دراسة قانونية حول قضية الجندي الذي سُحل بمأرب

> «الأيام» فهمي عقيل ناجي أنعم:

> مصدر الوقائع: بعض الصحف المحلية أولاً: وقائع القضية قام الضابط العسكري حسين الشوصري بربط أحد الجنود ويدعى عبدالله عبدالقوي إلى مؤخرة طقم عسكري وسحله على ميدان المعسكر أمام الجنود والضباط، ومن ثم تعليق إطار سيارة في عنقه لمدة ثلاث ساعات، ثم الذهاب إلى الزنزانة العسكرية لتعذيبه حيث استخدم الماء البارد لتحقيق ذلك رغم ما يعانيه بسبب السحل والتعذيب، كما أنه منع زملاءه من إسعافه إلى المستشفى وكذا رفض الإفراج عنه إلاّ بعد تدخل قائد المنطقة، كل ذلك كان إثر قيام الجندي بإطلاق أعيرة نارية في الهواء أثناء الخدمة الليلية.

ثانياً: المناقشة القانونية
سوف نتناول هذه المناقشة من جانبين:

الجانب الأول: الوصف القانوني لفعل الجندي عبدالله عبدالقوي المتمثل في قيامه بإطلاق أعيرة نارية في الهواء أثناء الخدمة الليلية.

نصت المادة (26) من القانون رقم (2) لسنة.... بشأن الجرائم والعقوبات العسكري على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بجزاء أقل منه يتناسب مع نتائج الجريمة كل شخص خاضع لهذا القانون ارتكب إحدى الجرائم الآتية وقت خدمة الميدان، وإذا ارتكبت في غير خدمة الميدان فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات أو بجزاء أقل منه تقدره المحكمة:

و- إطلاق عيارات نارية أو استعمال إشارات ضوئية أو ألفاظ أو أية وسائل أخرى بحيث تمكن عن قصد إيقاع فشل أو إعلان استنفار بدون مبرر، سواء كان ذلك أثناء المعركة أو أثناء المسيرة أو في الميدان أو في وقت آخر».

كما حددت المادة (2) منه المقصود بخدمة الميدان أنها «الفترة الممتدة منذ إعلان الاستعداد القتالي حتى انتهاء حالة الحرب وإلغاء الاستعداد».

وعليه: فإن فعل الجندي الذي أتاه كان خارج نطاق فترة خدمة الميدان، ولكي يكون فعله ذاك مجرماً لا بد من تحقق القصد الجنائي المتمثل في العلم والإرادة، أي أن يعلم أن فعله سوف ينتج على أثره حالة فشل أو إعلان استنفار واتجهت إرادته لتحقيق هذه النتيجة، والواضح عدم إمكانية حصول هذه النتيجة نظراً للوضع الأمني العام للقوات المسلحة، ومع ذلك كان لا بد من التحقق حول قصد الجندي، والذي لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال التحقيق معه، وفي حالة ثبوت القصد الجنائي لدى الجندي فإن العقوبة المقررة لفعله توقعها المحكمة دون غيرها، ولها سلطة تقديرية لتوقيع العقاب على هذا الجندي، فلها أن تأمر بحسبه مدة لا تزيد على 3 سنوات أو أن تأمر بجزاء أقل منه يتناسب مع نتائج الجريمة وليس مع الفعل.

الجانب الثاني: الوصف القانوني لأفعال ركن استطلاع الدفاع حسين الشوصري:

مما لا شك فيه أن أفعال الضابط ركن استطلاع الدفاع المتمثلة في سحل الجندي عبدالقوي على ميدان المعسكر وأمام زملائه باستخدام طقم عسكري لسحله بعدما ربط الجندي إلى مؤخرته، ووضع إطار سيارة على عنقه، إضافة إلى تعذيبه واستخدام الماء البارد وحبسه، وإضافة إلى ذلك منعه لزملائه من إسعافه إلى المستشفى ورفض الإفراج عنه .. كل ذلك أو بعضه يعد منافياً للأخلاق والتعامل الإنساني، وانتهاكاً لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية والشرائع السماوية بما فيها الشريعة الإسلامية وأيضاً الدستور، فاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهنية الصادرة 10 ديسمبر 1982م والتي صادقت عليها اليمن في 5 نوفمبر 1991م تضمنت:

«وفقاً لهذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب: أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الإلم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه أو يحرر عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها» كما جاء فيها «أنه لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب».

أما الدستور اليمني فقد حظر التعذيب الجسدي أو النفسي حيث نص على أن: «...يعتبر التعذيب الجسدي أو النفسي عند القبض أو الاحتجاز أو السجن جريمة لا تسقط بالتقادم ويعاقب عليها كل من يمارسها أو يأمر بها أو يشارك فيها» المواد (47/ب، 48/هـ)، كما حظره قانون الجرائم والعقوبات اليمني في المواد (166، 167، 168، 138) وحظره قانون الإجراءات الجزائية في المادة (7).

ومع ذلك سوف نتطرق إلى هذا الجانب من زوايا:

الزاوية الأولى: صلاحيات الضابط بصفته قائداً للجندي
نصت المادة (19) من القانون رقم (7) لسنة 1996م بشأن الإجراءات العسكرية على أنه: «للقائد أو من ينوبه من الضباط التابعين له في جميع الأحوال اتخاذ كافة إجراءات التحقيق في الجرائم والمخالفات الانضباطية العسكرية وله في سبيل ذلك تشكيل مجلس تحقيق لا يقل عدد أعضائه عن ضابطين، وإذا تبين أن الجريمة المرتكبة داخلة في اختصاصه فله حق التصرف فيها على الوجه الآتي:

أ- صرف النظر عن القضية، ب- مجازاة مرتكب الجريمة انضباطياً، ج- إحالة الموضوع الى السلطة الأعلى منه، د- إحالة الموضوع الى النيابة العسكرية المختصة.

أما إذا كانت الجريمة خارجة عن اختصاصه فيجب عليه إحالتها مباشرة بعد التحقيق إلى النيابة العسكرية المختصة للتصرف فيها طبقاً لهذا القانون».

وعليه فإن اختصاصات الضابط القائد في هذه القضية لا تعدو عن اتخاذ كافة إجراءاته في التحقيق، وله في سبيل ذلك تشكيل لجنة للتحقيق، كما أن له الصلاحيات المحددة في الفقرات أ،ب،ج، د من المادة (19) إجراءات، وإذا قرر مجازاة مرتكب الجريمة انضباطياً يجب عليه التقيد بالعقوبات المقررة في المادة (63) والتي تنص على: «تحدد العقوبات الانضباطية التي توقع على العسكريين على النحو التالي:

1- اللوم، 2- الإنذار الشفوي أو الكتابي، 3- عدم السماح بالخروج من المعسكر أو السفينة، 4- زيادة الخدمات حتى خمس مرات على أن لا تكون متوالية، 5- التوقيف في مقر الحجز بالمعسكر حتى 30 يوماً، 6- الخصم من الراتب حتى 30 يوماً بحيث لا يزيد الخصم عن 15 يوماً من الشهر، 7- تأخير الأقدمية لمدة لا تزيد عن 6 أشهر....».

الزاوية الثانية: التصرف الذي كان يجب على الضابط القائد اتباعه في هذه القضية
كان يجب على الضابط اتخاذ التصرفات التالية:

1- القيام بالتحقيق أو تشكيل لجنة تحقيق لا تقل عن ضابطين.

2- ومن ثم إذا كشف التحقيق توافر القصد الجنائي المشار إليه فإنه كان يجب عليه إحالة الموضوع إلى السلطة الأعلى منه أو النيابة العسكرية المختصة، ولا يجوز له إيقاع أي عقوبة، لأن إيقاع العقاب هو من سلطة المحكمة العسكرية.

3- أما إذا كشف التحقيق عدم توافر القصد الجنائي كان له اتخاذ أحد الأمرين: إما أن يقرر صرف النظر عن القضية أو أن يقرر مجازاة الجندي انضباطياً، وفي هذه الحالة أي إذا قرر مجازاة الجندي انضباطياً فعليه التقيد بالعقوبات التي حددتها المادة (63) من قانون الخدمة العسكرية دون أن يتعداها، وأن يتخذ الإجراء المناسب وفعل الجندي.

الزاوية الثالثة: طبيعة أفعال الضابط
إن أفعال الضابط مجرمة شرعاً وقانوناً لأنها احتوت على تعذيب جسدي وإهانات تمس بكرامة وإنسانية الجندي، فالمادة (63) خدمة عسكرية التي حددت العقوبات الانضباطية (التي يجوز أن توقع على العسكريين على وجه الحصر حرمت التعذيب الجسدي واستخدام الألفاظ البذيئة التي تمس بكرامة العسكري).

الزاوية الرابعة: العقوبة المقررة لأفعال الضابط
نصت المادة (46) جرائم وعقوبات عسكرية على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من فرض عمداً عقوبة انضباطية لا حق له في فرضها أو تجاوز في فرضها حدود صلاحياته القانونية».

أما المادة (47) فنصت على أنه: «مع عدم الإخلال بقانون العقوبات العام يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالتعويض كل رئيس اعتدى بالضرب على من هو أدنى منه أو ألحق بجسمه أذى أو قام بعمل من شأنه الإخلال بصحته أو ضاعف خدمته بلا مبرر بقصد تعذيبه أو سمح للآخرين بإيذائه وتكون العقوبة الإعدام إذا أفضى الفعل إلى الوفاة».

أما المادة (52) منه أيضاً فنصت على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل شخص ضرب شخصاً آخر أدنى منه رتبة مع عدم الإخلال بأحكام قانون العقوبات العامة».

وعليه فإن العقوبة المبينة في نص المادة (47) تنطبق على هذه الحالة بوضوح كما ينطبق عليها أيضاً نص المادة (52) في حالة إذا لم يكن الضابط رئيساً على الجندي.

وخلاصة القول إن العقوبة المستحقة للضابط بصفته قائداً على الجندي هي الحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبالتعويض العادل يدفعه الضابط المتجاوز لسلطاته للجندي الذي عُذب من قبله.

هذا والله الموفق.

الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى