رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- قائد صالح حسين: انتزع ببطولاته لقب « الشنفرى»..المولد والنشأة..من مواليد 1938م في قرية «غول سبولة» بإمارة الضالع في أسرة فلاحية فقيرة تميزت بتاريخها النضالي، وكان جده الفقيد حسين قاسم اسماعيل، أحد الذين استشهدوا في معركة ضارية مع جيش الاحتلال التركي.

تلقى تحصيله في أحد كتاتيب منطقته، ودفعته ظروف الاسرة البائسة الى العمل في بيع القات، وفي منتصف خمسينات القرن الماضي أكمل نصف دينه ليبدأ مشوار حياته بالاستقرار، ألا أن انتفاضة الضالع عام 1956م التي انتشرت في سائر مناطق الضالع جذبته الى صفوفها، وكان من أبرز أسبابها المطالبة بإطلاق سراح الشيخ علي صالح الشاعري الموقوف في حضرموت، إلا أن الامام احمد خذل المناضلين وأوقف دعمه عنهم فتفرقت بالمناضلين أيدي سبأ.

قائد يعود من الكويت وقد تحزب
شهدت الضالع موجة هجرة بعد قمع الانتفاضة إلى الخارج هروباً من شظف العيش وملاحقة السلطات لهم، وتنوعت محطات السفر ومنها الكويت التي سافر اليها قائد صالح حسين وعلي أحمد ناصر عنتر ومحمد أحمد البيشي ومحمد مانع وآخرون التحقوا بوظائف مع القطاع الخاص هناك.

استوعبت حركة القوميين العرب في الكويت عدداً من القادمين إليها من مناطق الجنوب، ومنهم عنتر والبيشي وقائد ومانع وغيرهم، وتزامن ذلك مع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وبدء نشاط فرع الحركة في المناطق الجنوبية والشمالية من الاقليم اليمني في وقت سابق على قيام الثورة.

العميد علي عبدالله السلال يقدم شهادته
وردت شهادة العميد علي عبدالله السلال في الكتاب المكرس في ذكرى وفاة الفقيد قائد صالح حسين (ص 57) حيث سلط الضوء على الخلفيات النضالية للفقيد منذ عام 1956م، وتطرق في شهادته إلى موقف الفقيد وزملائه في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م، وجاء في شهادته: «حيث هب الآلاف من أشقائنا في المحافظات الجنوبية للانضمام إلى صفوف الحرس الوطني والقوات الشعبية، حيث كان لهذه المشاركة والقوى الوطنية التي دافعت عن الثورة في أيامها الاولى الفضل في صمودها والوقوف على أقدامها حتى وصول المد الأخوي من مصر عبدالناصرِِِ».

قائد صالح في صفوف الجبهة القومية
تم الاعلان عن قيام «الجبهة القومية لتحرير الجنوب» في اغسطس 1963م وتم اختيار الفقيد قائد صالح ضمن (45) شخصاً وأرسلوا إلى تعز للتدرب على استخدام الاسلحة، وعند انفجار أول شرارة لثورة 14 اكتوبر 1963م من جبال ردفان ساهم قائد صالح في تشكيل أول مجموعة من جيش التحرير، وأسندت إليها مهمة مد جبهة ردفان بالأسلحة والذخائر من قعطبة مروراً بالضالع.

تعرضت جبهة ردفان لضغط شديد من القوات البريطانية، وتقرر تخفيف الضغط عنها بفتح جبهة الضالع والبدء بالعمل العسكري المباشر، فشكلت اربع فرق عسكرية للبدء بالعمل وكان قائد صالح قائداً لإحداها، وتم تنفيذ الهجوم الأول على معسكر بريطاني صبيحة 24 يوليو 1964م، وتوالت بعد ذلك المعارك والعمليات العسكرية في جبهة الضالع.

قائد صالح في جبهة عدن
سقطت منطقة الضالع بأيدي ثوار الجبهة القومية في 21 يونيو 1967م، وصدر قرار القيادة بتكليف قائد صالح بالتوجه على رأس مجموعة لتعزيز جبهة عدن بعد استشهاد المناضل مدرم، وحدد موقعهم في بلوك (30) بالمنصورة وبعد ما كشفت السلطات الأمنية موقعهم انتقلوا الى القاهرة، إحدى ضواحي الشيخ عثمان.

عاد قائد صالح إلى الضالع لحضور اجتماع للقيادة عقدته في القرين، وتمحور الاجتماع حول إعداد خطة لإسقاط المناطق وكان الفقيد ضمن القياديين المكلفين بتحرير منطقة الشعيب، وخاض مع رفاقه صالح مصلح قاسم وصالح حسين راشد وبقية أفراد جيش التحرير معارك ضارية خلال الفترة من 28 حتى 30 اغسطس 1967م. واصل الفقيد قائد صالح مع بقية مقاتلي الجبهة معارك إسقاط المناطق والتي اختتمت في جبهة عدن، والتي توجت بالاعتراف بالجبهة القومية، التي فاوضت بريطانيا وتم إعلان الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م (مرجع سابق ص 17)

قائد صالح يبتعد عن دائرة الأضواء
ابتعد قائد صالح عن دائرة الضوء بعد نيل البلاد استقلالها الوطني في 30 نوفمبر 1967م مكتفياً بما قدمه لقضية بلاده، ولم ينتظر جزاء ولا شكورا حيث أصبح مساعد مأمور لمركز الحصين عام 1969م، ثم مأموراً لمديرية الضالع عام 1975م ثم ماموراً لمديرية ردفان ورئيساً لأول مجلس محلي لمديرية ردفان.

كان قائد صالح حسين عضواً في مجلس الشعب الأعلى عام 1975م وعضواً في مجلس النواب بعد قيام دولة الوحدة خلال الفترة 1990-1993م ثم مستشاراً لوزير الإدارة المحلية، وعلى الصعيد الحزبي تجلت بساطة قائد صالح من خلال عضويته في لجنة منظمة الحزب الاشتراكي في محافظة لحج حتى وفاته.

الشنفرى في حضرة فخامة رئيس الجمهورية
بعد أن وضعت الحرب أوزارها في 7 يوليو 1994م أوحى عدد من أعضاء مجلس النواب بأن يقوم وفد من أبناء الضالع بزيارة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، وتحققت الزيارة وأسندت مهمة التحدث باسم الوفد إلى قائد صالح حسين، الرجل الجسور الذي أطلقت عليه العامة لقب الشنفرى، وعلى أرض صلبة وقف الشنفرى مخاطباً فخامة الرئيس: الأخ الرئيس يشرفنا أن نلتقي معكم اليوم وأن تستقبلنا بصفتك رئيساً لنا جيمعاً، لقد جئنا من الضالع المديرية المناضلة والوحدوية إلى يوم القيامة، ونحن لم نصل الى هنا مسلمين أو مستسلمين، بل وصلنا مؤكدين أن الضالع ستظل كما عهدتها الثورة اليمنية، وهي قد تعرضت لحرب قاسية، وأبناؤها المؤهلون إما مشردون أو مطرودون من أعمالهم، نحن لسنا مرتزقة ولا انفصاليين ولكن عندما سمعنا من الإذاعة عن احتلال الضالع وتحريرها حملنا السلاح وقاتلنا دفاعاً عن أهلنا وعن شرفنا، والآن جئنا إليك واثقين كل الثقة ومجددين وفاءنا لليمن الموحد، ونؤكد امامكم اليوم أننا جئنا من الجبال ثم عدنا إليها مؤخراً، وسنحترم النظام والقانون، لكن إذا تعرضنا للإهانة والذل سنعود إلى الجبال مرة أخرى ونقاتل، وفي نفس الوقت سنظل قوة وفية مخلصة لليمن والوحدة والديمقراطية، لقد تقاتلنا نحن وأنتم قتال الأبطال للأبطال وسدينا.».

قائد صالح والإصرار على الموت في الضالع
دخلت صحة المناضل قائد صالح حسين مرحلة حرجة، وعرضت عليه فرص السفر الى الخارج حيث يقيم أحد أبنائه، ورغم موافقة رئيس الجمهورية على علاجه في الخارج، إلا أنه فضل البقاء داخل مستشفى الجمهورية تحت رعاية كريمة من اطباء المستشفى وخارج المستشفى، وكان يشير على اصحابه: لا ..لا.. والله ما أموت إلا في اليمن.. في الضالع».

عند أصيل يوم 19 اكتوبر 1997م صعدت الروح الطاهرة للمناضل الوطني قائد صالح حسين الثوير إلى بارئها عن عمر ناهز (58) عاماً وله من الأولاد (8) والبنات (10) و(15) حفيداً.

حصل الفقيد قائد صالح حسين على «وسام الثورة 14 أكتوبر» و«وسام الشجاعة» وكسب احترام وحب الناس الذي تجسد عند تشييع جثمانه والذي شارك فيه الآلاف من المشيعين الذين قدموا من كل حدب وصوب.

2- سالم محمد باهرمز: أحد الجنود المجهولين في الساحتين الوطنية والرياضية..الولادة والنشأة..من مواليد ثلاثينات القرن الماضي بمدينة لودر، (التي كانت تتبع السلطنة العوذلية) في أسرة فقيرة، وينتشر آل باهرمز في حضرموت وأبين وشبوة، وعرف عنهم أنهم أهل قضاء وعلم. تلقى سالم باهرمز تحصيله الأولي من القرآن في أحد الكتاتيب وبعد أن ختم القرآن أخذه جده إلى مدينة نصاب وألحقه بمدرسة العلوم الإسلامية التي كان يشرف عليها العلامة السيد أحمد بن صالح الحداد، وحصل باهرمز في تلك المدرسة على قسط طيب من التربية الإسلامية.

عند بلوغه الثالثة عشرة من عمره، التحق سالم باهرمز بمدرسة حكومية ودرس الإعدادية والثانوية، وخرج سالم باهرمز بعد ذلك إلى ميدان العمل فعمل مدرساً وإماماً وخطيباً في أحد مساجد منطقة «لبو» في لودر، ومارس مهامه من عام 1950م حتى عام 1956م.

مشوار باهرمز مع الاستقرار في عدن
في العام 1956م، شد سالم محمد سالم باهرمز الرحال إلى عدن والتحق هناك بشرطة عدن (بوليس عدن) عام 1958م وشكلت الوظيفة أولى لبنات الاستقرار الذي تعزز بحصوله على أحد مساكن الشرطة في كريتر بجوار ثكنات «الشرطة المسلحة ِِARMED POLICE» معسكر 20 يونيو لاحقاً- وشجعه السكن على اكمال نصف دينه بالزواج عام 1960م.

التحق سالم باهرمز بنادي الأحرار الرياضي (النجم اللامع سابقاً) بكريتر (عدن) عام 1959م، وتقلد عدة مناصب في النادي وارتقى درجات السلم حين أصبح نائباً لرئيس النادي عام 1973م، وعندما تقرر دمج الأندية الرياضية في عدن، كان سالم باهرمز رئيساً للجنة الدمج بين نادي الأحرار الرياضي والنادي الأهلي الرياضي بكريتر، واكتملت عملية الدمج مع أندية أخرى، وأصبح لكريتر ناد واحد وهو «نادي التلال الرياضي» الذي يعتبر امتداداً لـ (النادي المحمدي المتحد MCC ) الذي تأسس عام 1905م، وسيحتفل نادي التلال بمرور الذكرى المئوية لتأسيس النادي.

باهرمز في موكب الجبهة القومية
بعد إعلان «الجبهة القومية» الكفاح المسلح في 14 اكتوبر 1963م، كان سالم باهرمز من أوائل الملتحقين في صفوفها وكان من الناشطين الكبار في صفوف الجنود والضباط، تحمل مسؤولية التنظيم السري لبوليس عدن. تزايد عدد الجنود والضباط في صفوف التنظيم وأعيدت هيكلة التنظيم السري عام 1966م فشكلت القيادة «رابطة مجال الأمن» وأسندت لها مهام نقل وخزن الأسلحة وإيواء الفدائيين والقيادات السياسية في منازلها ومنع القيام بعمليات فدائية بدون التنسيق مع القيادة.

تحمل باهرمز خلال فترة الكفاح المسلح قيادة تنظيم الجبهة القومية في شرطة كريتر والمعلا وجزء من معسكر البوليس المسلح (معسكر 20 يونيو) وانتشر حضوره ميدانياً بمشاركته في عدة عمليات عسكرية ضد القوات البريطانية.

كان مسكن سالم باهرمز مأوى لقيادات ثورية منها: الشهيد فيصل عبداللطيف (وبحسب وصف باهرمز بأنه - أي فيصل - كان القائد الفعلي للثورة) وعبدالله الخامري وعلي صالح عباد مقبل وأنور خالد وعبدالرزاق شائف ومطيع وعبدالعزيز عبدالولي وأبوبكر شفيق، ومن الفدائيين سالمين وفرحان وعباس والخضر مسودي وأولاد مدرم أحمد وعبدالنبي وغيرهم.

ماذا يقول باهرمز؟
قدم سالم باهرمز شهادته للتاريخ عندما كتب : «ولا أبالغ والأدلة موجودة إذا قلت بأن انتصار الثورة في 30 نوفمبر 1967م كان بفصل تنظيمي الضباط والجنود الاحرار في مؤسستي الجيش والأمن (البوليس)» .

باهرمز يواصل رسالته في مجال الرياضة
بعد نيل المحافظات الجنوبية استقلالها في 30 نوفمبر 1967م تم تعيين سالم باهرمز عضواً في أول اتحاد عام لكرة القدم في عدن برئاسة الشهيد عبدالله بن سلمان، وعين في العام 1974م بقرار وزاري عضواً في لجنة إعادة تأهيل ملعب الشهيد الحبيشي (المدرج البلدي قبل الاستقلال) بكريتر.

بعد خدمة دامت (25) عاماً في الشرطة انتقلت خدمات سالم باهرمز إلى المجلس الأعلى للرياضة، وكان مسؤولاً عن استيراد الملابس والمعدات الرياضية لجميع الاتحادات والأندية في الجمهورية، وهي حسنة من حسنات النظام آنذاك، واستمرت خدمات باهرمز لمدة (12) عاماً وتوجت خدماته بوسام الحركة الرياضية تقديراً لخدماته، كما حصل على وسام الرياضة تقديراً لدوره في مرحلة الكفاح المسلح في صفوف الرياضيين.

تأثر باهرمز كثيراً بالعلاقة المتميزة التي ربطته بالأستاذ القدير كمال حيدر علي، رحمه الله، والأستاذ أحمد هيثمي سالم، أمين مال نادي الأحرار، كما كانت لسالم باهرمز علاقة حميمية بالشهيد محمد علي الحبيشي، لاعب الأحرار، وأحد فدائيي الجبهة القومية، الذي استشهد بالقرب منه، كما ربطته علاقة طيبة بالكباتن إبراهيم علي أحمد وناصر الماس وعباس غلام وغيرهم من لاعبي الأحرار، كما لا ينسى باهرمز علاقته الطيبة أيضاً باللاعب والقائد الكروي نصر عبدالرحمن شادلي، رئيس نادي الشباب الرياضي والدكتور عزام خليفة وشخصيات رياضية أخرى وفي مقدمتهم الأخ العزيز أحمد قعطبي والفقيد محمد عبده زيد، القامة الرياضية التي يعتز بها.

باهرمز يعبر الحدود سيراً على الأقدام
في العام 1983م انتقل سالم باهرمز الى شركة التجارة الداخلية مديراً لمنطقة كالتكس بقسم مواد البناء، وبعد انفجار أحداث يناير 1986م اختفى باهرمز مدة (91) يوماً، خرج بعدها متخفياً من عدن وقطع مشوار النزوح إلى المحافظات الشمالية سيراً على الأقدام، وكانت البيضاء بر أمانه، ولحقت به أسرته بعد عام واحد، ولا تزال صنعاء مقر اقامته ويتأهب قريباً للعودة إلى عدن.

لسالم باهرمز سبعة أولاد هم: 1- جمال، مهندس في مجال النفط، 2- محمد، رائد في الشرطة، 3- سامي، مهندس بوزارة العدل، 4- فاطمة ، مدرسة (تخصص علم نفس)، 5- منى، طبيبة، 6- نورا، ثانوية عامة 7- خالد، ثانوية عامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى