مع الأيــام...تراجع الدولار ولم تتراجع الأسعار

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
أسمت العرب أشهرها القمرية إضافة إلى أسمائها الأصلية بأسماء وأوصاف، فقالوا محرم الحرام، ورجب الأصم. وعندنا في الدارجة، لا تزال العجائز يسمين شوال (فطر) وذي القعدة (رضيح). ولم تقتصر ظاهرة التسميات البديلة على الأشهر فقط، بل تجاوزتها إلى الأيام والسنين، فلقد رأينا بأم أعيننا مشاهد يوم الإثنين الدامي وانسكبت مياه هذه الأعين في الجمعة الحزينة، كما سبق للمسلمين قديماً تسمية عام المجاعة بعام الرمادة، والعام الذي اصطلح فيه الحسن بن علي مع معاوية بن أبي سفيان بعام الجماعة.

واستئناساً بهذه المرجعية التاريخية، نسي الناس هنا رقم السنة التي طبقت الدولة فيها نظام الجرعات الاقتصادية، لأن الناس كانوا قد اكتفوا بتسمية ذلك العام بعام الجرعة. ولما تمادت عليهم الجرعات الواحدة بعد الأخرى أسفوا كثيراً على نسيانهم ذلك التاريخ، فاضطروا إلى تسمية كل الزمن الحالي باسم زمن (التجريع).

ومثلما يحدث في التمهيد لسقوط الأمطار، أن تبرد الأجواء فجأة، ويظهر السحاب الداكن في قبة السماء، يتسامع الناس عن ارتفاع الدولار، وتنتشر الإشاعات عن اقتراب جرعة جديدة.. يربط الناس أحزمتهم على مقاعدهم، كما يفعل ركاب الطائرات ويتوقفون عن التدخين .. تهبط العجلات فترتفع الأسعار.

تمر أسابيع وأشهر، يهبط الدولار وتتناقل أخبار هبوطه كل نشرات الأخبار، لكن أسعار المواد، كل المواد، والخدمات، كل الخدمات، تظل على الموقع الجديد ذاته الذي اكتسبته تحت ذريعة وهمية ومؤقتة.

خلال الأسبوعين الماضيين، تجددت هذه الظاهرة مرتين، لم تعلن الحكومة عندنا عن أية جرعة سوى الجرعة التنشيطية للقاح شلل الأطفال، ورغم هذا فقد خرجت الإشاعات وتبعها ارتفاع الدولار. قام التجار وغير التجار برفع الأسعار.. أعلنت الحكومة أنها أمرت بنكها المركزي بضخ الدولار بالملايين. تراجع الدولار عن ارتفاعه وعاد أدراجه القهقرى، كما يقول الفصحاء، لكن أسعار الغذاء والكساء والضروريات والكماليات وكل ما يحتاجه الناس لا تعرف الفصاحة ولا كلام البلغاء.

هذا هو السؤال المطروح، فالدولار هو عملة عالمية معروفة، وهو أيضاً ورقة بنكنوت شهيرة ذات وجهين وليس وجه واحد. صحيح أن وجهه الخلفي مزدان بعبارة جميلة تقول: نحن نثق بالله (In God We Trust) ولا تجد في زواياه أو سطحه تلك الكتابات العبيطة ذات الخط الرديء، التي يسطرها بعض البلهاء والسذج عندنا، على شاكلة: للذكرى الخالدة فلان الفلاني، أو رسالة محمولة على ظهره من غبي إلى غبي آخر، أو على الأقل بيان حساب مبيعات هذا (المقوّت) أو ذاك، كما نجدها يومياً على بطن وظهر أوراق عملتنا الوطنية.

قد نعذر هذا الساذج الذى أساء استخدام أوراق العملة بالكتابة عليها، فهو لا يعرف القيمة المعنوية لهذه الورقة باعتبارها أحد رموز الدولة التي تصدرها، لكننا لا نفهم سر هذا (الحب من جانب واحد) كما يقول أهل العشق. فالأسعار عندنا ترتفع بارتفاع أو حتى إشاعة ارتفاع للدولار، لكنها أبداً لا تهبط ولو ريالاً واحداً مع تراجع الدولار وانخفاضه.

أفيدونا يا أهل العلم ويا أهل الشأن عن هذا السر العجيب. فقديماً قال ذو النورين عثمان بن عفان «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» رحمني ورحمكم الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى