مع الأيـام...السلطة اليمنية .. والمعلمة الهندية (سوخ ديفي)

> نجيب محمد يابلي:

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
خرج سكان المعلا يوم الثلاثاء، 27 يونيو 2005م، ليعبروا عن حقهم من توريدات المياه في عقر دار الصيف القائظ (يونيو) ومنهم من خرج متسلحاً بحقه الدستوري في التعبير، مادامت تلك الوسيلة اجتنبت أعمال الشغب، ومنهم من خرج متسلحاً بالحديث الشريف: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» واختاروا الوسيلة الوسطى وهو الموقع الذي ارتضاه البارئ عز وجل لأمة محمد [، ومنهم من خرج غيرة على ماضي المدينة الطيبة التي لم تعرف مثل هذه الاختناقات المحسوبة على المكاسب والإنجازات.

مادام السكان خرجوا للتعبير عن استيائهم، وذلك من حقهم، وللتعبير عن مطالبهم وذلك من حقهم أيضاً، وماداموا لم يتجاوزوا الحدود إلى ما وراء ذلك، فكان حرياً بالسلطات أن تلتقط الهموم والمعاناة وتطيب خاطرهم بالوعود، ونحن أصحاب تجارب في الوعود الانتخابية، وبدلاً من ذلك أظهرت السلطة العين الحمراء وأشهرت العصا الغليظة تدعمها القنابل المسيلة للدموع، ولم تكتف السلطات بدموع السكان التي انهمرت وهم يرثون حالهم ويبثون شكواهم إلى رب العباد.

إن سياسة الأمر الواقع هي ديدن السلطات، ومن لم يقبل بها فقد اختار طريقاً لا يعلم بنهايته إلا عالم الغيب. انبرى قانون القوة ليتصدى لقوة القانون و«أبو القانون» (الدستور). إن العصا الغليظة بالمرصاد لكل من سولت له نفسه التمسك بالدستور أو بالحديث الشريف، وسيصنف كل من تمسك بذلك بالساذج المغفل الذي اعتقد أن الحديث الشريف أو الدستور وسيلتان شافعتان له عند ربه أو حاكمه.

عادت بي الذاكرة وأنا أتابع مجريات الأمور في المعلا إلى مجلة (المعرفة) السعودية في عددها الصادر في نوفمبر 2004م، التي أوردت موضوعاً موسوماً (في ضبط الصف المدرسي : الإدارة بالغضب) لكاتبه مصطفى محمد ياسين (ص 156)، حيث عرض الكاتب حكاية معلمة هندية اسمها (سوخ ديفي) التي تجردت من كل القيم الإنسانية والتربوية فخالت أن العصا والعصا وحدها هي السبيل إلى التعامل مع أطفال أبرياء لم يتجاوزوا سن التاسعة، مرحلة نعومة الأظفار.

دخل الوحش المفترس (ديفي) حجرة الدراسة في الصف الثالث ابتدائي، وكعادة كل معلم باشرت سؤالها الأول: أين واجباتكم؟ وكان من سوء طالع الطفل البريء «آجاي ياداف» أن قال إنه أغفل عمل واجبه المنزلي. فانطبقت السماء على الأرض واندلعت نار الهستيريا في أحشاء الوحش المفترس، الذي انهال بعصاه على فريسته من دون رحمة، وظن الطفل البريء أن العملية الحيوانية انتهت عندما مسح دموعه وحمل آلامه إلى مقعده، لكن الوحش المفترس باغته بأن انقض على وجهه ليفقأ عينه ويفقده بصره.

وقف القضاء الهندي على أطراف أصابعه مديناً ومستهجناً ولاعناً الوحش (سوخ ديفي) وقضى بدفع تعويض قدره (50) ألف روبية، وهو مبلغ كبير في الهند. انتهت الكارثة عند ذلك الحد.

إن سياسة العصا الغليظة والإذعان للإلغاء والتهميش والظلم والقهر مآلها الانهيار تحت أقدام السكان من دافعي الضرائب والمستهدفين الأساسيين من مؤشرات التنمية البشرية وبهم ترتفع السلطات إلى السماء، وبهم تهوي (السلطات) إلى الأرض.

أعزاء وعزيزات من مديرية المعلا شكوا لي حالهم مع إمدادات المياه الخاضعة للمتابعة آناء الليل وأطراف النهار، وقالوا عن حالهم ما لم يقُله مالك في الخمر.

العالم من حولنا يتغير، وعلينا مواكبة تلك المتغيرات، ولتكن البداية بإسقاط العصا الغليظة واحترام آدمية الإنسان.

والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى