قدني على بيتري قلت با لي نار

> علي عمر الهيج:

>
علي عمر الهيج
علي عمر الهيج
لأنهم بسطاء وعفويون، ها هم الناس وأول ما أعلنت الحكومة رمي جمرتها - عفواً جرعتها الخبيثة - امتلأ الشارع بالهمس والأسئلة والحيرة، وتعالت الصرخات بسرعة وجنون.. هذا يسأل قائلا «كم أجرة الباص من الشيخ إلى عدن؟» وآخر يسأل بحرقة «مش معقول، متى؟ طيب كم أجرة البيجوت من التواهي إلى البريقة؟» وامرأة عجوز تصيح وتصرخ «أيش.. أيش .. طيب كم الكرى حق الدباب من الحافة حقنا إلى الطويلة حيث بنتي مزوجة هناك؟!» وشاب عاطل عن العمل يسأل بمرح ساخر قائلاً «يعني خلاص ماعادش في تعبيرة.. حتى التعبيرة جمركوها وصادروها».

بسطاء وطيبون تلسعهم نيران متتالية دون رحمة ولا عدالة .. وآخرون مندهشون يتزاحمون على الأكشاك والمحلات لمطالعة الصحف ومتابعة الأخبار والتعليقات!

ففي شهر واحد فقط تصاعدت المعيشة مرة ومرتين وثلاثاً، فيما «الزيادات الهائلة» مازالت مخاضاً مشوهاً يئن ويعاني في رحم الدهاليز والإدارات والأدراج.

ماذا حدث؟ولماذا حدث هذا؟ وما الذي سيحدث؟ كلها أسئلة مريرة ارتسمت على جباه المطحونين، وأسر وعائلات تهرول مسرعة لعقد اجتماعات استثنائية وطارئة لوضع «خطة طوارئ» لمجابهة «تسونامي الرغيف» الذي ضرب بقوة كل مفاصل العقول والبطون والسكينة!

وهناك في ركن الشارع عراك شديد بين أب وطفلته على نظام المصروف اليومي الذي حدد سلفاً بخمسين ريالاً «عشرون ريالا مواصلات داخلية وثلاثون ماء وشاي» واحتدم العراك ليصرخ الأب قائلاً «خلاص يا هبة.. من اليوم يا بنتي لا أستطيع أن أعطيك يومياً مائتي ريال لمواجهة المتطلبات.. خلي أخوك يصلح السيكل وشلّي معك ماء وشاهي من البيت». بكت الطفلة وتساقطت دموعها وراحت تجهش بالبكاء في حضن أمها الصامتة.. هكذا داهم الرعب المعيشي المنازل والأسر وظل الهلع ناقوساً يدق الأبواب في كل لحظة وحين.

«زيادات هائلة» هكذا تصرح الحكومة للبسطاء .. فيما شاب جامعي يعتصر ويقول بألم «أي زيادات هائلة.. هذا ظلم والله أشبعتمونا وعداً وسراباً .. نريد عصفورا في اليد ولا عشرة فوق الشجرة، جرعتكم نتذوقها ونطعم مرارتها وفرحتنا الهائلة في نفس يعقوب.. نريد ملامسة حقيقية لجوعنا وتشردنا ومعاناتنا».

«من أجل إصلاح الاختلالات» هكذا ينظر عباقرة الاقتصاد وأصحاب نظريات الفقه والفلسفة ورأس المال .. يثرثرون: «هناك جرح دامٍ بحاجة إلى مداواة، والعلاج لا يكمن إلا في هذه العقلانية الرشيدة لوقف الدماء والتقيح».

بسطاء يطلبون الحياة البسيطة في أدنى حدودها، وطيبون خاصموا الأفراح وموائد اللحم والأسماك الطازجة والفواكه، وارتضوا قانعين بسد رمق جوعهم ومع هذا صودر عليهم هذا الفتات البسيط.

وفي المشهد الأخير رجل يبتسم أمام زوجته بعد أن تعذر عليه شراء الغاز ويقول لها «اسمعي يا شريكة العمر.. يا حبي الكبير.. قدنا من زمان نستخدم الجمر و(الموفى) قلتي لي جيب شولة أبو فرن .. خلينا بالله عليك نعاود الحب والحنين لذلك الزمن الجميل أيام البيتري، وخلينا من الفشخرة والخشافة يا اللي الدلع ضيعك.. ركّبي لنا البيتري بداخل الراديو واسمعي لك أغاني زمان الجميلة واشعلي لك شمعة وتعالي بانتسامر بقرب (الموفى) مع جمال القمر وسحر النجوم وخليهم يعصدوا هم واختلالاتهم.. قدني قلت لك من أول وزمان: قدني على بيتري قلت با لي نار».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى