نجوم عدن..أبوبكر سالم بلفقيه

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
كان عقلاً كله ولا يزال، إلا مما يفعله الزمن بالناس أجمعين: يحسبها بالخاطرة والشاردة والواردة، وبالكلمة والنغمة والتذوق وقياسات نبض الناس، وبالدينار والريال والفلس والدانق، وتراه أمامك لا يريم حراكاً يلعب «الورق» مع نفسه، ولكن رأسه يعمل كالرادار يلتقط السحب العابرة حاسباً مبتداها ومسراها ومأواها وأيان خراجها ومعادها، ولديه قدرة عجيبة على استمطارها منذ تعلم السياحة في الأجواء مع «ياطائرة طيري على بندر عدن».. ذلكم هو أبوبكر بن سالم.. وما أدراك ما أبوبكر بن سالم.

حين هبط عدن في النصف الثاني من القرن الماضي أثبت للتو أنه أحد مارشالات الصف الأول في عالم الغناء والتلحين وتوضيب الأشعار، وسرعان ما استوعب ذلك القروي المتمدن أجواء عدن ومناخاتها، وهو القادم من ظلال مئذنة المحضار الشهيرة التي بناها جده الشاعر الصوفي أبوبكر بن شهاب في تريم حضرموت، وقد جاء بزاده معه من هناك: أرغفة من الأناشيد الصوفية، وحاسة شعرية موروثة ودندنات تتردد أصداؤها في الجبال المحيطة بوادي حضرموت، ولكن عدن صقلته كما يفعل الجواهرجي الباريسي بيير كاردان بخام الألماس، فكانت معشوقته وكان معشوقها، كل شيء معقول، كل شيء مقبول إلا فراقك ياعدن.. وقد حملها معه حينما سار: يا حامل الاثقال خففها شوي.. ذا حمل ما ينشال.

والمرحلة العدنية في حياة ابوبكر هي الاساس الذي بني عليه صرحه الفني، وقد انطلق منها وبها ولولاها لما كان.

لقد أعطته عدن المحبة والثقة والطاقة التي لم ينفد مخزونها إلى الآن و«عَرْ» يأتي إلى عدن ولا يعود أربعين عاماً إلى أيام الهوى البحري والـ «فولكسن واجن» و«الشيطنة» على طريق البريقة، والسكن بجانب السينما الأهلية في «كريتر» حيث كان جارا لمحمد عبدالله الراعي الذي كان شريكاً لوالدي بالعمل في سيارة أجرة، وجاء ذات يوم إلى محلنا في شارع الحدادين ومعه «شيك» باسم أبوبكر سالم بلفقيه، وقد طلب من والدي وضعه في حسابه وتسليم قيمته نقداً لأن «الشاب أبوبكر» غير قادر على التصرف، وكأن أبي الذي لم يكن متابعاً للفن لم يتعرف على الرجل فسأل الراعي: وهل تعرفه جيداً؟ فتنطعت أنا وقلت: يابه فنان معروف. فإذا بشياطين الدنيا كلها تقفز إلى رأس الوالد: ومنذ متى يا قليل الحياء تعرف الفن والفنانين. والله لا يرويكم.. الله يسامحك يا بلفقيه.. وربما كان ذلك أول شيك من رزقه الجديد.

أبوبكر أيضاً عاطفة فنية كبيرة فيها بعض ملامح الخلود، ولأنه يتشبب دائماً فإن بينه وبين الزمن شيئا من التواطؤ غير المكتوب، وقد جاءته سيدة كويتية ذات حفل إلى الكواليس وقالت له: لقد حضرت الحفل الذي غنيت فيه للمرة الأولى «يا سهران ليه السهر» في أسبوع عرسي، واليوم أستحي أشوف وجهي في المراية بعد هذا الدهر الطويل وأنت مكانك تتنطط على المسرح.. أمسكوا الخشب.. يا ويح نفسي لا ذكرت أوطانها حنت.. حتى ولو هي في مطرح الخير رغبانه.

المهم .. إن صاحب «إلا فراقك ياعدن» هجرها إلى دنيا الله الواسعة: تُحدّثهُ عنها فتلمح ما يشبه الدموع في عينيه، وهل يستطيع إنسان أن يشتري أما غير أمه يا أبوبكر ولو كانت لديه أموال قارون: ويا سهران ليش السهر.. مالك فوق فرشك مقر.. تتذكر زمانك عبر.. حيا الله ذاك الزمان.. نختم بما قاله «كفافيس» الشاعر الاسكندراني اليوناني: اذا تركمت مكانك في هذا الركن الصغير من المدينة فلن تجد نفسك في أي مكان من العالم.. و: قول للزمان ارجع يازمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى