أحمد عنوبة رائد الشعر السياسي في أبين

> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:

> لقد ظل الشعر العامي مرتبطاً بالشعر الفصيح، ومحتذياً أغراضه منذ زمن بعيد، غير أن بعض الأغراض كانت أكثر دوراناً على ألسنة الشعراء، مثل المديح والغزل والرثاء وأغراض قليلة التناول، مثل الشعر السياسي، ولعل التجربة والاتجاه الذي ينحوه سبب في قلته، فهو الشعر الذي يحمل قضية ويدافع عنها -دوماً- مهما كانت الظروف المحيطة.

ومن خلال قراءتي للشعر العامي في أبين، بدا لي أن الشاعر أحمد عنوبة يمثل مرحلة الريادة في الشعر السياسي في أبين؛ فقد طغى غرض السياسة على شعره، بل وعلى الشعراء الذين عاصروه أمثال: أبوقرنين، وأحمد عمر مكرش، والمشطر، والخدش، وباسحيم، والعرماني، والبلعيدي، والجابري، وباعديل.. حتى كان ديدنه في حياته وسجنه وغربته.

والشعر السياسي برز عند عنوبة - بشكل أكبر- في مرحلتين تاريخيتين:

أولاً: مرحلة السبعينيات: تميزت هذه المرحلة بأحداث سياسية جسيمة، كانت سلبياتها أكثر من إيجابياتها، لذا أثرت في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. وكانت سبباً في اضطراب اليمن في المراحل اللاحقة. وقد صور لنا عنوبة ذلك في قصائد ساخرة توحي بانهيار تلك المرحلة منها:

قال أحمد عنوبة حبل في رجلي التوى

مدري من الله أو من العدوان حد سواه

سخيف العقل من يذكر زمانه ذي مضى

غلطان من يذكر زمانه ذاك ذي مضاه

قال أحمد لقيت الماء ونا ميت ظما

لا ذقت شيء منه ولا شليت في مسقاه

قال أحمد في الدنيا ذرى لما ذرى

ماشي نبت لي جمل يمكن فاتني مذراه

حتى الكلب ينفع صاحبه وسط الخلاء

ونا معي معروف ما ينفع بحلبة شاه

نلحظ تضافر المعجم والصورة والموسيقى في هذه القصيدة لتوحي بالخطر المفاجئ الذي يكبح بصاحبه، وهو بكل ذلك يجسد أزمة النظام ويرى سقوطه قبل أن يسقط.

فمفردة (التوى): مفردة فصيحة، يقال لواء الحية انطواؤها. ولاوت الحية الحية لواءً التوت عليها.

كما جاءت الصورة الشعرية في القصيدة عبارة عن صورة متنامية، حاول الشاعر أن ينميها لتصل إلى درجة اليأس وفقدان الأمل (حتى الكلب)، وفي ذلك إيحاء بتغير الحياة في الوضع الراهن آنذاك، وجاءت الموسيقى لتؤكد المعجم والصورة، إذ تدل على الصيحة والانفجار من الأوضاع، وفي الوقت ذاته توحي بانفجار الوضع وسقوطه.

ثانياً: مرحلة الثمانييات: جاءت هذه المرحلة، وكانت امتداداً تاريخياً وسياسياً للمراحل السابقة، لذا آن لها أن تسقط في ظروف معينة، والشاعر عنوبة جاهر تلك الأوضاع قبل انهيارها قائلاً:

قال أحمد عنوبة لص يامسؤول لص

خلي المراوح تشتغل والكهربا لاصي

مابا حد يكلمني ونا سكران فص

ماشل شي من كأس حد سكران من كاسي

ماشي زاد في قلبي ولا مني نقص

أنا مكاني ذاك متقايس بمقياسي

فكوا لي من القرطاس واعطوني نفس

وإلاّ خلوني مقرطس جوف قرطاسي

قال أحمد عنوبة يستعدون الحرس

يمشوا على ماقال هذا القايد الروسي

يجهر عنوبة دائماً بشخصيته (قال أحمد عنوبة) معلناً التحدي والقوة، وعدم التستر وراء قضايا الشعب، فقد استخدم صيغة الأمر (لص، خلي، فكوا، اعطوني، خلوني) ليوحي بأعلى درجات السخرية من أولئك الحكام المسيرين، ثم يعرج إلى حالة الغباء التي رضي بها الشعب غصباً عنه (فكوا لي.. وإلاّ خلوني) فالحلم قد يعرضه إلى مواقف خطيرة كقوله في قصيدة أخرى:

ياما آدمي عاقل وعقله يحنبه

زايد على الغشمان تعمد حنبة العقال

لذلك ارتضى عنوبة أن يكون لسان حال شعبه في الضراء مهاجماً الحكام، لا لغرض السلطة أو المال، بل لحياة يحيطها الأمن والاستقرار والازدهار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى