كـركـر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> قرأت لك: «المثل يقول: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة .. وهو مثل سهل التركيب .. ولكنه صعب المعنى ويجب أن نستشعر صعوبته ومعناه .. أن المشوار الطويل يبدأ بخطوة قصيرة .. ولكن باستمرار الخطوات يصبح الطريق الطويل قصيراً .. والصعب سهلاً .. ويصبح سهلاً لسببين: لأننا نخطو باستمرار .. ولأننا نصر على ذلك .. ويكون الإصرار سهلاً لسببين: أننا نصبر على ذلك .. وأننا سوف نلقى مكافأة في النهاية .. ويصبح الصبر محتملاً لسببين: أننا قد اعتدنا على الصبر .. وأن لدينا أملاً في أن تنتهي المتاعب .. ولأن الطريق إلى كل هدف بعيد أمر صعب .. فإن استمرار الخطوات الصابرة الحالمة إلى ذلك يكون انتصاراً يومياً على التعب واليأس.

ومن بين الأساليب التي نلجأ إليها لأن نجعل كل سهل صعباً .. أن نبدأ باتهام أنفسنا .. ترتفع من بيننا صرخات تقول: إننا فاسدون - وهذا صحيح - وإن هناك ألف دليل على ذلك.. ومعنى هذه الفضيحة التي نعلنها أولاً: أن نفضح أنفسنا وأن نهينها وأن نمرغها في الوحل .. وثانياً: أن نؤكد لأنفسنا أننا بسبب هذا الفساد عاجزون عن إصلاح شيء .. وثالثاً: أننا لكي نصلح شيئاً صعباً .. فعلينا أن نصلح شيئاً مستحيلا هو أنفسنا .. ورابعاً: أن استمرار هذا الفساد النفسي معناه أنه لا أمل في إصلاحه .. وخامساً: وما دمنا لا أمل في إصلاح أنفسنا .. فمن المستحيل أن نصلح شيئاً آخر أبسط وأيسر.

وهذا ما حدث أخيراً عندما اشتدت حاجتنا إلى الإصلاح الاقتصادي .. وتعديل حجم الرغيف (الروتي) وتثبيت شكله ووزنه وسعره .. تمهيداً لحل مشاكل أخرى عاجلة .. فقد تعالت الأصوات في كل مكان تقول: إن الفساد قد استشرى في الإدارة والتجارة .. وإن هذا الفساد لا مفر منه .. مادامت كل الأبواب مفتوحة.. ومادامت العمارات تملأ الجيوب بالفلوس وقلوب الفقراء باليأس .. أي أن الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل هي إصلاح النفس الإنسانية .. ومعنى ذلك أن الخطوة الأولى في الطريق الممكن هي خطوة مستحيلة.

وهذا يعني أن هناك خللاً في القانون .. أو على الأصح في تطبيق القانون .. والقانون مهما كان من حديد.. فإنه إذا دخل النار يلتوي .. والنار هي (الإغراء) العنيف الذي يتعرض له من يتحايل على القانون .. فالذين يتحايلون على القانون يستخدمون وسيلتين: الفلوس وصغار النفوس .. فالفلوس هي قوة جاذبية المجتمع .. وهي ترفع وهي تخفض .. وهي تشق الصخر .. وهي تلين القواعد الحديدية والأبواب الزجاجية والسلاسل الفولاذية .. فليس الفساد مقصوراً على بلاد .. إنما هو في كل مكان .. فما دام هناك إنسان .. فهناك الضعف والمرض والانحلال .. ولذلك فالفساد كالمرض يلازم الإنسان حتى الموت.

إذن مشكلتنا ليست هي أننا لا نخطو .. بل مشكلتنا هي أننا نخطو كثيراً .. لم أقصد نخطو الخطوة الأولى في كل مشروع .. فكل مشروعاتنا تبدأ بسرعة وبخطوة واحدة .. وبعدها نتوقف .. كأن المطلوب هو أن نثبت لأنفسنا أننا لسنا نائمين .. إنما نحن في غاية اليقظة .. ومن مظاهر هذه اليقظة أننا خطونا .. أو كأن من المطلوب أن نثبت حسن النية .. وحسن النية يبدأ بخطوة».

ولكن .. تظل هذه الخطوة كما هي .. وكأنها (محلك سر).. فلا تقدمنا ولا تطورنا .. وإنما نبالغ في الدعاية لمشروعات تنموية لا وجود لها بالمعنى الصحيح .. أو نكتفي ببناء نصف جدار ونضع عليه حجر الأساس .. والحمد لله!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى