في منتدى (بن شامخ)..الشيخ محمد الكالف:الأغنية الصنعانية اقتبست اصواتاً من الأناشيد الصوفية بحضرموت

> «الأيام» مختار مقطري:

> عصر الخميس الماضي 30/6، استضاف منتدى (بن شامخ) بمديرية المعلا، الشاعر والملحن والمنشد القدير الشيخ محمد محفوظ سكران الكالف، ليتحدث عن الأناشيد الدينية اليمنية في بعدها التاريخي باعتبارها تراثاً وجدانياً عقائدياً لم يزل ينبض بالحياة، ويمارس إلى اليوم في شكله القديم كموروث شعبي، وفي بعدها الابداعي المتصل بالغناء باعتبارها المنبع الأول الذي تفتقت فيه نواة هذا الفن .. وفيما يلي مقتطفات من هذه الفعالية الرائعة.

أعترف بأني لن أنجح في تقديم تغطية شاملة او شبه متكاملة لهذه الفعالية، فكل ما قيل فيها مهم، وكل ما لم يقل فيها أشد أهمية لارتباط موضوعها (الاناشيد الدينية) في بعدين من أبعادها المتعددة -وردا في المقدمة - بأخصب مرتع وأشدها جدلاً اليوم من مراتع التراث، هو الغناء اليمني. ضف أن اختيار منتدى (بن شامخ) للشيخ محمد الكالف المولود عام 1932م بمدينة الشحر بحضرموت ضيفاً للفعالية، وهو الشاعر والملحن والمنشد القدير وصاحب إسهامات في تجديد الأغنية الحضرمية، كان لا بد أن يؤسس في موضوع الفعالية منطلقات لمواضيع أخرى. ويطرح أسئلة كثيرة على المتخصصين في دراسة وتوثيق التراث في جانب الغناء اليمني، لتقديم إجابات لها للكف عن تصنيف ألوان الغناء اليمني ومنحها مسميات وفقاًً للأهواء والرؤى الضيقة والدراسات القاصرة عمداً أو غير المتخصصة التي يروج الإعلام الرسمي لها ولتصنيفها ومسمياتها.

صلاح بن جوهر
صلاح بن جوهر
وفي مقدمته الرائعة التي افتتح بها الفعالية الإعلامي القدير صلاح بن جوهر، الذي أدار الفعالية باقتدار مثقف وحماس واع بموضوعها، أشار الى أهمية الموضوع مما «يفرض على المهتمين الموجودين طرح الاسئلة في محاولة لتلمس الى أي مدى كان للموشح الصوفي (لم أتقبل حتى الآن إحلال تسمية الموشح الصوفي محل الأناشيد الدينية عامة) على مستوى المشهد الإسلامي إن جاز التعبير في خضم تواصل مثل هذه الأشكال الإبداعية الفنية التي يتبناها عدد من علماء اليمن ويتبناها عدد من العلماء على مستوى شرق آسيا وشرق افريقيا، وبالتالي اسهم الموشح الصوفي في تقريب وجهات النظر فيما يطرح على مستوى الساحة حينذاك».

وعن سيرته الفنية قال الشيخ محمد الكالف إنه بدأ مغنياً في جلسات الشعراء (السمر) فغنى للمحضار، سعيد سالم زحفان، عمر ابو مهدي المسلمي (شقيق الفنان عوض المسلمي)، الشيخ احمد باوزير وغيرهم، و«أدى احتكاكي بهم إلى قولي الشعر فشجعوني كلهم وتحديداً الشاعر سعيد سالم زحفان». أما عن بداية مشواره في الشعر الغنائي والتلحين فجاءت بدعوة وجهها شيخ الفنانين بحضرموت له وللمحضار وأحمد باوزير بتلحين قصائدهم لتصلح للغناء بمصاحبة الآلات الموسيقية، فلبوا الدعوة وأقيم حفل في الشحر قدم فيه ثلاث أغنيات بصوت سعيد عبدالنعيم منها (يا أحلى بستان) فأعجب المحضار بلحنها ووضع له كلمات أخرى فوافقت، لأن كلماته كانت أفضل وأقوى من كلماتي ، وهي الأغنية التي اشتهرت بعد أن غناها أبوبكر سالم بلفقيه (يا أحلى بستان قد طاب مجناك)، وهكذا فعل المحضار بأغنيتي (ربنا يرحم عبيده) وقدمت مع المحضار أعمالاً مشتركة مثل (صابر قلبي المتعوب)، التي غناها محمد جمعة خان بكلمات المحضار ومطلعها (بعيد العصر فوق الدرب قابلنا) ومن أعمال الشيخ الكالف غنى كثير من الفنانين مثل (مابانساهم) لكرامة مرسال، (اهيف لقيته) لعبدالرحمن الحداد، إلى جانب محفوظ بن بريك ومفتاح سبيت كندارة وعمر غيثان وغيرهم، ومن دول الخليج الفنان عبدالقادر علي العيدروس وخالد الملا أغنية (عمل بالصدق والكاذب يبان) لكنه للأسف، كما يقول الكالف: «لم ينسبها لي وحرمنى حقوقي المادية والأدبية». وكان الشيخ محمد الكالف قد آثر تأجيل الحديث عن الاناشيد الدينية ليختم به الفعالية التي انتهت قبل أن يفعل، فالرجل شاهد على تاريخ، وكل جانب يتحدث فيه يحتاج لفعالية مستقلة، ولأن المتداخلين أهملوا موضوع الفعالية كما حدده صلاح بن جوهر في مقدمته الرائعة باستثناء الفنان عصام خليدي كما سنرى، فقد اضطر الشيخ محمد الكالف إلى الاسهاب في الحديث وتقديم النماذج بصوته القوي والنقي لتوضيح مميزات الدان الحضرمي في الساحل والداخل، فتحدث عن (الشواني والدحيفة والنوح) وغيرها مع ضبط ايقاع كل صوت للدان بغلاف شريط كاسيت على وجه طاولة خشبية صغيرة، وكان من المثير أن عدداً من اصوات الدان الحضرمية التي قدمها فيها خصائص عدة وتشابه كبير بالموشح اليمني الذي يطلق عليه اليوم بالغناء الصنعاني، فإذا كانت الاناشيد الدينية هي مصدر الدان الشعبي كما هي مصدر الموشح، فأيهما سبق الآخر إلى التشكل والاستقلال في لون غنائي منفرد؟ وإذا كان الدان غناء شعبياً بسيطاً تولد عن حاجة الناس للغناء في المناسبات الاجتماعية المرتبطة بعادات وتقاليد فئة معينة في منطقة معينة مقارنة بالموشح المحكوم بالصنعة استدلالاً باسمه على الاقل، فهل لنا أن نقول إن الموشح اليمني المسمى بالغناء الصنعاني قد أخذ شكله الفني مستفيداً من الدان في حضرموت وفي مناطق أخرى من اليمن، وبالتالي تصبح تسميته بالغناء الصنعاني خطأ فادحاً وتصنيفاً غير علمي ، وينبغي تصويبه إنصافاً للتاريخ والعلم والفن؟ سؤالان أطرحهما للمتخصصين والمهتمين لعلي أفتح بهما بابا لنقاش مثمر في هذا الموضوع على هذه الصفحة من «الأيام».

عصام خليدي
عصام خليدي
وقال الفنان عصام خليدي في مداخلة جميلة، إنه من خلال نماذج أغاني الشيخ محمد الكالف ونماذج الدان التي قدمها أستطيع القول ..أولاً: إن كل النماذج التي استمعنا اليها فيها مسحة صوفية في الغناء، وهناك تشابه كبير في تراكيب الجمل الموسيقية يحاكى به غناء الدان الحضرمي وايضاً غناء الموشح اليمني الصنعاني، ثانياً: سلامة مخارج الألفاظ والكلمات وقوة ووضوح الصوت، ثالثاً: اسلوب الاداء بمنهاج الغناء والتلحين المذهبي الذي يعتمد على مذهب واحد، ولكن تتوفر فيه عناصر العمق والغزارة والشجن وكثافة العرب (بضم العين وفتح الراء)، والحليات الصوتية التي لا يملها المتلقي. وعاد عصام خليدي ليسأل الشيخ محمد الكالف عن جذور الموشح اليمني وعلاقته بالدان الحضرمي، مستأذناً إياه أن يسمعه نماذج من الإيقاعات الحضرمية التي وظفها في ألحانه، فقدم له نماذج على ايقاعات (المشقاصي والزربادي والعدة)، اما سؤاله فقد أعاده صلاح بن جوهر على مسامع الشيخ محمد الكالف بعد صلاة المغرب، لكن بن جوهر وحرصاِ منه على تفعيل الحديث عن موضوع الفعالية وضع الأناشيد الصوفية محل الدان الحضرمي في سؤال الخليدي، فأجاب الشيخ أن الموشحات الصوفية ظهرت منذ مئات السنين، وعليه تكون الأغنية الصنعانية اقتبست بعض (الأصوات) من الموشحات الدينية، وقدم نموذجاً في نشيد ديني يغنى عند ختام التلميذ حفظ القرآن الكريم، وكان لحن النشيد مطابقاً لما نسمعه في الأغنية الصنعانية.

وأختتم هذه التغطية الفاشلة بما طرحه الفنان المسرحي القدير سالم العباب بأن على أجهزة الإعلام الاهتمام بتوثيق التراث من أفواه الشعراء والملحنين الكبار الحافظين للكثير منه، وأن على تلفزيون عدن أن يستغل وجود الشيخ محمد الكالف في عدن لتوثيق كل ما يحفظه من التراث في جانب الأناشيد الصوفية والدان الحضرمي، فأجاب الشيخ أن أجهزة الإعلام غير مهتمة بالتراث وتوثيقه وأن الحافظين له تقدم بهم العمر وهم يموتون الواحد تلو الآخر دون أن يحرك الإعلام ساكناً، والكل يثير ضجة غير مجدية عند وفاة أحدهم وتكثر التعازي في الصحف دون أن يكثرت مسؤول أو جهة معنية بتوثيق كل ما كان يحفظه من التراث. حضر هذه الفعالية عدد من المثقفين والشعراء والمهتمين أذكر منهم وليعذرني الآخرون: رياض باشراحيل، علي حيمد، نجيب مقبل، حسن عبدالحق، خالد قائد، صالح التوي وجعبل ناجي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى