المصلحة العامة .. يتيمة الأبوين

> علي ناصر محمد فضل :

>
علي ناصر محمد فضل
علي ناصر محمد فضل
ابتليت المصلحة العامة هذه الأيام بأولئك المتمشدقين المدعين معرفة كل شيء، والواهمين بأن هذه المصلحة أصبحت يتيمة الأبوين ويعتبرون أنفسهم وكلاء للدفاع عنها دون غيرهم، متجاهلين أن هناك العديد من المخلصين المدافعين عن هذه المصلحة، متجردين من أنانية الذات واضعين في اعتبارهم حبهم لهذا الوطن ولا ينتظرون جزاءً ولا شكوراً.

لو افترضنا أن الناس جميعاً يسعون للدفاع عن المصلحة العامة بوعي ومسؤولية لاستقرت الأحوال وتقلصت مساحات الخلل، ولكن الفرق واضح بين الافتراض والواقع، فالافتراض مجرد خيال أما الواقع فيتحدث دائماً عن حقيقة الأمور، والحقيقة كما هي ماثلة أمام أعيننا أن الكل أمير أمام هذه المصلحة، فكل إنسان يفهمها بما يمتلك من علم ومن ذكاء أو حتى من خبث، ليضمن لنفسه كل ما يريد وكأن المصلحة العامة هي حصته من ميراث لا يشاركه أحد فيه.

يقال أيضاً إن الناس سواء أمام القانون والنظام والحقوق والواجبات، وأن لا تميز لأحد على أحد إلا بمستوى عطائه وإخلاصه، وهنا أيضاً القول شيء والفعل شيء آخر.. لأن المجتمع فيه القوي والضعيف والمتعلم والجاهل، كما أن الجميع لا يملك ضميراً حياً واحداً فبحسب نوعية الضمير تختلف النظرة للمصلحة .. وما يعيشه العالم اليوم من قهر وقتل وإبادة، وكذلك غش واحتيال وفساد دليل أن المصلحة العامة تقاس بمدى حجم المصلحة الذاتية، فالقوي ينظر إليها من زواية قوته، والضعيف من زاوية ضعفه وقهره لأن ما يريد تحقيقه ينحصر دوماً في التمني بالرغم أن الآخر يصر أن النظام والقانون فوق كل اعتبار، لا جاه ولا محسوبية ولا مراكز، ولكن الواقع لا يتوافق مع ما يدعيه هؤلاء.

إن السواد الأعظم من سكان المعمورة يتمنون لو تحققت المصلحة العامة في أمور حياتهم، وكثيرون هم أولئك المخلصون الذين يسعون لتحقيقها من منطلق انتمائهم الوطني المخلص، لأن هذه المصلحة تمثل مصالحهم الفعلية، ولكنهم يصدمون بواقع الحال المرير فالمواجهة ليست في صالحهم مع أن الانتظار «يهد الحيل» كما يقال، لكن عزاءهم أن العزيمة لن تفتر والأمل لن يلغي الإمكانية في التغيير.

من منا لم تمر عليه أيام طويلة وهو يتحدث عن المصلحة العامة في مجال عمله أو في أحد مناحي الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية وغيرها؟ وكثيرون أولئك الذين يصرون أن نظرتهم وتفكيرهم هو الرأي الصحيح وما عداها مجرد أفكار وربما خدع يناور بها الآخرون للوصول إلى غاياتهم الشخصية. الكل يتحدث عن المصلحة العامة إلا الأطفال الرضع والعجزة الركع والمجانين السكع، وربما هؤلاء أيضاً يتحدثون عنها في سريرة أنفسهم . إذن من بقي من البشر لم يتحدث عن هذه المصلحة، طبعاً هم أولئك القادمون الذين لم يروا النور بعد، فدور هؤلاء قادم لا محالة، ولكنه مؤجل حتى موعد قدومهم.

هل نستطيع التحدث عن المصلحة العامة دون إخضاعها للمصالح الذاتية الضيقة والابتعاد عن أساليب المراوغة والتدليس وترك أنانية التفرد بالرأي، ونتجه نحو تعلم فنون الدفاع عن مصالح المجتمع؟.. كل شيء ممكن إذا توفرت القناعة واتضحت الرؤيا لدى المجتمع وخلعنا قميص المصالح الذاتية إلا فيما يعتبر حقاً شرعياً يحميه النظام والقانون والإنسانية، وألا تكون نظرتنا للمصلحة العامة كما قال الشاعر: إذا مت ظمآن فلا نزل القطرُ.

جميل أن يتحدث الناس عن المصلحة العامة ويقلقون من عدم تحققها لينعم بنتاجها الجميع، وجميل أيضاً أن يستشعر الناس بهذه المسؤولية، وإنما القبيح جداً أن يتحدث كل من هب ودب عن هذه المصلحة وهو لا يفقه شيئاً، إلا اقتناعه بأن المصلحة هي ما امتلكته يداه. إن من ينظر للموضوع من زاوية أنانيته فهو جاهل ليس له من نصيب إلا ما جُبل عليه من حقد وسوء تصرف، وحتماً ستكون نهايته ما دعا به سيدنا نوح على قومه.

إذا كان البعض يعتقد أن المصلحة العامة يتيمة الأبوين، فليتذكر أن لها من الأبناء والأحفاد من يستطيعون الدفاع عنها بصورة دائمة مهما اتسعت رقعة الفساد وازدادت أعداد المفسدين في الأرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى