رئيس الحكومة عبدالقادر باجمال بجديد عندما وصف هذا الجيل بالمختلف، الذي لا يمت بصلة أو يستحكم فيه أحد من الأحزاب، فالرجل تحدث عن ظاهرة مستفحلة في المجتمع، ويمكن رؤية أصحابها (جيل الحاضر) في كل مكان، في الجامعات والأحزاب أو وسائل الإعلام أو الأندية أو مراكز المعلومات أو الأسواق والمقاهي واللوكندات..إلخ، جيل ولد من رحم ثورة الاتصالات والمعلومات والحرية السياسية والمعرفية والاقتصادية، جيل جديد بقيم وسلوكيات عالم عنوانه الديمقراطية والشفافية والحقوق والحريات والفضاء والحدود المفتوحة، وإيمانه بالمعلومة والحقائق أكثر من الشعارات والخطابات والمؤامرات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى