قصة قصيرة بعنوان (الواقع .. تماماً)

> «الأيام» جمال سالم حجيري:

> كان الاتفاق بيني وبين المدير على أن نلتقي صباح هذا اليوم ما بين الساعة التاسعة والعاشرة والنصف صباحاً، والمسافة الفاصلة بين منزلي وبين مقر عملي قصيرة، والوقت أيضاً قصير.. كان الباص ما زال منتظراً ليستكمل عدد ركابه المقرر لكي ينطلق.. أخذت مقعدي وتناولت صحيفة من كيس لوازمي الذي كان يحوي عدداً من المجلات والصحف وأشيائي الخاصة، وكذلك الأوراق التي كنت أنوي مناقشتها مع الأستاذ المدير حول وضع الإدارة وبعض أعمال المؤسسة وعمالها.. أخذت أقلب الصحيفة، وذهبت في قراءة موضوعاتها ولم أعد أشعر بما يجري حولي، وبينما أنا أقلب الصحيفة تسمرت عيني أمام مقالة وصورة لامرأة جميلة وإلى جانبها كيس من البلاستيك وبعض أشلاء إنسان مبتورة كل منها على حدة: الأيدي .. الأرجل .. القلب .. الرأس .. والأحشاء .. كانت مفصلة تفصيل جزار محترف.

أثارت الصورة اشمئزازي ودهشتي وكراهيتي لنفسي وليومي هذا الذي أنا فيه. سمعت رفيق المقعد يتكلم، التفتُّ إليه ونظرت نحوه نظرة الرجل المتألم الذي لا يريد أن يتكلم أو يتحدث إليه أحد قط. وإذا به يقول دون مقدمات: أنت لم تقتل من قبل ولم تشاهد أحداً يقتل أليس كذلك؟! كان ذلك مفاجئاً لي واستفزازاً لمشاعري .. بل هو اتهام مبطن وإذلال من شخص لا أعرفه.. جمعت أفكاري وما تبعثر من مشاعري وقلت له: من أنت؟ هل تعرفني من قبل حتى تخاطبني بهذا الأسلوب؟ فقاطعني قائلاً: نعم. وبكل برود راح يسترسل في الحديث عن ذكرياتي وعن الماضي والمآسي التي أصابتني، وعن بعض المواقف الأسرية الخاصة، وعن وضعي الاقتصادي وعن مشاكلي مع بعض الزملاء والزميلات. صار يفصلها كتلك المرأة الجزارة التي رأيتها على صدر الصحيفة، مما جعلني لا أحرك ساكناً أو أحيد بناظري عنه. فصرخت في وجهه: ماذا تريد مني؟ أنا لا أعرفك! فنهضت عن مقعدي، اعتقاداًَ مني أني أريد مغادرة الباص والنزول في المحطة ولم يخطر بظني أن الباص قد تحرك فعلاً. وأن المقعد الذي بجواري كان خالياً لا يجلس عليه أحد!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى