أيــام الأيــام...أجهزة عتيقة .. بليدة في التفكير والممارسة

> أحمد عمر بن فريد :

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
ما بين ظهيرة يوم 14 فبراير الماضي، وهو الزمن الذي اهتزت فيه كل بيروت لمقتل صانع نهضتها الجديدة الرئيس رفيق الحريري، وصباح يوم الخميس الماضي، وهو الزمن الذي توقفت فيه نبضات قلب الكاتب الصحافي اللبناني سمير قصير على مقود سيارته قبل أن يهم بتحريكها، بفعل انفجار قنبلة موقوتة وضعتها أياد آثمة، جرت مياه كثيرة في المسار اللبناني تحديداً، وقذفت الكثير من الأحجار في وسط المياه الراكدة، ودبت الحياة في ما كان يعتقد أن لا أملا في حياته.

وما بين هذين الزمنين أيضاً، صدرت قرارات دولية ومحلية، واستقالت حكومة بأكملها تحت وطأة الحدث وتداعياته، وغادرت لجان ووصلت أخرى إلى بيروت لتقصي الحقائق وللتحقيق في مقتل الحريري، ورفعت تقارير، وتكونت قناعات كثيرة في عقليات متعددة، أدركت أن رياح التغيير قوية ومتحركة، وأنه لا يمكن إيقافها أو مقاومتها، إلا أن عقلية واحدة فاعلة على المسرح السياسي في هذا البلد الشقيق، لم تتغير ولم تتبدل، لا في تفكيرها ولا حتى في سلوكها! حتى وإن حاولت باستحياء أن تثبت للعالم أنها قد استوعبت الدرس، وأنها متفهمة لدواعي التغيير وحتميته، وأنها قد بدأت فعلياً في لملمة بقاياها للخروج النهائي من مسرح الحدث.

هذه العقلية أثبتت بالفعل لا بالقول، من خلال عملية اغتيال الكاتب المتميز سمير قصير، أنها تلعب بالنار على طريقة الصبية الصغار الذين لا يدركون ما يمكن أن ينتجه لعبهم بالنيران من حرائق كبيرة يمكن أن تشب فجأة وتلتهم الأخضر واليابس معاً! هذه العقليات تتصرف كما فعلت يوم الخميس الماضي ببلادة شديدة، استغلتها القوى الخارجية بذكاء غير مستغرب، فطالبت بتوسيع التحقيق في اغتيال الحريري، ليشمل جريمة اغتيال سمير قصير أيضاً، وكأنما أراد من دبر هذه الجريمة في ليله الأسود البهيم، أن يرد بإجابة واضحة على كل الذين ذهبوا بعيداً في تفسيراتهم لاغتيال الحريري، ويقول لهم بصريح العبارة: إن ما حدث للحريري وقصير هو صناعة عربية مائة في المائة.. فلا تذهبوا بخيالكم بعيداً، ولا تدعوا نظرية المؤامرة تسيطر على تفكيركم إلى هذا الحد.

وإذا كانت هذه القوى التي مارست البطش والقتل بأساليب جبانة، قد اعتادت على ممارستها في الماضي دون أن تتعرض للمساءلة أو المحاكمة، فإنها بلا أدنى شك ستحاسب اليوم، وستقوم هي بما تقترفه من آثام، بلف حبل الإعدام حول عنقها دون أن تشعر، ومثل هذا المصير الذي ينتظر هذه القوى في لبنان الشقيقة، سوف تلاقيه حتما بقية القوى المماثلة لها في أوطاننا العربية الكثيرة والمسلوبة إرادتها بفعل هؤلاء، لأنها ما زالت تعتمد الأساليب نفسها في الحرب ضد التغيير وضد الانعتاق من قيود الحاضر المانعة للتقدم، وهي مهيأة بفعل تكوينها ونشأتها لاقتراف ما لا يمكن للعقل تصديقه أو حتى التحسب له، ومن الشواهد العملية على ذلك جثة الكاتب الصحفي الليبي ضيف الغزال، التي وجدت - بعد أسبوعين من مغادرة النفس منها - ممزقةً أشلاؤها في إحدى المناطق النائية، كما أن تعرض صحفيات لتمزيق ملابسهن من قبل أفراد من (الغوغاء المنظمة) دليل آخر على حدوث سابقة جديدة حتى على ثقافتنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا الحنيف، ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقولون، ولأن هذه القوى تتنفس الهواء ذاته، وتفكر بعقليات مبرمجة على ملامسة كل ما هو واط ورخيص، فلم نستغرب هنا في اليمن أن نقرأ ما يمكن أن نسميه بالفاحشة المبتذلة؟ وهي تلك التي تعرضت لها زميلتنا رحمة حجيرة على صفحات جريدة لا تستحق ذكر اسمها على صفحات هذه الصحيفة المحترمة.

إنها معركة من أجل التغيير، بدأت ولن تنتهي إلا بسقوط مدوّ لهذه الأجهزة ومن يقف عليها، لأن الزمن في ظني قد عفى على مهامها وعلى مقامها، وأصبح وجودها يشكل عبئاً كبيراً على كل محركات التغيير في الوطن العربي الكبير، الذي بات يقترب كل يوم من لحظة الحقيقة المرتقبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى