مواطنون بلا ماء وشباب في طوابير البطالة ومستشفيات بلا أدوية ، ومستقبل مجهول للجميع

> لطفي شطارة:

>
لطفي شطارة
لطفي شطارة
نشرت صحيفة «الأيام» يوم الاثنين الماضي وعلى صدر صفحتها الاولى خبرا مدعما بالصور لمتظاهرين كانوا يهتفون غضبا عن حاجتهم للماء ، خبر «الأيام» كان موازيا لموضوع نشرته الاسبوع الماضي صحيفة «الصن» البريطانية عندما اقتحم صحافي تنكر بصفة (باحث) كلية سانت هيرتس العسكرية العريقة في ضواحي لندن ، التي يتلقى فيها الآن الامير هاري حفيد الملكة اليزابيت الثانية تعليمه ، نزل الخبر كالصاعقة على أجهزة الامن التي تتولى حراسة أعرق أكاديمية عسكرية في العالم ، لان الصحيفة كشفت الخلل الموجود في تلك الاجهزة ، فأعلنت حالة الطوارئ ليس في الاكاديمية فحسب ، بل وفي أجهزة الاسكتلنديارد التي تتولى ترتيب الحراسة على كبار الشخصيات ، فما بالك بكلية يتلقى فيها أحد أفراد العائلة المالكة تعليمه فيها، ومن ثم ستتساقط رؤوس في الاجهزة الامنية البريطانية على تلك القصة التي ابتدعها صحافي ونفذتها صحيفته ليثبتوا ان أي ارهابي يمكنه فعل ما يشاء بل وينسف حتى المكان الذي يوجد فيه الامير هاري بدون ان يعلم به أحد ، ظل خبر «الصن» لمدة ثلاثة أيام تلوكه جميع وسائل الاعلام في بريطانيا ، وخرج كبار الضباط ليبرروا هذا التقصير ، متعهدين ببذل كل جهودهم من أجل ان لا تتكرر هذه «الكارثة» بالنسبة للاجهزة الامنية حتى ولو كلفها ذلك اجراء تغييرات جوهرية في سياستها لحماية كبار الشخصيات ، والمؤسسات والمنشآت الهامة .

فضح خبر «الأيام» كثيرا من وسائل الاعلام في بلادنا ، خاصة المواقع الاخبارية المنتشرة على شبكة الانترنت ، ففي الوقت الذي كان فيه خبر «الأيام» مدعما بالصور لان الواقعة لم تكن في مكان صعب الوصول اليه ، بل في شارع عام استمرت وقائعه اكثر من 12 ساعة ، امتنعت كثير من وسائل الاعلام في اليمن حتى عن كتابة الخبر ، بل ان جميع المواقع الاخبارية على الانترنت لم تعره أي اهتمام ، فكانت منشغلة بوصول وزراء خارجية الدول الاسلامية وكأن المؤتمر سيقلب حال العالم الاسلامي الذي تنهش كل دولة فيه دولة أخرى ، مشاكلهم لا حل لها ، وشعاراتهم وخطاباتهم مكررة ومتكررة في كل مؤتمر مع فارق موعد ومكان الانعقاد .

كل المواقع الاخبارية انشغلت بما دار في احد المنتديات في صنعاء والذي تركز على (دية المرأة) ، رغم ان هناك نساء في عدن كن على قيد الحياة خرجن الى الشارع بحثا عن الماء ، والبعض الآخر عاد وبعد 48 ساعة من وقوع الحادثة لنشر خبر صغير ليس الا .

أطفال الشيخ اسحاق وجبل القوارير ونساء ورجال المعلا ، والى جانب صحيفة «الأيام» كشفوا علنا الازدواجية في الاعلام، ونفاق الصحافة و الصحافيين في التصدي للقضايا الجوهرية والملحة التي يحتاجها كل مواطن .

لم يكلف موقع اعلامي واحد نفسه في نقل صرخات المتظاهرين الى السلطة التي تسخر الملايين من المال العام من أجل المؤتمرات والندوات العربية والاقليمية، التي لا ينتج منها الا بيانات ينتهي مفعولها بانتهاء الفعالية نفسها ، بينما هناك أناس لايزالون ونحن في القرن الـ 21 ينقلون الماء عبر الحمير والجمال في العاصمة الاقتصادية والتجارية لدولتنا الفتية .

«الصن» البريطانية فضحت الاجهزة الامنية ، و«الأيام» فضحت الاجهزة الاعلامية اليمنية ، فالمقارنة واضحة في بلد أقام الدنيا ولن يقعدها الا عندما يتصحح الخطأ ، وفي بلد لو أقمت الدنيا وأقعدتها في كشف البلاوي التي فيها وبالحقائق ، فلن تجد من يسمعك ، فالكل مشغول في التلميع والتطبيل وحمل الدفوف والرقص على أنغام ألحان السلطة .

لو خرج الاطفال في أي بلد آخر والنساء ايضا بحثا عن الماء لسقطت حكومة بكاملها ، الا في بلادنا حيث العجين الذي يصم آذان مسؤولينا من نوعية ذات جودة لا تجد نظيرا لها الا في افريقيا حيث الفساد والاهمال هما سمة كثير من البلدان .

موضوع المياه وشحته في بلادنا لا يمكن تبريره اطلاقا في ظل الاهدار الفاضح للمال العام في فعاليات ومناسبات واحتفالات لا تسمن ولا تغني من جوع ، لقد استوقفتني ما قالته لمندوب «الأيام» الوالدة أم محمد عيدروس، من سكان الحي نفسه فتقول : «نحن لا نطلب غير توفير الماء للمواطن فهل هذا مطلب غير مشروع، والغريب الفاتورة قد جاءت هذا الشهر 3300 ريال رغم أن حنفية الماء تضخ هواء بدل الماء وأصبحنا على يقين ان الفواتير التي تصلنا غير صحيحة والا من أين يأتون بهذه المبالغ والماء أصلا غير موجود، واحكموا بأنفسكم هذا هو اليوم الثالث على التوالي لم يصل الماء إلى منطقتنا». وأضافت: «حياتنا أصبحت عبارة عن أزمة معيشية نتيجة تردي الخدمات، وأنادي عبر صحيفتكم المسئولين وأقول لهم اعتقونا».

أي مسؤول في حكومة تحترم شعبها لن يبقي لحظة واحدة في منصبه بعد هذه الفضيحة ، وأي دولة يخرج فيها الناس الى الشوارع ليطالبوا بحقوقهم المشروعة والآدمية كالماء والكهرباء والدواء ، لن تبقي ساعة واحدة مسؤولا فيها له دور في هذا التقصير ، دولة يموت فيها الناس بالعشرات مرة من «حمى الضنك» ومرة من «حمى الوادي المتصدع» ناهيك عمن يموتون من «حمى الحكومة اليمنية» التي تفتك بالناس بسبب الغلاء والقهر من نهب المال العام والمتاجرة بالاراضي وازدياد طابور العاطلين وغياب رؤية واضحة للمستقبل عند الدولة لكثير من الشباب ، بل والكارثة غياب الدولة نفسها عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها. ليس من العيب ان تعلن الدولة حالة الطوارئ لمعالجة كل قضاياها بدءا من شحة المياه مرورا بانتشار السموم في الزراعة وانتهاء بالنصب والفهلوة التي تمارسها مؤسسات كثيرة لابتزاز المواطنين ومن بينها مؤسسة المياه التي فضحتها الوالدة أم محمد عيدروس ، فيجبروها على دفع فاتورة على ماء مبخر أي غير موجود.

بل العيب الذي يرتقي الى مستوى الجريمة أن تبقى حكومة يركب مسؤولوها السيارات الفارهة، ويسكنون الفلل المحصنة والمكيفة ، بل ويحددون مرتباتهم من خزائن مؤسساتهم ، ولكن هذا العيب لا يعرف طريقه الى قاموس بلادنا ، او بالاصح لا معنى لها اطلاقا .

«الأيام» اجتهدت وأحبطت لانها كمن يغني بجنب أصنج ، و«الصن» حققت ونجحت لانها جهزت وأعدت وقدمت الدليل لعتاولة البرلمان البريطاني الذين أشبعوا رئيس الوزراء توني بلير أسئلة من كل جهة حول هذه الحادثة التي لم يستطع الا الاقرار بها والتأكيد على معالجتها وبجدية.

في بلادنا أعتقد ان غالبية مسؤولينا لم يسمعوا حتى نشر هذا المقال لا بالمسيرة ولا حتى بمنطقة اسمها الشيخ اسحاق وجبل القوارير ناهيك عن عدم علمهم ان الماء فعلا لا يصل الى بيوت الملايين من الناس ، والكارثة انهم باقون في مناصبهم بل وحتى نؤكد انهم لا يخجلون فمرتباتهم في ارتفاع مستمر ، ومعيشة وصحة واحتياجات الناس في تدهور خطير ، والله المستعان .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى