المقامات الحضرمية أو (المقامات النظرية)

> «الأيام» علوي بن سميط:

> الشائع بين الأوساط الأدبية ومحبي القراءة والاطلاع أن فن المقامات يرتبط بالحريري (مقامات الحريري) أو بالهمداني أو ابن الصيقل الجزري، إلا أن أسماء ارتبطت بهذا الفن الأدبي غير الذين اشتهروا في الدوائر الأدبية العربية، وكتب أولئك مؤلفاتهم ببلدان بعيدة عن موطنهم الأصلي الذي ولدوا وتربوا فيه وهاجروا منه وأبدعوا في الغربة. وأشهر كتّاب (المقامات)، الذي نقصده وربما يسمع عنه القليل جداً، هو الأديب أبو بكر بن محسن باعبود الحضرمي، من علماء القرن الثاني عشر الذي اشتهر بـ (المقامات النظرية) وأطلق عليها الباحثون والعلماء الهنود (المقامات الهندية) لأن المؤلف السيد باعبود كتبها في الهند، وكل مقامة عنونها باسم المنطقة التي كتب الحكاية فيها.

أما كيف عرفت أن الحضارم نبغوا في هذا المجال الإبداعي ووصلوا إلى مرتبة عليا في هذا الفن الأدبي المحبوب في الشرق فقد جاء ذلك في جلسة جمعتني بالمهندس المثقف عمر عبدالعزيز (السوري الأصل) الذي يعمل كبير مستشارين في إدارة مشروع التنمية الحضرية بشبام الممول من ألمانيا الاتحادية، وسألني عن معلوماتي في فن الأدب المعروف بالمقامات وكانت إجابتي: لعلك تعني (مقامات الحريري)، فأردف: وهل تعلم بالمقامات الحضرمية؟ فرددت: إنني لا أعلم ولم أطلع على شيء مما قلته، فابتسم وأضاف أن لديه هذه المقامات مطبوعة، وفي مرة أخرى أهداني كتاباً قائلاً هاك المقامات النظرية.

وللقارئ الكريم أبسط هذه المعلومات: الكتاب بعنوان (المقامات النظرية) للأديب أبي بكر محسن باعبود الحضرمي، تحقيق أ. محمد عبدالله الحبشي، من إصدارات المجمع الثقافي بأبو ظبي سنة 1999م ويقع في 317 صفحة.

وجاء في مقدمة الكتاب: «تحدث الكُتًّّاب في العصر الحديث عن المقامات كثيراً، ولكن أحداً منهم لم يشر إلى مقامات هامة هي في الحقيقة أقرب إلى الجانب القصصي الفكه منه إلى ذلك الذي ابتدعه الهمداني مؤسس هذا الفن ومن أتى من بعده، وهذه المقامات لمؤلف يمني من أهل حضرموت عاش في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، وكان مهاجراً مغترباً ودخل بعض بلدان الهند متنقلاً بين ربوعها ووفاء منه لهذا البلد نجده قد أسبغ على مقاماته أسماء بلدان الهند كتلك الطريقة التي اتبعها الحريري وسلفه، حتى ظن من ظن أن المؤلف من تلك البلاد وهذا يخالف الحقيقة».

وفي مكان آخر: «عرفه العلماء الهنود- أي باعبود الحضرمي- وأشادوا بذكره ومنهم من شرح مقاماته، وقد اشتهرت عندهم شهرة واسعة ومنهم من أطلق عليها اسم (المقامات الهندية) وفي المخطوطات التي كتبها أهل حضرموت وجدناها تحمل اسم (المقامات النظرية).

ولعل أقدم من وصف المقامات ومؤلفها باعبود هو العالم الهندي عبدالحي اللكنوي المتوفى سنة 1341 في كتابه (نزهة الخواطر) يقول: أبوبكر بن محسن باعبود العلوي أحد الأدباء المشهورين من أهل اليمن، قدم الهند وسكن بمدينة سورة، له المقامات الهندية فيها خمسون مقامة».

كما تحدث د. زبيد أحمد، من علماء الهند العصريين المهتمين بتاريخ الآداب العربية في الهند وأشار للمؤلف والمقامات وشرحها في كتابه الآداب العربية في شبه القارة الهندية، وأشار له من الكُتّاب العرب د. يوسف نور عوض، في كتابه (فن المقامات بين المشرق والمغرب). وعند ذكر مقامات باعبود يقول: «والمقامات على وجه الإجمال تنقل الفن المقامي نقلة كبيرة في فن القصة القصيرة، وموضوع المقامات يدور حول مشكلات المجتمع». وتذكر مقدمة الكتاب أن د. يوسف نور لم يطلع على مقامات الأديب أبي بكر باعبود وإنما يرجع إليها بواسطة د. محمد رشدي حسن في كتابه (رسالة في تطور فن المقامة).

إجمالاً، فإن العلامة باعبود اتبع الطريقة التقليدية السائدة وجعل من مقاماته صوراً اجتماعية تقترب من الفن المقامي من حيث الشكل، وتبتعد عنه من حيث المضمون بما حوته المقامات من قضايا عولجت بأسلوب فني رفيع وتتبع المؤلف للموضوعات التي طرقها. وفي مقدمة الكتاب جاء أيضاً أن باعبود يقترب أحياناً من أسلوب الحريري من حيث الشكل والمضمون، وذلك عندما يحاكيه في بعض مقاماته الأدبية كالمقامة الشعرية، والعروضية والمقامة الوعظية.. عموماً لا يمكنني السرد ولو جزئيا عن هذا الكتاب الرائع فما أبتغيه هو أن أذكر المهتمين والقراء بأن فن المقامات أيضاً مدرسة حضرمية نقلها مغترب وأبدع حتى أن الهنود صنفوها من آدابهم، وأن نشر مثل هذه العلوم المفيدة يعود بالنفع للمتابعين، والشكر الجزيل لا بد وأن يصل للعلامة والباحث الأستاذ عبدالله محمد الحبشي الذي حقق وبكل تفان العديد من الكتب لمؤلفين نوابغ مشهورين وبطريقته العلمية الدقيقة.

ويضم كتاب (المقامات النظرية) التي يسميها أهل الهند المقامات الهندية ويحب أن يسميها الحضارمة المقامات الحضرمية، (50) مقامة وأول مقامة فيه هي (السورتية) نسبة إلى سورت المدينة الواقعة شرق غرب بومباي، وهي ميناء على خليج بومباي كانت مركزاً رئيساً للتجارة الأوربية في القرن السابع عشر، وتعرف المقامة الأخيرة رقم (50) بـ(السيالكوتية) وهي مدينة شمال شرق باكستان بمحافظة لاهور حالياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى