وتـلـك الأيــام...لحظة صدق وزمن للأمان

> علي عمر الهيج :

> كنا نتوق - منذ زمن طويل- إلى قدوم يوم تهدأ فيه النفوس وتستقر الأبدان وتتآلف القلوب وتضيء الشموع داخل كهوفنا المظلمة.

كانت لنا أمنيات بسيطة، من خلالها نسكت أنين بطوننا من كفر الجوع، ونحتضن أطفالنا مكتسين هانئين ثم ننام نوماً هادئاً خالياً من الكوابيس والأشباح.

كنا نحلم بالسكينة والسبات الآمن من دون الحاجة إلى ما يخفف صداع الرأس وتناول أقراص الاسبرين والبنادول وحبوب الضغط والسكري والأدوية المسكنة.

تلك الدروس التي حفظناها - إبان ذلك الزمن الوردي - لم ولن نتخلى عنها أبداً، فالقناعة عندنا ما زالت كنزاً لا يفنى، والكلمة الطيبة صدقة، والحب هدف سامٍ وعظيم، ودروس الشرف والأمانة والأخلاق والصدق والاستقامة مناهج شربناها ارتواءً، فهي حصن عامر وكامل للخلق والتهذيب وصفاء النفس وعظمة الروح.

ترعرعنا وسط بيئة عامرة بالأحلام والطموحات.. ثم كبرنا وكبرنا وعانقنا الكهولة فتكسرت كل أعشاشنا الصغيرة وطارت عصافيرنا مكتوية بسراب الوعد والوعيد والانتظار المحروق.

لم تكن أحلامنا مبنية على العيش الرغد فوق ناطحات السحاب وركوب السفن الفضائية، ولا اقتناء السيارات الفارهة ذات الصرخات والصرعات (المودرن)، ولم نكن نطمح بالعيش فوق جزر عامرة بالخضرة والجنان والمأكولات الشهية وكل أنواع اللهو والراحة.. ليس ذلك ما كنا نصبو إليه.. كانت أحلامنا نقية كالصلاة، بريئة كالطفل، عفوية كأرجوحة .. كنا نتوق إلى الستر والعافية وأمان القوت والمعيشة.

شربنا من كؤوس الأصالة كل معاني الوفاء والعمل والصبر الطويل، لم نكن نعشق المزاحمة لأباطرة الأرصدة البنكية ولا مالكي الأسهم والعقارات والأراضي.. فهذه الدروب لم نفرشها يوماً أمامنا كمأرب أو خيار حتمي نسعى الوصول إليها مطلقاً، مع أن الأمر يسير والإيقاع الحالي للحياة لن يكون سداً أو حاجزاً منيعاً لكل من ابتغى الوصول إلى تلك الزخارف الباهتة.. فالأمر لا يتطلب سوى نفاق وزندقة ومخاصمة العفة والصدق والأمانة لتجد نفسك أيها المغامر شبحاً مخيفاً وسط غابة الوحوش.

لا نريد أن تكون قلوبنا خرسانة مسلحة بالأسمنت والحجارة، ولا نريد لعواطفنا الآدمية أن تتآلف مع قوانين العبث وتلويث صفاء المعيشة.. خُلقنا بشراً وينبغي أن نعيش بشراً، لا وحوشاً كاسرة ترقب الموت والدسائس والانقضاض على الفريسة من دون رحمة أو شفقة.

وبين عذوبة أحلامنا الوردية تلك وقساوة اللوائح انصهرت وتحطمت كل طموحاتنا وصرنا طوابير طويلة باحثين عن لحظة صدق آدمية.. لكنهم عدائيون في معانقة هذه اللحظة الصادقة.

سامرناهم في الأفراح والأتراح آملين أن يعودوا إلينا لكنهم سخروا منّا وتغامزت عيونهم.. وعندما استشعرنا باستحالة العودة وخيبة الصلاح، حملنا حقائبنا وولينا مهاجرين بعيداً عنهم بحثاً عن لحظة صدق وزمن للأمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى