السيد أحمد الرفاعي دعا إلى الله ونشر العلم وسار تلاميذه وذريته على طريقته

> «الأيام» خاص :

> ورد في الحديث النبوي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» ومما لا شك فيه أن المحبة في الله جاءت بعد أن أخلص هذا أو ذاك العبد في عمله لله، وكانت أعماله ابتغاء رضا المولى تبارك وتعالى، ومما لا شك فيه أيضاً أن العبد الصالح قد وفقه الله سبحانه وتعالى للدعوة ونشر تعاليم الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن أولئك الرجال الأعلام الذين ظهرت عليهم آثار إخلاصهم لمولاهم، فخدموا دين الإسلام وأضحوا منابر خير لهذه الأمة، الإمام الكبير السيد أحمد الرفاعي (رحمه الله) وهو غني عن التعريف، إذ ذكرت سيرته في الكثير من كتب التراجم، بل أفرد بعض المؤرخين ترجمته في كتاب ضخم.

وقد انتشر في مشارق الأرض ومغاربها تلاميذه ومحبوه وذريته المباركة، فصارت سيرته الخالدة معروفة، وتناقلتها الأجيال حتى وصلت إلينا، وحسبك أن تعلم أيها القارئ أن سيرة هذا الإمام العظيم قد انتشرت في عموم بلاد العالم الإسلامي ومنها بلاد اليمن، التي حظيت بنصيب من آثار هذا الإمام التربوية على ما سنذكره لاحقاً، بل إن الله قد عم النفع به رضي الله عنه في بلاد أوروبا وأمريكا واستراليا، وهو أمر مشاهد وملموس، وفي اليمن السعيدة وصلت لأبناء اليوم وجيل الغد.. بعض من ذريته الذين يسكنون بيننا منذ مئات السنين، وكذلك تلاميذه الآخذين عنه شيخاً عن شيخ، وهكذا بقيت سيرته ليس في اليمن فحسب، بل في جميع أنحاء العالم. ولنختصر المقدمة ونبدأ في مقالنا التاريخي الموثوق، والذي سيدور في فلك المحاور الآتية وهي:

1- نسبه الشريف2- ميلاده ونشأته ومشايخه 3- وفاته وآثاره 4- ذريته المباركة وبعض أعلام الزاوية الرفاعية بعدن، وبعد التوكل على الله والاستعانة به نقول:

أولاً: النسب الشريف
هو الإمام الشهير والعلم المنير السيد أحمد الرفاعي بن علي بن يحيى بن ثابت بن حازم بن علي بن الحسين بن مهدي بن القاسم بن الحسين بن أحمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم.. وينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسين بن فاطمة بنت رسول الله سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين.

أما نسبه لأمه فهو السيد أحمد الرفاعي بن فاطمة بنت يحىى بن موسى.. وينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل سيدنا أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد رضي الله عنه.

ثانياً: ميلاده ونشأته ومشايخه
مولود بقرية يقال لها أم عبيدة من القرى المجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة بأرض العراق، وذلك سنة 512 هـ ، وتربى في محيط أسرة عرفت واشتهرت بالعلم والتعليم، وأخذ عن كبار شيوخ ذلك الوقت، وفي مقدمتهم شيخ القراء بل شيخ علماء البطيحة وواسط الشيخ العارف علي الواسطي القارئ، وتعلم منه القرآن حفظاً وتجويداً، وشيخ شيوخ عصره العلامة الشهير منصور بن يحيى النجاري وغيرهما، ولما ظهر صيته وعلا نجمه في العراق تصدر للتدريس وهكذا عُرف واشتهر في بلدان مصر والشام والحجاز والمغرب العربي، وفي سنة 555 هـ ، سافر من بغداد إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وزيارة جده المصطفى سيدنا محمد [ ، وفي بلاد الحرمين الشريفين التقى بجملة من علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة وبعض علماء المسلمين في أنحاء المعمورة.

ولما رجع إلى بلده العراق أتى إليه الطلاب من جميع الجهات للأخذ عنه والتلقي منه، واستمرت حلقات العلم وكثر التلاميذ لحضور دروسه العلمية، وبقي على هذه الحال ينشر الدعوة ويوجه الطلاب وينصح الأمة بالتي هي أحسن حتى انتقل إلى جوار ربه الغفار سنة 578 هـ .

ومن كلامه رحمه الله: «إذا تعلم أحدكم شيئاً من الخير فليعلمه الناس يثمر له الخير». وقال أيضاً «الصدق سلم العناية، والتقوى بيت الهداية»، وقد قام بعض تلاميذه بجمع كلامه وهو مطبوع من ضمن سيرته رضي الله عنه، وله أيضاً ديوان شعري طُبع والحمد لله، ومن أشعاره هذه الأبيات:

أصبحت لله ضيفاً

والله للضيف يغني

أحسنت بالله ظني

أن يكشف السوء عني

يا عالم السر مني

لا تكشف الستر عني

ثالثاً: ذريته المباركة وبعض أعلام الزاوية الرفاعية بعدن
لما انتقل السيد أحمد الرفاعي إلى جوار ربه، تفرق تلاميذه هنا وهناك لتعليم الناس، والدعوة بالتي هي أحسن، كما انتشرت أسرة آل الرفاعي في بلدان العالم الإسلامي كالشام وفلسطين والحجاز والعراق ومصر واليمن، وقد حاولت البحث حسب الاستطاعة لمعرفة بداية دخول تلاميذه إلى اليمن، وبفضل الله وتوفيقه وقفت على معلومة تدلني على ذلك وجدتها في كتاب تاريخ ثغر عدن، الصفحة رقم (27) لمؤلفه المؤرخ الشهير عبدالله الطيب بامخرمة، حيث يقول: «ومنهم الشيخ أبوبكر بن الفقيه العالم أحمد بن أبوبكر بن إبراهيم الرنبول الأبيني المخزمي نسبه إلى بطن من كندة، تفقه عن والده، ثم تصوف وأخذ اليد عن أصحاب الشيخ أحمد ابن الرفاعي، وله في عدن رباط مشهور، وكان يدرس في الفقه، وتوفي بقرية المحل بأبين» انتهى كلامه يرحمه الله، قلت: ومما سبق نستفيد أن ذلك كان في حدود السبعمائة هجرية (القرن الثامن الهجري تقريباً)، حيث ذكر المؤرخ بامخرمة في موضع آخر من كتابه المذكور، عندما ذكر بعض تلاميذ الأب والابن ، أي بعد دخول السيد أحمد الصياد الرفاعي إلى اليمن بسنوات، وهو المقصود من قوله أحمد ابن الرفاعي والله أعلم، أي الحفيد وهو الصياد.

ولنختتم مقالنا بذكر مختصر عن آل الرفاعي وبشرط ترك ترجمتهم لشهرتها، ولكوننا إذا أردنا استقصاء ذكرهم وتراجمهم يطول الحديث، ويضيق المجال، ولنذكر بعض الشخصيات البارزة، حيث أن أول من تولى المقام بعد وفاة الإمام أحمد الرفاعي السيد علي بن عثمان، وكانت مدة تصدره للمقام خمس سنين وأشهراً، وتوفي يوم الأربعاء تاريخ 21 صفر سنة 584 هـ ، ثم خلفه السيد عبدالرحيم بن عثمان، فقام بعده بالمقام بأحسن قيام، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان يراعي حقوق الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويقول رحمه الله: «فرحي وتجارتي إذا فرح المسكين واليتيم» وكان يراعي من يخدم الفقراء، وكانت وفاته يوم الخامس من شوال 604هـ، حيث تولى بعده السيد إبراهيم بن علي الملقب بالأعزب، وكان يقنع بالدون من العيش في هذه الحياة الدنيا، وورد أنه ما رفع رأسه إلى السماء قط حياءً من الله وتواضعاً لله حتى انتقل إلى جوار ربه سنة 609هـ ، ثم جاء بعده الإمام الشهير السيد أحمد بن عبدالرحيم الملقب بالصياد المولود سنة 574 هجرية (أي قبل وفاة جده أحمد الرفاعي بأربع سنين) ولما اشتهر شأنه وعلا صيته وعظم أمره سافر سنة 622هـ إلى الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج وجاور بالمدينة المنورة مدة تسع سنوات، وبنى رباطاً في المدينة المنورة عُرف برباط الرفاعي، ثم رحل إلى اليمن وسكنها سبع سنين، وتزوج فيها من آل الملك الأفضل، وفي سنة 638هـ أقام في مصر ومكث في الشام حتى وفاته بها سنة 719 هـ وقبره هناك معروف، وأعقب ذرية مباركة يقال لهم آل الصياد الرفاعي نسبة إليه، منتشرين في بلدان مصر والشام والعراق والحجاز واليمن وغيرها.

ومنهم في عدن سلالته آل علي بن علي الرفاعي الصيادي الحسيني، والشيخ علي بن علي من كبار الشخصيات البارزة في القرن الثاني عشر الهجري، ولد بعدن ونشأ بها نشأة صالحة في محيط علمي مبارك، وظهرت عليه آثار تلك التربية المباركة متمثلة في سلوك حسن، وخلق حميد، وإقبال على الآخرة، وزهد في الدنيا، وتعشق للمعالي، ونفور من الرذائل، وقد عم الله به النفع لعباده، وأقامه في مقام الدعوة العامة ونفع به من الأمة بشراً كثيراً، وكان يقيم دروسه العلمية في جامع العيدروس بالإضافة إلى مسجد حسين الأهدل، وإلى حلقات الذكر التي تقام بالزاوية الرفاعية كل ليلة اثنين من الأسبوع، وظل على هذا المنحى المبارك حتى دعاه داعي مولاه ، فلباه، وذلك يوم 13 جمادى الأولى سنة 1313 هـ بعدن ، ودفن بكود الأسرار بالوهط تنفيذاً لوصيته، ويعد الشيخ علي بن علي الرفاعي رحمه الله من كبار رجال العلم والتربية والإرشاد في عصره، ومن أبرز مشايخ الطريقة المتأخرين بعدن، وجدير بالذكر أن الزاوية الرفاعية بعدن قد تأسست سنة 1212هـ في مكانها المعروف بحافة حسين الأهدل بكريتر عدن.

وبعد وفاة الشيخ علي خلفه في مقامه المبارك نجله الأكبر الشيخ محمد بن علي، ثم أخوه الشيخ عتيق بن علي المعروف بصلاحه وتقواه، ودماثة خلقه، ثم تولى بعده الشيخ الجليل الرجل الصالح أحمد بن علي بن عتيق الرفاعي المولود بعدن سنة 1338هـ، والذي كان نائباً لمن سبقه في المشيخة ثم تولى مقام المشيخة ولا زال حتى يومنا هذا، وهو غني عن التعريف اشتهر بتواضعه ولين جانبه فأحبه أهالي عدن ويعتبر اليوم (أبا الجميع) حفظه الله وأطال عمره في طاعته ورضاه.

وكان والده الشيخ علي بن عتيق من أعيان عدن ورجالها، وعُرف عنه رحمه الله تفانيه في خدمة الناس، وكان رجلاً صالحاً تقياً يعد أول من أسس جمعية خيرية بعدن.. واستمر على حبّه للخيرات والأعمال الصالحات حتى وفاته بعدن يوم الاثنين تاريخ 6 ربيع الأول سنة 1361هـ ، ودُفن بمقبرة القطيع بعدن. وفي ختام هذه السطور لا ننسى ذكر نقيب السجادة الشيخ الفاضل محمد بن محمد عز الدين المتوفى بعدن سنة 1366هـ ، رحم الله الجميع، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ورضي الله عن الصحابة أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى