المشترك: مؤتمر الاشتراكي لجميع الأحزاب و (المؤتمر): إنه شريك أساسي في الوحدة...مقبل:مسؤولون تجاوزوا خط مئات الملايين من الدولارات بسرعة صاروخية

> صنعاء «الأيام» :

>
علي صالح عباد (مقبل)
علي صالح عباد (مقبل)
يواصل اليوم الحزب الاشتراكي اليمني مؤتمره العام الخامس، الذي افتتح أعماله أمس بصنعاء بحضور أكثر من 2000 مندوب,وفي جلسة الافتتاح التي حضرها الشيخ عبدالله حسين الأحمر، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للاصلاح وقيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية، ألقى الأخ علي صالح عباد (مقبل)، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني كلمة ضافية...لابد لي في البداية أن أحييكم بحرارة، شاكراً لضيوفنا الكرام من داخل الوطن وخارجه تشريفهم لنا بحضور فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي اليمني وأخص بالشكر أولئك الضيوف الكرام، الذين تجشموا عناء السفر الطويل كي يشاركونا هذا العرس الاشتراكي المميز، مرحباً بهم أجمل ترحيب، ومتمنياً لهم طيب الإقامة في بلادنا..

كما أشكر قادة الأحزاب الشقيقة والصديقة، الذين حالت مشاغلهم دون تشريفنا بالحضور، ولكنهم حرصوا على توجيه التحايا لمؤتمرنا ولأعضاء حزبنا، وضمنوها أحر وأرق مشاعرهم.. وإنني إذ أشكر الجميع، الحاضرين بأجسادهم والحاضرين بأرواحهم أعرب باسم الاشتراكيات والاشتراكيين اليمنيين عن أسمى معاني الامتنان والاحترام لكل الأشقاء والأصدقاء الذين أهدونا حضورهم وتمنياتهم العزيزة.

أيها الأخوات .. أيها الإخوة.. ضيوفنا الكرام.. قبل عامين وسبعة أشهر، شهدت هذه القاعة واحدة من أشنع جرائم الاغتيال السياسي في تاريخ اليمن، يومها وفي هذا المكان اعتدت قوى الإرهاب الظلامية على حرمة دم الشهيد جار الله عمر، الأمين العام المساعد لحزبنا، وكان العالم يرقب وبالصورة الحية دناءة الفعل الإجرامي للقتلة، والخسة التي تجعلهم لا يتورعون عن اقتراف أحط وأبشع الفظائع.

لقد كان اغتيال الرفيق جار الله عمر، داعية السلام ورجل المبادئ العظيمة والتسامح السياسي اعتداءً وقحاً على قدسية الحياة وعلى أعز وأنبل القيم الوطنية والإنسانية لشعبنا، واعترف أمامكم أن هذه الجريمة كانت كارثة رهيبة حلت على حزبنا ما برح يعاني من آثارها، وسيظل يعاني منها لزمن طويل، ولتخليد ذكرى رفيقنا الشهيد اخترنا تسمية مؤتمرنا العام الخامس (مؤتمر الشهيد جار الله)، اعترافاً بفضله ومكانته وتقديراً لإسهاماته النظرية والعملية في مسيرتنا الكفاحية.. إنني أدعوكم للوقوف حداداً وقراءة الفاتحة، ترحماً على روح الشهيد جار الله عمر.

الضيوف الكرام.. لقد جرت العادة في مثل هذه المناسبات أن يستهل المرء الحديث عن الظروف التي ينعقد في ظلها المؤتمر، ولا أظن أن أحداً منكم يتوقع مني أن أزف إليه أخباراً سعيدة فها أنتم جميعاً تشهدون بأعينكم الأحداث الخطيرة التي تعصف بوطننا من أقصاه حتى أقصاه ولا أستطيع أن أتخيل يمنياً واحداً لا يشعر بالقلق على مستقبل بلده، حتى وإن كانت وطنيته مثقال ذرة واحدة.

فمنذ أسبوع من الآن وصلت اليمن إلى نهاية النفق المسدود، مع شروع الحكومة في تطبيق جرعتها السعرية الجديدة التي قفزت بأسعار السلع والخدمات إلى مستويات غير قابلة للاحتمال ووضعت البلاد كلها في أتون خضة اجتماعية هائلة، وتدافعت جموع الناس في كل المناطق والشوارع والطرقات للتعبير عن سخطها ومطالبتها بإلغاء الجرعة، وبدلاً من أن تتفهم السلطات دوافع الاحتجاجات، بما فيها بعض التصرفات العفوية الحادة تجاه المنشآت والممتلكات العامة والخاصة، وتبحث عن معالجات سليمة تعيد الهدوء إلى الجموع الجماهيرية الغاضبة، راحت مباشرة إلى شحذ واستخدام أدوات القمع والترويع وأنزلت القوات العسكرية بكل ما لديها من أسلحة ثقيلة وخفيفة إلى شوارع المدن وإلى الطرقات العامة التي تربط بين المحافظات وأذنت لها بالاشتباك العنيف مع المواطنين المحتجين، وقد سقط جراء هذه المواجهة العشرات من القتلى والجرحى في العديد من المحافظات، وكان حظ االعاصمة صنعاء النصيب الأكبر من هذا العنف، وإلى جانب استخدام القوة لجأت السلطات إلى استخدام سلاح الذب والتضليل، والبحث عن متهمين وهميين تحيل حوادث الشغب والعنف على مسؤوليتهم، وتقامر بمستقبل البلاد بمقابل الإصرار على إجراءتها السعرية الظالمة والخاطئة، صارفة النظر عن الآثار والتداعيات السيئة الناجمة عنها.

وبطبيعة الحال لا يسطيع أي كان له بصر وبصيرة أن يمنع الحسرة عن نفسه وهو يشاهد مدافع الدبابات مشهرة في وجوه جموع المواطنين العزل، الذين أجهزت الجرعة السعرية الجديدة على ما تبقى من لقمة عيشهم، وأسلمتهم كلية للجوع وللفقر المدقع، على أن الضرر قد لحق بفئات عديدة من السكان وخاصة فئة المزارعين والموظفين، ونشأ سبب قوي لدى الجميع يدفعهم للغضب والاحتجاج، ولأسباب تتعلق بنهج الخداع الرسمي راحت السلطات تطالب المواطنين بالتعبير عن احتجاجاتهم بطرق حضارية منظمة، متناسية أنها هي من سد سبل التظاهر السلمي وهيأ مناخات الانفجارات العفوية، من خلال إصدار قانون يحول عملياً دون السماح بممارسة التظاهرات والاحتجاجات السلمية، ومن خلال السعي الدائب لعزل أحزاب المعارضة عن محيطها الجماهيري، وتكرار توجيه التهم الكاذبة ضدها بحياكة المؤامرات وتنظيم أعمال الشغب، الأمر الذي أثار حفيظتها وحال بينها وبين أن تتواجد في صفوف المحتجين وتعمل على تنظيم حركتهم وتوجيهها نحو التعبير السلمي عن المطالب الشعبية المشروعة.

إننا في الوقت الذي ندعو فيه جماهير الشعب الساخطة من الإجراءات السعرية الجديدة إلى تجنب كل أعمال الشغب والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة، والتزام الحرص على أن تكون احتجاجاتها منظمة وسلمية، نعلن أيضا رفضنا وإدانتنا للعنف الرسمي المفرط الذي واجهت به القوات الأمنية والعسكرية جموع المواطنين المحتجين، الأمر الذي أسفر عن سقوط العشرات من القتلى وأعداد ضخمة من الجرحى، كما نعبر عن استنكارنا لإنزال قوات الجيش بأسلحتها الثقيلة والخفيفة إلى المدن والطرق في عرض متبجح للقوة، يشير إلى إمكانية استخدام القوات المسلحة اليمنية لذبح المواطنين اليمنيين العزل الذين ضاقت سبل العيش بهم، وساقتهم السياسيات الاقتصادية الحكومية غير الرشيدة إلى وهدة الفاقة والجوع والفقر المدقع، منوهين هنا أن وظيفة القوات المسلحة اليمنية هي حماية الوطن من العدوان الخارجي وليس شن العدوان على المواطنين العزل.

على أن التوتر الذي شهدته البلاد خلال الأسبوع الماضي والسفك المدان للدماء وحوادث الشغب المؤسفة لا ينبغي أن تنسينا بأي حال من الأحوال جوهر المشكلة الأصلية التي نجم عنها كل هذا، وأقصد بها سياسة الجرع السعرية المتلاحقة التي أنهكت الفقراء وهم يشكلون الآن الأغلبية الساحقة من سكان هذا البلد، إذ ظلت الحكومة تردد منذ عشر سنوات مضت أنها مضطرة لتنفيذ هذ الجرع بهدف إصلاح الأوضاع الاقتصادية تمهيداً لمرحلة جديدة من الانتعاش الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة، وخلال عقد من الزمن نفذت السلطات خمس جرع سعرية مهلكة، تكشف حصادها المر في نهاية المطاف عن فشل ذريع لما زعمت الحكومة أنه إصلاح اقتصادي فلا الاقتصاد أصلح ولا والأضاع المعيشية للمواطنين استقامت وتحسنت، لقد تحمل الفقراء ومحدودو الدخل كامل الأعباء جراء الجرع السعرية، ولم يطرأ بعد ذلك أي تحسن ملموس على أي مستوى من مستويات الاقتصاد أو المعيشة، فرؤوس الأموال لا تزال عازفة عن الاستثمار في البلد وفرص العمل لا تزال معدومة وأكثر من نصف القادرين على العمل من اليمنيين لا يزالون واقفين في طوابير البطالة، وهبط مستوى اليمن إلى آخر قائمة دول العالم، إذ هي الآن واحدة من ست دول هي الأكثر فقراً وتخلفاً، وتراجعت الخدمات بصورة مخيفة ، فالإنفاق على الصحة لا يزيد عن دولارين للفرد في بلد يعج بالأمراض والأوبئة والتلوث، والتعليم زاد تخلفاً شكلاً ومضموناً، وتوشك اليمن أن ترتد إلى مرحلة ما قبل الكهرباء، والموارد الطبيعية مثل النفط والماء تشرف على النضوب، ومعدل دخل الفرد تدنى إلى أقل من مائتي دولار في العام، وفي كل مجال من مجالات الاقتصاد والخدمات يقع نظر المرء عليه لانجد سوى التراجع والانهيار.. إذن أين ذهبت عوائد الجرع السعرية الخمس التي نزلت كالكوارث على رؤوس اليمنيين؟.. إلى أين صبت عوائد الموادر الطبيعية اليمنية التي توشك على النضوب؟ ولا اعتقد أن أياً منكم ستربكه الحيرة إذا ما تصدى للإجابة على هذه الأسئلة ..فبكل بساطة الإجابة واضحة في أرصدة المسؤولين والوزراء وكبار الضباط ومحتكري النفوذ وفي استثماراتهم في الخارج، لقد تكدس في يد هؤلاء ثروات طائلة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، وبعضهم تجاوز خط مئات الملايين من الدولارات بسرعة صاروخية لا يقدر عليها أحد سوى قوى الفساد في اليمن.

لقد تعلم اليمنيون من تجربة عشر سنوات من الجرع السعرية أن الفقر المتزايد الذي تتردى إلى وهدته الفئة السكانية تلو الأخرى، بمقابل تضخم ثروات الفاسدين وتغول مصالحهم، وبعد كل جرعة سعرية جديدة تشهد اليمن إفقار وتجويع قسم جديد من السكان بمقابل اتخام وتضخم ثروات القلة الفاسدة نفسها.

هنا سيكون من البلاهة بمكان التساؤل عن سبب غضب ورفض جماهير الشعب للجرعة السعرية الأخيرة، وبكلمة واحدة لا تعني الجرعة الأخيرة أي شيء بالنسبة للناس سوى السطو المجحف على ما تبقى من لقمة عيشهم ليحظى الفاسدون بالمزيد من الأموال والثروة والمهربة إلى الخارج، وسوى المزيد من الإنفاق العبثي على مظاهر الترف التي ينعم بها الفاسدون والحاشيات المكرسة لخدمتهم.

ولو سألني أحدكم: هل تحتاج اليمن إلى إصلاحات اقتصادية بما فيها إصلاحات سعرية قاسية، لأجبته بدون تردد: نعم تحتاج، لكن سيكون لا معنى لأية إصلاحات لا تبدأ من محاربة الفساد ولا تنطلق من إجراءات للإصلاح المالي والإداري تمنع ذوي النفوذ والسلطة في كل المواقع التي يشغلونها من التهام عوائد الموادر الوطنية، ونهب الفوائض المالية للإجراءات السعرية... أي أن الإصلاح المالي والإداري هو بمثابة جهاز المناعة الذي يحول دون أن تكون الإصلاحات الاقتصادية قربة مثقوبة لا يستقر داخلها أي شيء.

إن المواطن اليمني يتطلع إلى خطة وطنية شاملة تركز في المقام الأول على محاربة الفساد، وبعد أن يلمس لمس اليد نتائج مثل هذه الخطة، ليس لديه أية تحفظات على تنفيذ برنامج اللإصلاح الاقتصادي، مهما بدت أعراضه قاسية في الوهلة الأولى، المهم أن يتأكد أن نتائجه مضمونة وأن يد الفساد مغلولة لا تستطيع أن تسرق عوائد الإصلاحات وفوائضها وأن بعد العسر يسرا.

وفي تقديري أن هذا شرط حاسم لنجاح أية خطة للإصلاحات الاقتصادية من شأنه إعادة الأمل إلى الجماهير المحبطة، وبعد ذلك لابد أن يكون برنامج الإصلاح الاقتصادي قائماً على دراسة علمية لحجم ونوع الموارد الوطنية، وعلى خطة شاملة وحريصة على توظيفها بخطوات عملية متكاملة، وتحديد مراحلها وأهدافها بدقة وإشراك جماهير الشعب وطلائعها السياسية في رسم هذا البرنامج ومراقبة تنفيذه ومراجعة نتائجه إلى أن ينجح في تحقيق أهدافه الأساسية.. ومثل هذه الخطة لا ينبغي أن تكون باردة وخالية من الروح الإنسانية إذ أننا لانستطيع أن نتحدث عن نجاح للإصلاح الاقتصادي دون أن نلمس فوائده الاجتماعية والإنسانية طالما أن الإنسان هو وسيلة التنمية وهدفها.

وعندما نتحدث عن البعد الاجتماعي والإنساني في البرنامج المنشود للإصلاح الاقتصادي، هذا البعد الذي تهمله قوى الفساد كلية، فإنه لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا الأسباب الحقيقية التي دعت ممثلي الرأسمالية الوطنية لاتخاذ موقف يقوم على معارضة قانون ضريبة المبيعات الذي تبنته الحكومة، فهذه المعارضة في جوهرها تعكس مخاوف الرأسمال الوطني من التلاعب الذي تمارسه قوى الفساد، ومن قدرتها على تحويل مجرى الإصلاحات الاقتصادية في اتجاه معاكس لأهدافها، فالرأسمال الوطني يدرك أهمية تنفيذ قانوون ضريبة المبيعات، لكنه لا يثق بالنتائج عندما تكون على يد جهاز إداري فاسد تحركه وتوجهه المصالح غير المشروعة لقوى الفساد، ففي ظل جهاز كهذا سيتحول القانون بما يعنيه من أبعاد صحيحة إلى وسيلة إضافية للابتزاز والسرقة، اللتين تمارسهما قوى الفساد المتنفذة.

وباختصار مفيد أقول: الفساد هو مبعث جميع المخاوف بالنسبة لفقراء اليمن، مثلما هو بالنسبة لرأسماليتها الوطنية، فهل يمكن التوصل إلى الأخذ ببرنامج وطني للإصلاح الاقتصادي يبدأ من محاربة الفساد ويركز في مراحله الأولى على القضاء عليه واستئصال شأفته؟

إذا كانت الحكومة الحالية تقدر على ذلك، فلترينا نواياها الحيقية من خلال خطوات عملية نرى فيها أيادي الفساد الأخطبوطية وقد شلت، ونرى في مطلعها فرسان الفساد مكبلين وراء قضبان المساءلة والمحاسبة.

ومن دون أن نغوص كثيراً في متاهات الأحلام الوردية لابد أن أؤكد على حقيقة مبدئية، قوامها أن الفساد المالي والإداري والاقتصادي، هو فساد سياسي أولا.. أي أن الفساد الذي أنهك الحياة الاقتصادية والمعيشية لليمنيين انطلق من أرضية سياسية في المقام الاول، وأحيط بالرعاية والدعم لتحقيق أهداف سياسية تدخل في إطار خلق الشروط لتأمين استمرار سيطرة قوى السلطة والنفوذ المتسللة من خارج قواعد الشرعية وسيادة القانون، وفي وضعنا اليمني الملموس شهدنا كيف تتحول مواقع احتكار السلطة إلى وسيلة للحصول على الثروة واحتكارها، وكيف تحمي السلطة نفسها بالفساد، وكيف يوسع الفساد مصالحه عن طريق المزيد من الاستئثار بالسلطة.

ولهذا لايستطيع أي داعية للاصلاح الاقتصادي أن يتجاهل الاهمية الحاسمة للاصلاح السياسي كشرط لابد منه لنجاح الاصلاح الاقتصادي، ففي مثل الحالة التي نمر بها في اليمن يبدأ الاصلاح الناجح من السياسة، ومنها يستطيع أن يتمد بنجاح إلى الاقتصاد، وإلى بقية المسارات الوطنية الاخرى.

وتكمن النقطة الجوهرية في الاصلاح السياسي في جعل السلطة وظيفة عامة مكرسة لخدمة المجتمع تستمد شرعيتها من تأييد غالبية الشعب، ومن رقابته على القائمين في شغل مراكزها، كبديل للسلطة التي تكرس وظائفها لجمع الثروة وتقوية عصبيتها العشائرية والعائلية بإقصاء المنافسين وقمعهم، والتحلل من رقابة المجتمع ومحاسبته.

وفي سياق عملية الاصلاح السياسي التي ندعو إليها في اليمن تأتي العديد من المفردات المحددة المتضمنة في البرنامج السياسي لحزبنا وفي التصورات المطروحة من قبل أحزاب اللقاء المشترك في المعارضة السياسية اليمنية، والتي تتناول ايجاد فصل حقيقي بين سلطات الدولة، والتحول نحو النظام البرلماني كبديل للنظام المختلط الذي جمع بين اختلالات النظامين الرئاسي والبرلماني دون أن يلتزم بقواعد وضوابط المسؤولية في أي منهما.

وضمن هذه المفردات تبرز المكانة الخاصة للمطالب المتعلقة باستقلال القضاء ونزاهته وتحديثه، ومنع استخدام قوى الجيش والامن في التنافس بين التيارات الحزبية والسياسية وتحييد الوظيفة العامة والمال العام، ووسائل الاعلام العامة عن الاستخدام لاغراض حزبية، وتأمين شروط الحرية والنزاهة والتكافؤ في الانتخابات العامة، وتأمين سيادة القانون في ظل دولة مؤسسية تحرس حقوق المواطنة المتساوية إلى غيرها من المفردات التي تشكل جوهر الدولة المدنية الحديثة سواء من حيث شكل جهازها وقواعد بنائه أو من حيث مضمون وظيفتها والمقاصد التي تبنى عليها سياساتها وتوجهاتها.

وتظل إمكانية التداول السلمي للسلطة ولمراكزها، هي المعيار الحقيقي الثابت للتمييز بين الدولة الديمقراطية وبين الدولة الاستبدادية وقد أسعدني إعلان الاخ الرئيس علي عبدالله صالح عزمه عدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المزمعة في العام القادم، إذ يمكنني وصف هذا الاعلان بالتاريخي لانه يرسي واحدة من أهم أوليات التداول السلمي للسلطة بعد قرابة ثلث قرن من احتكارها والتفرد بها ، وبدون أن يمضي الاخ الرئيس علي عبدالله صالح قدما في تأكيد مصداقية هذا الاعلان وتحويله إلى واقع عملي ستظل اليمن مأسورة في قبضة الاستبداد، ومحشورة في سرداب الجمهوريات الوراثية المنبوذة، ولهذا أقول للاخ الرئيس : عليك أن تمضي قدما في تنفيذ هذا الوعد، ولا تغلق أبواب التاريخ على نفسك وعلى شعبك بعد أن أعلنت فتحها..

أيتها الأخوات .. أيها الأخوة .. لقد كان من الضروري إدارة حوار وطني شامل حول مجمل القضايا الوطنية ، غير أن السلطة لاتزال تنظر إلى الحوار كآلية ثانوية في إطار تنفيذ توجهاتها فقط، وليس كآلية وطنية لمعالجة المشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد .. ولهذا واصلت موقفها الإقصائي منذ نهاية حرب 1994م على الرغم من أنها كانت قد تعهدت للأمم المتحدة في 7/7/94 م بإدارة حوار وطني وبتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق، ومع ذلك لم تف بأي شيء مما تعهدت به فإجراءات الطوارئ الاستثنائية لاتزال قائمة، ولم تعد الموظفين العسكريين والمدنيين إلى أعمالهم، ولاتزال تسيطر بطريقة غير قانونية على أموال وممتلكات الحزب الاشتراكي اليمني، ولم تعوض عن الممتلكات المنهوبة وراحت تتفضل بقرارات العفو بدلا من إلغاء المحاكمة السياسية لشركاء الوحدة، ولم تلتفت لقراري مجلس الأمن رقم 924 ورقم 931 حتى الآن، وكأنها غير مكترثة بالشرعية الدولية.

وهاهي في الآونة الأخيرة تضع أجندة للحوار حول قضاياها الخاصة فقط ودونما اهتمام بما تعهدت به أو بما ألزمها المجتمع الدولي من اجراءات.

ضيوفنا الكرام .. اسمحوا لي الآن بمخاطبة مندوبات ومندوبي المؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي اليمني ..

رفيقاتي .. ورفاقي مندوبي المؤتمر .. لقد عانيتم طويلا كي تصلوا إلى هذه المحطة من نشاطكم الحزبي، وسأكون مجحفا إن لم أعلن أمامكم تثميني وتقديري العاليين للجهود المثابرة التي بذلتموها لإنجاز الدورة الانتخابية الحزبية الكاملة التي نتوجها اليوم بانعقاد المؤتمر العام الخامس لحزبكم، الذي قررتم إطلاق اسم الشهيد جار الله عمر عليه، وها أنا أطالبكم بتحديد ملامح ومعاني هذه التسمية.

ولكي تكونوا أوفياء لذكرى رفيقنا الشهيد أوصيكم باحتذاء نهجه الفكري والسياسي، وتحقيق أحلامه في تكريس قيم الوطنية الحقة والتسامح السياسي وتجسيد السلوك الديمقراطي المنفتح المناوئ لكل أشكال الانعزالية وضيق الافق، ونبذ ثقافة العنف وإقصاء الآخر، ولطالما حلم الشهيد جار الله عمر بانتصار قيم الحداثة والمدنية، وهاهو هذا الحلم أمانة في أعناقكم، يقتضي الوفاء بها الحفاظ على حزبكم الاشتراكي اليمني حزبا موحدا وموئلا جبارا من موائل الحداثة والتقدم في اليمن .. أدعوكم وفاء وإجلالا لذكرى الشهيد أن تنبذوا النعرات المتخلفة، وأن ترتفعوا بأنفسكم فوق مستوى الجهويات الصغيرة، وأن تعمقوا القيم الاجتماعية والإنسانية الرفيعة في وجدانكم وفي سلوككم السياسي .. عليكم أن تتذكروا أن جار الله عمر القائد النزيه والمناضل المخلص والإنساني الرائع لفظ أنفاسه الاخيرة هنا في هذه القاعة، وإنني أتخيل روحه ترقبكم وتحلق في أجواء مؤتمركم تتأمل ماذا أنتم صانعون وأنتم ترسمون مستقبل حزبه، حزبكم الذي ظل على الدوام قاعدة صلبة من قواعد التقدم في هذا البلد، وأداة الطامحين لتحقيق العدالة والمساواة في ربوعه..

قضية جار الله عمر وقضية حزبه بين أيديكم فكونوا جديرين بالمسؤولية وارفعوا الراية فوق رؤوسكم.. هذا ما أتعشمه فيكم واثقا أنكم لن تخيبوا آمال الشعب المعقودة عليكم، متمنيا لكم التوفيق وسداد الخطى ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى