قراءة «الأيام» لمشروع قانون الصحافة والمطبوعات

> «الأيام» خاص:

> توطئة1- قامت دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م على ركيزتين وهما: الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، وجسدت ذلك في دستورها، حيث تنص المادة (5): يقوم النظام السياسي للجمهورية اليمنية على التعددية السياسية والحزبية وذلك بهدف تداول السلطة سلمياً.. إلى آخر المادة.

أما المادة (6) فقد أوغلت في حقوق الإنسان والتي نصت: تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الجامعة العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة.

كما جسد الدستور إنسانية الإنسان حيث تشير المادة (42) «لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون».

أما مادة (53) فقد عززت حرمة العمل الصحفي عندما أشارت: «حرية وسرية المواصلات البريدية والهاتفية والبرقية وكافة وسائل الاتصال مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبينها وبأمر قضائي».

أما المواثيق الدولية من اتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات التي صادقت عليها فبلغت (56) وثيقة منها ميثاق الأمم المتحدة (راجع المادة 6 من الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).

2- التطور سنة الحياة: إنها سنة الحياة أن يتطور الإنسان وسنة الحياة أن التراكم الكمي يولد تراكماً نوعياً بتقادم الزمان على قاعدة التجربة والخطأ TRIAL & ERROR ، ونظم عمل الصحافة القانون رقم (25) لسنة
1990م ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الجمهوري رقم (49) لسنة 1992م.
إلا أن المفاجأة الكارثة أن يقع بين أيدينا مشروع قانون يضع قيوداً حول معصمي الصحفي، ويعود بنا القهقرى في عالم تتسارع وتائر مسيرته صوب الجديد الذي إن تعثرت مواكبتنا له سنظل مراوحين حيث نحن، والقادم الجديد له براثن وأنياب ستمزقنا إرباً وكل ما علينا عمله «الكف عن لعب العيال».

قراءة المشروع
1- يلاحظ أن القانون رقم (25) لسنة 1990م شملته الصفحات الواقعة بين ص (17) وص (54) من الورق المتوسط، في حين أن المشروع الجديد شملته (16) صفحة من الورق الكبير.. فماذا حمل ذلك الكم؟

2- في فصل التعريفات أن الصحفي هو «عضو النقابة المسجل فيها» والنقابة هي نقابة الصحفيين اليمنيين، أي أن معظمنا غير صحفيين من ناحية، وأن نقابة الصحفيين اليمنيين هي قدرنا الذين لا فكاك منه، كما أن من حق الصحفيين تأسيس كيان خاص بهم، إذ لو فرضنا أن السلطة أو أحد أحزاب المعارضة أراد فرض كيان صحفي علينا فهل نستسلم؟ الواقع الدولي يقول عكس ذلك.

3- وفي الفصل الثاني (مبادئ عامة) ورد أن «الصحافة وسيلة للرقابة الشعبية على مؤسسات المجتمع من خلال التعبير عن الرأي والنقد ونشر الأخبار والمعلومات...» ومن ثم زرعوا لغماً بإضافة في إطار العقيدة الإسلامية والأسس الدستورية وأهداف الثورة اليمنية، والإضافة حمالة أوجه كما قال الإمام علي ] ، أي أنها سلاح ذو حدين قد تطال الصحفي في حالة تكييفها.

4- وهناك مادة في نفس الفصل: «الطباعة حرة وتمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع وعليها احترام الحقيقة.» إلى هنا والصياغة قانونية ومنطقية إلا أن لغماً زُرع بإضافة «والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة» والعبارة الأخيرة ستمنع الصحفي من تناول قضايا الثأر وإحلال العرف القبلي محل القانون كما حصل مع قضية المنقذ.

5- في صدر الصفحة (3): «حرية التعبير عن الرأي والفكر دون قيود إلا ما تعلق بأمن الدولة والمجتمع والقيم والأخلاق وعلى الوجه المقرر قانوناً». هذا نص مكمم للأفواه ولغم ينفجر من تحت قدمي من وقع فيه.

6- في الفصل الأول من الباب الثاني: شروط العمل الصحفي، هناك نص: «أن يكون مسجلاً ومقيداً اسمه في جداول قيد الصحفيين في النقابة» بينما الصحفي هو المعتمد في أي صحيفة ومجموع هذه البيانات تشكل جداول قيد الصحفيين في النقابة ولا حاجة للالتفاف على الصحف والصحفيين.

7- في الصفحة (4) هناك مادة نصها «يحدد شكل البطاقة وبياناتها وطريقة منحها وتجديدها وسحبها وإلغائها بلائحة يصدرها الوزير». الغريب في الأمر أن يتدخل وزير في آليات عمل النقابة، وإذا كانت هناك قيود يريد الوزير طرحها أو فرضها فيستحسن أن تكون ضمن لائحة الوزارة بعد مناقشتها مع نقابة الصحفيين، حتى نكفل استقلالية العمل النقابي.

8- وفي الصفحة نفسها هناك مادة مطلعها «للصحفي الحق بالاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته... إلى آخر المادة» تم نسف ذلك الحق عندما أشارت المادة إلى إفشاء تلك المصادر بأمر قضائي، أي من خرج من الباب يعود من النافذة.

9- وفي الصفحة السادسة هناك مادة نصها «لوزارة الإعلام الحق في منح بطاقة للصحفي المراسل المعتمد أو إلغائها أو سحبها أو تجديدها أو إلغاء الترخيص بدون إبداء الأسباب» وهي مادة تتنافى مع روح القانون والمنطق.

10- في الصفحة السابعة هناك المواد الثلاث الأولى منحت النقابة بموجبها سلطة القانون الممنوحة لوزارة العمل، لأن الأصل في علاقة العمل هو عرض مقدم من صاحب العمل يقبله أو يرفضه طالب الوظيفة، أما مضمون العقد فهذا من شأن وزارة العمل أو مكاتبها في المحافظات، والنقابة في جميع الأحوال ليست هيئة تحكيم، والتي يحكمها القانون والأعراف التجارية.

11- وفي الصفحة نفسها هناك مادتان قبل السطور الأربعة الأخيرة تتعلقان برأسمال الصحيفة والمؤسسة الصحفية، وحددتا الرأسمال الأدنى والرأسمال الأعلى، وحدث خلط بين سلطتي الوزارة والنقابة لأن الوزارة يحكمها قانون والنقابة يحكمها نظام أساسي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وقعت المادتان في خطأ قانوني عندما حددتا مكان الإيداع في أحد البنوك اليمنية مع أن هناك عربية وأجنبية عاملة وتمارس عملها بموجب القانون اليمني، وحبذا لو استبدلت العبارة في أحد البنوك العاملة في الجمهورية اليمنية.

12- وفي الصفحة (8) هناك مادة قبل السطور العشرة الأخيرة منحت ثلث أعضاء مجلس الإدارة حق امتياز إصدار الصحف، وستخلق المادة إرباكاً للعمل داخل المؤسسات الصحفية، فلو أن أعضاء المؤسسة (6) سيصبح من حق اثنين إرباك المؤسسة وسيفتح المجال أمام الابتزاز أو الاختراق، وهي ظاهرة موجودة في البلدان المتخلفة.

13- في الصفحة (9) هناك مادتان كررتا نفس الخطأ الذي أشرت إليه في الملاحظة (11).

14- وفي السطر الأخير من الصفحة نفسها أدخل الوزير نفسه شريكاً في رأسمال المطبوعة أو المؤسسة، وكان من حقه بدلاً من ذلك فرض رسم محدد مقابل إصدار التراخيص.

15- في صدر الصفحة (10) هناك مادة تشكل انتهاكاً واضحاً لحقوق مالك الصحيفة أو المجلة، لأن لا قيود على سياسة المطبوعة إلا تلك التي حددها القانون.

16- أما المادة التي تلتها فهي باطلة لأنها بُنيت على باطل.

17- في الصفحة (11) هناك مادة تتنافى مع الأعراف الصحفية والتي تجيز لرئيس التحرير رفض نشر أي مادة ويجوز لصاحبها مقاضاة رئيس التحرير.

18- وهناك في الصفحة نفسها مادة تنظم لائحة شروط منح تراخيص ورأسمال ونسبة من قيمة رأس المال مقابل الحصول على تراخيص، وأعطى الوزير لنفسة حقاً لا يستحقه وذلك تكرار للخطأ الذي تطرقنا إليه في الملاحظة رقم (14).

19- وفي الصفحة نفسها هناك مادتان من الفصل الثاني:

أ- تتعلق الأولى بحظر قبول المساعدات من أي جهة غير يمنية. وستثير هذه المادة جدلاً كبيراً.

ب - قضية نشر ميزانيات الصحف وتتولى الجهة الإدارية المختصة مراجعة ذلك بصفة دورية. وفي رأيي أن هذه المادة مسيّسة ومصممة لخلق المتاعب لصحف معينة وستترك الحبل على الغارب لصحف أخرى، علاوة على أن المادة غير دستورية، لأنه من يملك الحق على مراقبة صحف معارضة أو مستقلة؟ والأجدر بالسلطات المختصة أن تراقب سلامة التصرف بالمال العام الذي يمنح للمؤسسات الصحفية الرسمية.

20- ينبغي إعادة صياغة وتسمية القانون بـ «قانون تنظيم الصحافة والمهن الصحفية»، وأن يتصدر القانون نظام أساسي ينظم علاقة الأعضاء بها وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى، وتحدد حقوق وواجبات الصحفيين في سياق ذلك النظام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى