قسوة النقد.. ضرورة أم وسيلة نحو الشهرة؟!

> «الأيام» علي محمد يحيى :

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
ليعذرني الأخ العزيز مختار مقطري، المحرر الفني بصحيفتنا المشرقة «الأيام» باستعارتي (نصاً) عنوان مقالة له كنت قرأتها قبل ما يزيد عن العام وبضعة أشهر في صحيفة «14أكتوبر» بعددها (12509). ولشعوري بأهمية ما عرضه الأخ مختار- على الأقل من وجهة نظري المتواضعة - منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، فقد احتفظت بقصاصة تلك المقالة إلى حين الرجوع إليها، وقد آن الوقت.

فخلال الفترة ما بين نشر المقالة ولحظة التعقيب عليه اليوم ، تبدى لي الكثير مما كان قد استعصى علي قبوله، وربما تحفظت عليه، وربما أيضاً دافعت عنه، لا من منطلق المجاملة التي أمقتها، ولا من منطلق القسوة - المجردة- جنبنا الله إياها، وإنما من منطلق اعتقادي في التروي في التقدير خاصة إذا كان في مجال النقد الفني، ولأهل الغناء والطرب بشكل خاص، مستنداً على تجاربي الشخصية المتواضعة في فهم نفسية الفنان، ملحناً كان أم مطرباً، إذ حظيت بشرف الصداقة والزمالة لعدد من كبار فناني اليمن بمحافظة عدن، منهم من رحل إلى دار البقاء كالموسيقار أحمد قاسم والموسيقار يحىى مكي وجميل غانم وحسن فقيه، فمحمد عبده زيدي طيب الله ثراهم، وأما الأحياء أطال الله في أعمارهم، فمنهم الأخ العزيز الفنان يسلم أحمد بامدهف والمبدع الأستاذ أحمد صالح بن غودل وعبدالكريم توفيق والأستاذ حسن عطا وفضل كريدي وأنور مبارك وأخي العزيز الفنان فرسان خليفة وعصام خليدي، وغيرهم كثر لا يتسع هذا المقام لذكرهم جميعاً وهم أحبة أعزاء. وكل هؤلاء الكوكبة من الفنانين قد التمست فيهم خلال سنوات العمر بمختلف منزلاتهم عند جماهيرهم، وهي عظيمة، كلهم يتفقون على ضرورة وجود النقد الفني، ولكنهم يختلفون بنسب متفاوتة على مقدار وحجم جرعة هذا النقد وأسلوب عرضه ومدى مصداقيته والنوايا من وراء القصد من هذا (النقد).

وقبل الخوض في موضوع حساس كهذا، أود التأكيد بأنني أقف موقف المؤيد مع ما عرضه الأخ مختار بقناعة ودون حرج فيما أشار إلىه في مقالته القيمة الصريحة والشجاعة عن ماهية النقد الفني والذي يجب أن يشمل كل صنوف الفنون، لا الغناء والطرب فقط، وأغراضه في الساحة الفنية، آخذاً في الاعتبار أن من يقوم بمهمة النقد الفني كما هو الحال في كل مناحي ومسالك النقد في فنون الأدب وغيرها، لا بد أن يحرص أن لا يدخل في حسبانه خصوصية الفنان، أو موقفه الشخصي منه، حتى وإن كان هناك أيضاً نوع من الصلات الشخصية كي يكون نقده نزيهاً وموضوعياً، وهو كما أتصور خلاصة ما جاء في موضوع مقالة الأخ مختار بأن النقد الحيادي لا بد وأن نلتمس فيه أحياناً نوعاً من القسوة الموضوعية كي يكون النقد أكثر صدقاً ونفعاً.

وعود على بدء أعيد طرح تساؤله بصيغة أخرى لا تخرج به عن الغرض، هل أن مفهوم القسوة موجبة في النقد؟ أو أن النقد هو الذي يحدد اتجاه عناصره وفقاً لواقع وإبداع المنقود؟ أو أن النقد قد يلبس مكرهاً رداء القسوة حتى تكون ضرورية حينما تستدعي الضرورة، ليكون من ورائها الإصلاح والتقويم والتشجيع لا التدمير وتثبيط المعنويات من خلال نقد حيادي هادف وملتزم بموقف الناقد المسؤول الذي يصطدم أحياناً بما لا يتفق مع هوى الفنان المنقود المسؤول، كما جاء في المقالة بأن بعض الفنانين عندما لا يعجبهم نقداً لاذاعاً أو قاسياً بعض الشيء حتي وإن كان صادقاً نزيهاً، فإنهم يعتبرونه أو يرون فيه أنه تجريح وتشهير.. فلا غرابة في ذلك أيها الأخ العزيز المقطري، فذلك بسبب النرجسية والأنا لدى هذه الفئة من الفنانين، وهم مع ذلك ندرة، تجعلهم غير مستعدين لتقبل النقد بروح عالية، وغير قادرين على الاستفادة منه (من النقد) وتلقيه برحابة صدر والنظر إلى جوانبه الموضوعية ولا يرون فيه سوى تهجم موجه نحوهم وضد أشخاصهم فينبرون للرد عليه بكل نزق وعدوانية، وكأن الكرامة الشخصية لكل منهم قد وضعت في الميزان. ويمكن رد ردود الفعل عندهم إلى ضعف في الثقة بالنفس وإلى إدراكهم - بصورة غير واعية - أنهم قد حققوا ما لم يستطعه غيرهم إدراكه، وهو نوع من الوهم أو التضخيم ليس إلا، وتناسوا أن الرواد القدماء والمحدثين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه، إلا بعد كفاح وصبر وتجربة وخبرة وموهبة وحب الجماهير لهم لإبداعهم في فنهم، فيحرفون مواجهة النقد بينهم وبين النقاد من شأن فني وإبداعي إلى شأن شخصي، وكأن بين أحدهم وبين الناقد ثأراً قديماً.

وفي كل الأحوال فإنني أزعم أن التطرف في موقف الفنان لا يخدمه.. آخر مطاف الحديث أشير إلى أننا نتطلع إلى اليوم الذي ننظر فيه إلى الأمور الخلافية في النقد وندرسها ونستفيد منها، إذا كانت صحيحة وموضوعية حتى نعود أنفسنا على السلوك الحضاري المفقود في حياتنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى