وللحرية تبعاتها

> أحمد القمع:

> «في أعماق كل إنسان حتى أكثر الناس وحشية وقسوة قدر من الإنسانية، وبإمكان كل إنسان أن يتغير إذا لمست جوانب الخير في قلبه ونفسه. لم يكن الحارس شديداً بكل ما تعنيه تلك الكلمة، ولكن وحشيته فُرضت عليه من قبل نظام غير إنساني، كان يتصرف بوحشية لأنه كان يلقى مكافأة على وحشيته».

هذا ما قاله الزعيم الأفريقي نلسون مانديلا في سيرته الذاتية التي وضعها في كتاب حمل عنوان: «رحلتي الطويلة من أجل الحرية» وهو ما قام بترجمته إلى العربية الأستاذ عاشور الشامس واستدعى عرضه على صفحات مجلة «العربي»ü من قبل الأستاذ وديع فلسطين، الذي قال في معرض تناوله لهذا الكتاب:

«وكلما ازداد انخراط صاحب السيرة في العمل السياسي ازداد وعياً بأن الظلم ظلم سواء اقترف في حق أسود أو في حق أبيض.. وصار يعتقد أن الوطن يتسع لجميع من يعيشون فيه من بيض وسود وأقلية وأكثرية، وكانت الثمرة الناضجة لهذا التفكير هي إصداره ميثاقاً ينص على أن الشعب كل الشعب هو الحاكم، وأن لجميع الأفراد حقوقاً متساوية بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس، وأن الدعوة إلى التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، وأن جميع أبناء الشعب شركاء في ثروة الوطن وأن لجميع فئات المجتمع الحرية الكاملة في استعمال لغاتها الخاصة وحماية ثقافتها الشعبية وعاداتها. فالوطن يتسع للبيض والسود ولا عداوة بين هؤلاء وأولئك وليتضافر الجميع في سبيل بناء صرح الوطن كأنداد أمام القانون والمجتمع».

وكما نعلم فإن ثمة علاقة وطيدة جمعت - وإن كانت في أزمنة متقاربة أو متفاوتة - بين المهاتما غاندي ومارتن لوثر كنج ومانديلا حيث سارالزعماء الثلاثة من دون إذعان للظلم أو استسلام للخوف على درب التضحية، طريق الحرية في كفاح لا يلين ضد قوانين التفرقة العنصرية المسلطة على رقاب الملونين.

قُتل الاثنان غاندي وكنج برصاصات الغدر والخيانة والتآمر، وظل تراثهما الإنساني الخالد يُستمد منه الإلهام ويستخلص ويستفاد منه العبرة والدروس. وعاش مانديلا ليعلن في مسيرة كفاحه ورحلته الطويلة الملهمة بالتغني بالحرية:

«إن الحرية لا تتجزأ. فالأغلال التي تقيد واحداً منا تقيدنا جميعاً. والأغلال التي تقيد قومي هي أغلال تقيدني.. الحرية ليست مجرد التخلص من الأغلال ولكن الحرية أن تعيش حياة تحترم فيها حرية الآخرين وتعززها.. لقد سرت على طريق الحرية الطويلة وبذلت جهدي كي لا أتداعى أو أسقط وإن تعثرت خطواتي أحياناً. ولكنني اكتشفت سراً يقول: إن الإنسان الحر كلما صعد جبلاً عظيماً وجد من ورائه جبالاً أخرى يصعدها. والآن فإنني أستريح ولكنها استراحة محارب أستمتع فيها بما حولي من أمجاد وألقي ببصري إلى الوراء أتأمل الطريق الذي قطعت. استراحة المحارب قصيرة لأن للحرية تبعاتها ولا يسعني الانتظار لأن رحلتي طويلة لم تنته بعد».

العدد 478 - 1998م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى