كــركــر جمـل

> عبده حسين أحمد:

> عندما أصدر الأستاذ الكبير محمد علي لقمان المحامي رحمه الله - رائد النهضة الفكرية ونشر الوعي والثقافة في عدن- صحيفة «فتاة الجزيرة» في يناير عام 1940م .. كان مدير تحريرها أصغر أشقائه الأستاذ خالد علي لقمان رحمه الله .. ولذلك ليس أروع من الكتابة عن خالد لقمان (الانسان) أكثر من أي شيء آخر.

كان خالد لقمان رجلاً بسيطاً متواضعاً جداً .. يلبس ما هو موجود .. ويأكل أيضاً ما هو موجود .. فلم يكن يشترط شيئاً في اختيار طعامه وشرابه وملبسه .. وكان رجلاً خفيف الظل يحب النكتة .. يقولها ويسمعها من الآخرين .. فهو يحترم كل إنسان .. الصغير والكبير .. وكان يتحدث مع الكل على قدر أعمارهم وفهمهم وثقافتهم .. واستطاع أن يحظى باحترام الجميع.

وقد عاش خالد لقمان في بيئة ثقافية .. كان أبوه الأستاذ علي إبراهيم لقمان ذا علم .. مثقفاً وصاحب مكتبة متواضعة في حافة حسين .. وأكبر أشقائه الأستاذ الكبير محمد علي لقمان المحامي .. فهو من أسرة مثقفة .. كل أفرادها متعلمون .. وأكثرهم من خريجي الجامعات العربية والغربية .. وقد تفرغوا للتدريس والفكر والأدب والصحافة والمحاماة وإدارة الأعمال .. وكان لهم الفضل في ريادة الفكر والثقافة ونشر الوعي في عدن.

وكان خالد لقمان رجلاً مجتهداً.. وكان من الممكن أن يكون شيئاً أكبر .. ولكن الظروف الاجتماعية وكثرة الإخوة وقلة المال .. هي التي وقفت في طريقه إلى مستقبل أفضل وأجمل .. وكانت حياته فيها الكثير من الألم والكثير من التعب والقليل من الحظ .. ولذلك ظل موظفاً يعيش على راتبه فقط طيلة حياته .. ولكن بالرغم من فقره .. كان رجلاً عفيفاً .. معتداً بنفسه.. شديد الحساسية .. طموحاً وشجاعاً في إبداء رأيه .. وكان على عكس أصحاب الأفكار البالية في السياسة ونظرتهم إلى المجتمع .. وكان موهوباً في إدارة الأعمال .. ومتفوقاً في اللغتين العربية والإنجليزية .. وكل الأعمال التي شغلها في الشركات الخاصة.. في أحسن صورة .. وأوضح نموذج للموظف المخلص المتفاني في أداء عمله.

وتزوج خالد لقمان امرأة طيبة شريفة وفاضلة .. وكانت هي التي تشرف على ترتيب حياة الأسرة رحمها الله .. كانت هي الأم والزوجة .. سيدة رحبة الصدر واسعة الحنان .. احتضنت أولادها واعتنت بتربيتهم - وكل تجارب الأبناء والبنات تبدأ في حضن الأم - وكانت في نظراتها لمسات العطف والحنان والأمومة .. لم تعرف التعالي أو التباهي على أحد .. وكانت هذه الصفات هي التي تحفز أولادها على الاهتمام بالدراسة .. وعلى أن يذاكروا .. وعلى أن يتفوقوا .. وقد أرادت أن تغرس معنى (الاعتماد على النفس) و(احترام الذات) لدى أولادها.

كنت ألتقي الأستاذ خالد لقمان- صدفة- بين الحين والآخر في حي الميدان في (كريتر) .. كنت شاباً صغيراً لم أتجاوز الثلاثين من عمري .. وكان يدور بيننا حديث ودي .. كان يعاملني كواحد من أبنائه .. يستلطفني ويشجعني على الكتابة .. فقد كان يقرأ لي بعض ما أنشره في «فتاة الجزيرة».. وكنت أراه أمامي مثالاً حياً للتجربة والخبرة .. وأستمع إليه كتلميذ صغير .. وكانت نصائحه تلامس الأذن والقلب أيضاً .. وكان عندما يتحدث يريد أن يعطي كل ما عنده .. وكان كل ما عنده كثيرا .. قلب كبير .. وجسم معتدل .. وخلق نبيل .. وذهن متقد .. و(وجع كبير) .. وكنت أرى أن الذي في داخله أجمل من الذي حول أكثر الناس.

رحم الله خالد لقمان رحمة الأبرار!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى