رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- محمد سالم بن شامخ: مشوار عمر حافل بالعطاء الفني وحب الناس...الميلاد والنشأة...محمد سالم بن شامخ من مواليد «حي الحارة» بالمكلا، حاضرة السلطنة القعيطية في 14 أكتوبر 1943 في بيئة فنية، فوالده سالم بن شامخ كان مغنيا يجيد اللونين الشبواني والعدة واشتهر برخامة صوته، وفي ذلك المناخ العائلي الفني تأسست بدايات صقل مواهب الفتى «محمد».

نشأ بن شامخ في مدينة المكلا الساحلية مع اثنتين من أخواته وتلقى دراسته الابتدائية والإعدادية هناك، تصلب عود بن شامخ وهو في مرحلة الطفولة عندما سافر والده إلى ممباسا، نظيرة المكلا الكينية، وكانت آنذاك مستعمرة بريطانية وكان الفتى «محمد» في التاسعة من عمره. كانت طبيعة رحلة والده فنية لإشباع رغبة المهاجرين الحضارم المتعطشين لسماع فنهم التراثي.

توفي والده سالم بن شامخ في كينيا فغادر محمد وهو ابن العاشرة مع وكيل الأسرة إلى كينيا ليكتشف حقيقة ما حدث وهو أن والده لم يمت ميتة طبيعية، بل أن أحد جنود «ماكنزي» (شركة بريطانية) هو الذي قتله، وخضع نجله محمد لعدة مساومات، إلا أنه أصر على طلب القصاص وكان له ما أراد.

شد الفن اهتمام بن شامخ منذ سنوات صباه وكان مناخ الأسرة الفني هي البذرة الأولى في روضة فنه، وبرزت بعض المؤهلات عنده ومنها الصوت والذاكرة التي اتسعت لعشرات الأغاني، وبدأ يتعلم العزف على الآلات الإيقاعية منذ عام 1958م على يد الفنان أبوبكر الحباني، عازف الإيقاع الشهير في فرقة الفنان الكبير محمد جمعة خان، وأتقن بن شامخ العزف على الإيقاع والدف.

بداية المشوار مع محمد جمعة خان
قدم حسين محمد البار، الشاعر والأديب المعروف، الفنان الواعد محمد سالم بن شامخ للفنان الكبير محمد جمعة خان والتحق بفرقته عازفاً على الإيقاع، ودفعه محمد جمعة خان إلى تعلم العود، حيث تولى الفنان أبوبكر التوي تعليمه على آلة العود.

وفي حديث له مع مجلة «الفنون» قال بن شامخ إن أول أغنية عزفها له محمد جمعة خان هي أغنية «يا باهي الجبين» وأغنية «سقى الله روضة الخلان»، وسجل بن شامخ مع محمد جمعة خان لإذاعة عدن عشر أغان عام 1962م من أشهرها «بشراك هذا منار الحي» و«عذبتنا يا خفيف الروح» و «يا زهرة في الربيع» وواصل مرافقته واقترابه من جمعة خان حتى يوم وفاته في 25 ديسمبر 1963م، ونظم في وفاته قصيدة مطلعها:

يوم الخميس الصبح نكد خاطري من حين فاجأنا الخبر

بروفات بن شامخ في منزل عبدالعزيز باوزير في الشيخ عثمان
تقدم بن شامخ وأبوبكر التوي وعبدالرب إدريس إلى مكتب إذاعة المكلا وقدموا أنفسهم كمطربين للمساهمة في تقديم بعض الأغاني، وأرسلت بعض تسجيلاتهم الغنائية مرفقة بالنصوص لأغان رمضانية، وجاءت المصادقة على قبول بن شامخ والتوي برسالة من إذاعة عدن حملت توقيع مديرها آنذاك السيد حسين الصافي.

أقام بن شامخ والتوي في «فندق الجزيرة» بكريتر وقدما بتسجيلاتهما لإذاعة عدن عام 1960م واستغلت جمعية أبناء حضرموت بعدن فرصة وجودهما في عدن وقدمت لهما طلباً بتقديم حفلات غنائية يشارك فيها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، وقدمت الحفلات لصالح مشروع بناء المقر في عدن.

بن شامخ رسول جمعة خان إلى المحضار
أرسل محمد جمعة خان الفنان الواعد محمد سالم بن شامخ إلى المبدع الكبير حسين المحضار، الذي حمل طلب من جمعة خان بالسماح له بأن يغني أغنيتين من أغاني المحضار وهي: «يا رسولي» و «سلم بكف الأشارة»، وفي حضور المحضار غنى الفنان سعيد عبدالمعين «يا رسولي» و«سلم بكف الإشارة» و«ما على العاشق» وعندما سمع بن شامخ الأغنية الرابعة «عنب في غصونه» حتى طلب أبو سالم (كنية بن شامخ) من المحضار أن يخصه بتلك الأغنية واستجاب المحضار لطلبه وغناها بن شامخ في إذاعة عدن في ستينات القرن الماضي.

بن شامخ في ذاكرة التوي
صالح عبدالله التوي وشقيقه الفنان الكبير أبوبكر التوي متزوجان من شقيقتي الفنان محمد سالم بن شامخ، وكتب صالح التوي في الكراس الذي أعدته «جميعة تنمية الموروث الشعبي» بمناسبة حفل التكريم الذي نظمته للفنان بن شامخ (ص 46) عن مشوار بن شامخ بدءاًَ من الحفلات الفنية التي قدمها في نادي التنس العدني بالمشاركة مع الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، ومروراً بالرحلة إلى الكويت حيث سجل كل من بن شامخ وأبوبكر التوي ثمان أغان لإذاعة الكويت.

نسق صالح التوي مع رجل الأعمال المعروف صالح علي العماري، من أبناء دوعن والمقيم في السعودية وصاحب شركة إنتاج الأسطوانات، إبرام اتفاقية مع الفنانين بن شامخ والتوي لتسجيل عدد من الأغاني في بيروت والمغادرة بعد ذلك إلى القاهرة ومقديشو لإحياء عدد من الحفلات.

كما رافق صالح التوي الفنان بن شامخ في أواخر عام 1964م من المكلا إلى عدن لحضور حفل زواجه من بنات إحدى الأسر في القلوعة (المعلا)، ومن هناك تحركا إلى شقرة لإحياء مخدرة شارك فيها الفنان سعيد الشعوي، وتوجها بعد ذلك إلى زنجبار وأقام بن شامخ حفلتين فنيتين ساهرتين في دار السينما بزنجبار شاركه فيهما الفنان الواعد عوض أحمد.

انتقال بن شامخ إلى عدن
انتقل الفنان الكبير بن شامخ من المكلا إلى عدن عام 1968م والتحق بالفرقة الموسيقية للحرس الجمهوري، وعاصر فيها الرئيسين قحطان الشعبي وسالم ربيع علي، حيث قضى فيها تسع سنوات كاملة، وانتقل بعد ذلك إلى وزارة الثقافة متفرغاً للفن.

بقدر ما تعامل الفنان بن شامخ مع شعراء كبار من حضرموت يتصدرهم حسين أبوبكر المحضار وحداد بن حسن الكاف وحسين محمد البار وصالح عبدالرحمن المفلحي وغيرهم، فقد تعامل ايضا مع شعراء من عدن منهم ناصر علوي الحميقاني وأحمد بومهدي وعلي عمر صالح وغيرهم.

كما غنى عدد من الفنانين المعروفين أغاني من ألحان بن شامخ، منهم: عوض أحمد وعبد الكريم توفيق وعبدالرحمن الحداد وأنور مبارك وسعيد أحمد بن أحمد وعبدالله الصنح وفضل كريدي وياسين علس وفائزة عبدالله وفاروق عبدالقادر.

من أعمال بن شامخ
قدم الفنان محمد سالم بن شامخ عددا من الأغاني منها ما قدمها هو ومنها ما قدمها فنانون آخرون، منهم: عوض أحمد وعبدالكريم توفيق الذي غنى له «ايش هذي الحلاوة وايش هذا الجمال» و«العيون السهارى» وغنى له ياسين العلس «عيني على الزين» وعبدالرحمن الحداد «من أجلكم عشنا»، وأنور مبارك «الهوى وانت وانا» وفضل كريدي «من اليمن نازلين» وهيام يونس «حبيبي ورد في غصنه» وخالد المله «يا جمّال ريتك باتتجمل» والفنانة أروى «بلبل سحرني جماله» والتي استبدلت فيها كلمة أسمر بكلمة «بلبل».

من جعبة ذكريات نديم عوض
جادت جعبة ذكريات الفنان الكبير المعروف نديم عوض، ساح بعضها في كراس «جميعة تنمية الموروث الشعبي اليمني» (ص 38) وتحدث عن ذكريات رحلته الفنية إلى المكلا عام 1965م مع الفنان الراحل أحمد بن أحمد قاسم والذي حظي باستقبال حار مع مرافقيه من الفنان بن شامخ ودعاهم إلى تناول العشاء في منزله.

كما تحدث الفنان نديم عوض عن ذكريات رحلاته الفنية مع الفنان بن شامخ إلى الجماهيرية الليبية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتأديتهم لمناسك العمرة في الديار المقدسة ورحلته الفنية إلى باريس، ووقع اختيار بن شامخ على نديم كمرافق أول في رحلة باريس عام 1998م، حيث قدم بن شامخ نماذج من الفن اليمني واللون الحضرمي نالت إعجاب الأجانب.

بن شامخ في موكب الراحلين
انتقل محمد سالم بن شامخ إلى جوار ربه يوم 26 يناير 2003م عن عمر ناهز الستين عاماً، مخلفاً وراءه تراثاً كبيراً وسيرة عطرة سكنت في قلب كل من عرفه، كما خلف أرملة وولدين هما: سالم ورياض وابنة واحدة.

2- هاشم محمد الشعبي: مشوار عمر مع الكتاب والنضال والمعاناة...الميلاد والنشأة...هاشم محمد سالم الشعبي من مواليد شعب بطور الباحة عام 1350هـ (حوالي 1930م) ونشأ فيها وتلقى دروسه الأولى في كتاب الفقي علي سعيد راوح (والد الشخصية الوطنية والنقابية سعيد علي راوح) ثم تلقى تعليمه الثقافي في مدرس شعب الحكومية وكان من زملاء دراسته عبدالكريم عبدالقوي الشعبي وأحمد لطف وفضل سعيد عبدالواحد.

هاشم الشعبي في جعار
غادر هاشم الشعبي إلى جعار، حاضرة سلطنة يافع السفلى، عام 1954م مع شقيقه علي محمد سالم الشعبي الذي صدر قرار بتعيينه هناك مديراً للمعارف (التربية والتعليم)، وعمل هاشم في سلك التعليم ونعم بالإستقرار النفسي والمالي في مجال الوظيفة، وفي ظل ذلك الإستقرار أكمل نصف دينه بالزواج عام 1956م.

مرت سلطنة يافع السفلى بمنعطف سياسي حاد عام 1957م عندما غادر السلطان الثائر بلاده عبر الجبال إلى المناطق الشمالية المعروفة آنئذٍ بالمملكة المتوكلية اليمنية، وتحت وطأة تلك الظروف غادر علي محمد سالم الشعبي جعار مع شقيقه هاشم بعد صدور قرار والي عدن بتقاعد علي الشعبي.

المكتبة قدر هاشم الشعبي
في العام 1957م وفي «حافة الهاشمي» العريقة في مدينة الشيخ عثمان افتتح هاشم الشعبي «مكتبة الثقافة العربية» لدعم التوجه القومي لحركة القوميين العرب، وسانده في ذلك فيصل عبداللطيف الشعبي وزملاؤه.

رفد فيصل الشعبي المكتبة بالإصدارات القومية في بيروت لكُتّاب قوميين كبار أمثال ساطع الحصري والحكم دروزه وعبدالله عبدالدائم ومحسن إبراهيم، ووزع هاشم الشعبي من خلال مكتبته مجلتي «الحرية» و«الطليعة» عند انضمامه للحركة عام 1958م.

محمد مرشد عباد وجعفر علي عوض من القوى السرية الاحتياطية
قال لي هاشم الشعبي : «إن من قيادات الحركة فيصل عبداللطيف وعلي السلامي وسالم زين محمد وطه أحمد مقبل وآخرون، وعلمت من القيادة أن محمد مرشد عباد وجعفر علي عوض من القوى السرية الاحتياطية التي ستحل محل القيادة عند تعرضها للاعتقال، وكان فيصل عبداللطيف يقول : إذا برز أي إشكال اتصلوا بجعفر علي عوض».

رسائل حملها علي عنتر والبيشي من أحمد الخطيب:
قال لي هاشم الشعبي : «كانت مكتبتي نقطة للتجمع واللقاءات وتلقي الرسائل والتقارير، جاءني ذات مرة الرفيقان علي أحمد ناصر عنتر ومحمد أحمد البيشي، المغتربان في الكويت، وسلماني رسائل من أحمد الخطيب، أحد رموز الحركة في الكويت، وكان لنا رفاق في الجيش منهم عمر جسار وعبدالله سالم ميسري وفضل محمد ميسري، وهناك رفاق آخرون في مصافي عدن، وغيرها من المؤسسات، وكنت أتسلم منهم التقارير وأوصلها للقيادات في التنظيم».

يواصل الشعبي حديث ذكرياته : «كنت أستأجر بيوتاً لسكن المناضلين أو تخزين الأسلحة، وكنت أتولى مهمة تحرك بعض عناصر التنظيم إلى خارج المحافظات الجنوبية عبر منطقتي «شعب» ومنهم : علي صالح عباد مقبل وسعيد العكبري وعلي سالم الكندي وناصر صدّح».

هاشم وعبدالرحمن العبسي والمشوار الذي بدأ من الحرور
وقف هاشم الشعبي عند إحدى المحطات وقال لي :عند سقوط المناطق كان معي عبدالرحمن محمد عمر العبسي، واتجهنا في طريق أبين - الحرور والضالع، وهناك التقينا علي عنتر ومجاميع عسكرية، ودخلنا لحج والصبيحة، وكان مسؤول التنظيم عبدالحميد عبدالعزيز الشعبي، وساعده في مهمته شباب وشيوخ المنطقة.

مكثنا هناك نرتب أوضاع المنطقة وجمعنا السلاح من العائدين الذين كان هدفهم النضال، وعملت لعام واحد مأموراً لمنطقة طورالباحة، وشكلنا خلال تلك الفترة محكمة محلية رأسها قائد محمد علي صلاح ومقبل الصماتي وأمين نعمان أحمد، أعضاء المحكمة، وإلى جانبهم القاضي الشرعي محمد أحمد. عين قائد محمد علي صلاح بعد ذلك مأموراً بينما تحملت مسؤولية القيادة المحلية لمدة ستة أشهر.

عبدالرحمن البصري يعين هاشم الشعبي في المجدلة:
يمضي هاشم الشعبي بتقليب مواجعه ويقول : بعد خطوة 22 يونيه، 1969م عشت أجواء غير طبيعية، فطلبت العودة إلى عدن، ورابطت في بيتي لمدة سبع سنوات، أحالوني مالياً إلى القيادة العامة على حساب محافظة لحج، تسلمت راتبي لمدة شهرين فقط، وأبلغني محاسب القيادة العامة أن راتبي موقف، طلبت مقابلة عبدالفتاح إسماعيل، الأمين العام، ورتب لي المقابلة عبدالواسع قاسم نعمان، وبينما أنا أشرح له معاناتي دخل علينا عوض الحامد، محافظ لحج، فسأله عبدالفتاح : لماذا أوقفت راتب الأخ هاشم؟ فافترى عليّ بالقول: هذا يميني وعنده سلاح. قلت له : إذا كنت جاداً قدم الدليل.. وإذا كنت تقصد تجويعي فهذا كلام آخر. وفي نهاية المقابلة أصدر عبدالفتاح أمرا بإطلاق راتبي وأعطاني رسالة إلى وزارة الأشغال العامة، وسلمت الرسالة للمهندس عبدالرحمن البصري، الذي عينني في المجدلة، حيث رتب لي م. عمر عرادي وضعاً في الورشة، وشغلت وظيفة حصر السيارات الداخلة والخارجة، ومارست عملي من خلال غرفة صغيرة مع اثنين من الكتبة فأحسست بالضيق.

علي ناصر يعين هاشم مديراً للمكتبات
يتنفس هاشم الشعبي الصعداء ويقول : التقيت فارس سالم وشكوت له حالي، فرتب لي لقاء مع علي ناصر محمد، مدته نصف ساعة، وأمر بتحويلي إلى مؤسسة «14 أكتوبر» أيام عوض الحمزة.

اتصل بي بعد ذلك طه أحمد غانم، محافظ عدن، وقال لي : تجيني إلى المكتب لأن الرئيس علي ناصر محمد أمر بتعيينك مديراً للمكتبات.

وهي الوظيفة التي شغلتها منذ عام 1972م حتى عام تقاعدي 1990م.

هاشم الشعبي ينهي مشوار كفاحه بمكتبة:
منح هاشم الشعبي «مكتبة المنصورة» تقديراً لخدماته الطويلة ورصيده الوطني، بعقد انتفاع وبعد إعادة الممتلكات، أبرم عقداً مع مكتب الأوقاف بتأجير مبنى المكتبة الكائن بجانب مسجد الرضا، باعتبار المبنى من ضمن أوقاف المسجد.

هاشم الشعبي متزوج وله 5 أبناء هم : 1- د. جمال (في كلية الزراعة بجامعة صنعاء)، 2- م. نصر (جيولوجي)، 3- م. فيصل (المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بعدن)، 4- بلال، (طالب جامعي)، 5- طارق، حاصل على الثانوية العامة - فقد بصره وملازم للبيت - وله (أي لهاشم)، بنتان متزوجتان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى